المحسوبيات و”الواسطة”.. جامعيون وأصحاب كفاءات علمية بلا فرصة عمل في إدلب 

44

 

يواجه خريجي الجامعات وأصحاب الكفاءات العلمية في مناطق سيطرة “هيئة تحرير الشام” من صعوبة الحصول على العمل بسبب هيمنة المحسوبيات “الواسطة” على جميع المؤسسات المدنية التابعة “لحكومة الإنقاذ”، حيث تنتشر هذه الظاهرة السلبية بشكل واسع بسبب هيمنة “قوة السلاح” على قرار تعيين الموظفين لدى هذه المؤسسات.
ويرى الكثير من الجامعيين وأصحاب الكفاءات العملية العاطلين عن العمل في مناطق إدلب وريفها أن الحصول الأسرع والأسهل على الوظيفة لا بد أن يكون من خلال المحسوبيات “الواسطات” وهو تعبير يدل على ضرورة وجود شخص مسؤول إما في “حكومة الإنقاذ” أو قيادي في “هيئة تحرير الشام” ليقوم بفرض اسم المتقدم للوظيفة على إدارة المؤسسة أو المنظمة.
وبالتالي فإن معظم الخريجين الجامعيين لم تعد لديهم الثقة  بالآلية والطريقة المتبعة في التوظيف التي يتم اتباعها عند وجود شواغر في إحدى منظمات المجتمع المدني أو المنظمات الإنسانية أو المؤسسات والدوائر التابعة “لحكومة الإنقاذ”، حيث باتوا يرونها مجرد إجراء روتيني وشكلي لا أكثر، مؤكدين بأن صاحب الوظيفة معين مسبقاً قبل فحص المقابلة.
الشاب (م.ع) “32 عاماً” نازح من منطقة ريف حماة الغربي ويقطن في بلدة أرمناز في ريف إدلب الشمالي منذ العام 2019 وهو خريج جامعي من كلية “التربية”، يضطر حالياً للعمل كسائق سيارة للنقل الداخلي ليعيل زوجته وأطفاله الأربعة بعد أن عجز عن تأمين فرصة عمل في إحدى المدارس التابعة “لحكومة الإنقاذ” أو لدى أي منظمة عاملة في المنطقة.
وفي حديثه للمرصد السوري لحقوق الإنسان، يقول، للأسف لقد أصبح الحصول على الوظيفة حلماً بالنسبة لكثير من الجامعيين وأصحاب الكفاءات في الشمال السوري بسبب انتشار ظواهر الفساد الإداري بين المؤسسات التابعة “لحكومة الإنقاذ”، فلم يعد المؤهل العلمي هو الشرط الأهم للحصول على الوظيفة بعد طغت عليه شروط أخرى أهم مثل أن يكون قريب من أحد المسؤولين أو القياديين، وهذا ما جعل الكثير يفتقدون للعمل ويجبرون على التوجه لأي عمل آخر لسد رمق عائلاتهم.
مضيفاً، البعض يفسر أن هذه ظاهرة منتشرة بكل دول العالم ولاسيما في البلاد العربية وسوريا على وجه الخصوص لكن هذا لا يعني القبول والتعايش مع هذه الظواهر وأن تصبح لدرجة طبيعية، بل لا بد من البحث عن الأسباب ومعالجتها بشكل جاد ابتداءً من إقالة الفاسدين من مناصبهم وتوفير بيئة نظيفة في هذه المؤسسات تمنح صاحب الكفاءة حقه وتضعه في مكانه المناسب لخدمة المنطقة بالدرجة الأولى.
ويتابع، أنه وخلال الثلاث سنوات الماضية حاول جاهداً الحصول على وظيفة مدرس في إحدى المدارس علماً أن معظم المدارس التابعة “لحكومة الإنقاذ” تعمل بشكل تطوعي ولا يصلها سوى منح مالية قليلة ضمن فترات متباعدة أما بقية المدارس تقدم راتباً شهرياً لا يتجاوز 100 دولار أمريكي، ومع هذا فإنه لم يستطع الحصول على الوظيفة بحجة عدم توفر الشواغر.
