المرصد السوري لحقوق الإنسان: حدود سوريا والأردن.. حرب “من نوع آخر”
في الوقت الذي يقول فيه الأردن، صراحة، إنه يخوض “حرب مخدرات” على طول حدوده الشمالية مع سوريا، يواجه السكان على الطرف الآخر “حربا من نوع آخر” تقودها “أطراف مجهولة”، رغم أنها اندلعت قبل ثلاث سنوات وأكثر، إلا أن تداعياتها لا تزال مستمرة حتى الآن.
حربٌ حصدت وتحصد أرواح الكثيرين، وجعلت من بقي منهم على قيد الحياة ضمن “دائرة الخوف”.
يفتتح أبو علي المحاميد، وهو أحد وجهاء محافظة درعا جنوبي سوريا، حديثه مع موقع “الحرة” بالقول: “الحمد لله عايشين”، في إشارة منه إلى “نعمة” البقاء على قيد الحياة، في ظل تصاعد عمليات الاغتيال، والتي تحولت إلى مشهد يومي في المنطقة.
يضيف المحاميد: “الوضع في درعا الحدودية لا يسر صديقا أو عدوا. انفلات أمني كبير. اغتيال شبه يومي. تفش للمخدرات. شبان يحاولون النجاة بالهروب إلى خارج البلاد، فيما يضطر قسم آخر للعيش ضمن حدودٍ محاصرة”.
بعد عام 2018 وعقب “اتفاق التسوية” الذي فرضته