ويوضح أن عملية التوظيف تكون عبر إجراء مقابلات مع المتقدمين لكن الجميع بات يعلم أن من بين 10 متقدمين لشاغر في مدرسة معينة سيحصل عليها شخص واحد وهناك نسبة 90 بالمئة تكون لصالح شخص يطلق عليه محلياً “مدعوم” أي موصى به من قبل مسؤول في “حكومة الإنقاذ”، أما من يحصلون على الوظائف بناءً على مؤهلاتهم العلمية لا تتجاوز نسبتهم 10 بالمئة فقط.
ويبين أن هذه الظاهرة منتشرة في جميع المؤسسات والدوائر والمنشآت التابعة “لحكومة الإنقاذ” مثل التعليم والصحة والخدمات والشؤون الإدارية والإنسانية وحتى ضمن “المجالس المحلية” إضافة للمنظمات العاملة ضمن مناطق إدلب وريفها، ولهذا أصبحنا نرى شخص لم يصل في تعليمه سوى لشهادة “البكالوريا” يدير ويترأس مؤسسة ما وهذا مؤسف للغاية.
وللحد من هذه الظاهرى يرى (م.ع)، أن الإصلاح يستحيل دون أن يبدأ من رأس الهرم “حكومة الإنقاذ”، حيث يجب إعادة النظر أولاً في القائمين على المؤسسات المدنية من “مجالس محلية” وغيرها من المؤسسات ومتابعة شهاداتهم وإتاحة الفرصة لخريجي الجامعات وأصحاب المؤهلات العلمية بالدرجة الأولى، ثم وضع جهات رقابية مستقلة تمنع هذه التجاوزات وتضع حد لهذه الظاهرة السلبية.
اما الشاب (م.ص) النازح في أحد مخيمات منطقة دير حسان في ريف إدلب الشمالي، يداوم بشكل يومي على متابعة صفحات “فيسبوك” الخاصة بالمنظمات الإنسانية والمؤسسات المدنية التابعة “لحكومة الإنقاذ” أملاً في إيجاد فرصة عمل له بعد تخرجه من جامعته في كلية “العلوم”، وفي حديثه للمرصد السوري لحقوق الإنسان، يقول، مر أكثر من عام على التخرج دون العثور على وظيفة بسبب ذهاب غالبية الفرص لأصحاب “الواسطات”.
ويضيف، أنه لجأ مؤخراً للعمل عبر تطبيق ربحي عبر “الإنترنت” يوفر له مبلغ لا يتجاوز 250 ليرة تركية شهرياً، وقد شعر باليأس بعد كثرة بحثه عن الوظيفة التي لم يجدها باستثناء مرة واحدة حيث وجد فرصة مدرس صف براتب شهري لا يتجاوز 100 دولار أمريكي فاعتذر عنها بسبب بعد المسافة بين مخيمه ومكان العمل حيث سيتكلف أكثر من نصف المبلغ شهرياً مصاريف للتنقل.
ويشير، إلى أن حاله شبيه بحال الكثير من العاطلين عن العمل بسبب هذه الظاهرة التي تتسع بشكل لافت يوماً بعد آخر وتزداد وتيرتها بالتزامن مع زيادة هيمنة “هيئة تحرير الشام” و”حكومة الإنقاذ” على المنطقة، حيث أنها تمكنت من جميع نواحي الحياة المدنية ووضعت يدها وسلطتها على جميع المؤسسات ولا يمكن قبول أي طلب توظيف دون موافقة مسؤوليها، وهذا خلف تأثيراً على المستوى المعيشي لفئة الشباب الذين يرغبون بالحصول على فرص عمل تتناسب مع مؤهلاتهم وتحصيلهم الدراسي.
ويلفت إلى أن هناك في المقابل الكثير ممن يطمحون بالعمل ليس فقط من أجل المدخول المالي الشهري، بل رغبة منهم في أن يتم وضعهم في مكان اختصاصاتهم ليكون لهم دور وتأثير في خدمة المدنيين والمساهمة في رفع مستوى المنطقة علمياً وثقافياً ومن جميع الجوانب الأخرى، لكن الذي يحدث هو العكس فقد يحصل على الوظيفة شخص غير مؤهل أساساً لمجرد وجود مسؤول يدعمه ويسانده.
كما ويطالب بدوره أيضاً بإيجاد حلول جذرية لهذه المعضلة وفتح مجالات متعددة للعمل وتسهيل حصول الخريجين على وظائف تتلائم مع تحصيلهم الدراسي، ووضع حد لهذه الظاهرة أو الحد من انتشارها على أقل تقدير حتى لا تشهد المنطقة هجرة شبابية لدول الخارج باحثين عن أي فرصة عمل يسدون فيها حاجتهم.
التوصية بالأشخاص من قبل قياديين في “هيئة تحرير الشام” ومسؤولين في “حكومة الإنقاذ” لتوظيفهم لا يكون بشكل عشوائي بحسب الناشط ( م.أ) المقيم في ريف إدلب الشمالي، بل يتم اختيارهم غالباً بناءً على توافق أفكارهم مع “هيئة تحرير الشام” والولاء المطلق لها.
وفي حديثه للمرصد السوري لحقوق الإنسان، يقول، أن غالبية قياديي “هيئة تحرير الشام” لديهم أشخاص متنفذين ومسؤلين لدى “حكومة الإنقاذ” يستطيعون التأثير عليهم وفرض موظفيهم من طرفهم لدى مؤسسات تتبع “لحكومة الإنقاذ” وهذا شيء معروف وبات بشكل علني في الآونة الأخيرة، وغالب حالات التوظيف تكون ضمن “المجالس المحلية” التي تتبع جميعها “لحكومة الإنقاذ”، حيث لا بد لرئيس “المجلس المحلي” أن يلبي طلبات قياديي “هيئة تحرير الشام” ليصبح هناك نوع من “تبادل المصلحة” بين الطرفين.
مضيفا، وخلال الآونة الأخيرة عملت “هيئة تحرير الشام” على التدخل أيضاً في مجال عمل المنظمات الإنسانية ومنظمات المجتمع المدني بالرغم من ادعاء هذه المنظمات عدم تدخل “هيئة تحرير الشام” في آلية التوظيف لديها لكن الواقع يكذب ذلك فأي شاغر وظيفي في هذه المنظمات يستطيع أن يشغله شخص موصى به من قبل قيادي او مسؤول بكل سهولة حتى لو كان عديم الخبرة بشكل كامل.
ويلفت إلى أنه لا يوجد إحصاءات دقيقة لعدد خريجي الجامعات وأصحاب الكفاءات العلمية العاطلين عن العمل في مناطق إدلب وريفها لكنها بشكل عام تعد ظاهرة منتشرة بشكل واسع وقد زادت في الفترة الأخيرة بشكل كبير جداً وشملت جميع المؤسسات والدوائر الرسمية التابعة “لحكومة الإنقاذ” وتعدت حتى غير التابعة رسمياً لها.
مؤكداً تضرر الكثير جراء هذه الظاهرة وقد نتج عنها آثار سلبية تتمثل في وجود أشخاص غير أكفاء في وظائف تحتاج لخبرة سنوات طويلة، وفي المقابل أصبح الكثير من أصحاب الكفاءات يلجأون للعمل في مهن مختلفة حتى في مجال العمل “بالمياومة”، وهذه الظاهرة بطبيعة الحال برسم “حكومة الإنقاذ” وهي من تتحمل مسؤوليتها.
ويجدر بالذكر، أن ظاهرة “المحسوبية” و”الواسطة” لا تقتصر فقط على مناطق سيطرة “هيئة تحرير الشام” في إدلب وريفها شمال غربي سوريا، بل تنتشر في جميع المحافظات السورية على اختلاف جهات السيطرة العسكرية والمدنية، ولا تقتصر أيضاً على جانب التوظيف بل تمتد لتشمل العديد من الجوانب الأخرى مثل تسهيل الحصول على خدمات وتراخيص ومناقصات ومشاريع وغيرها العديد من الجوانب الأخرى.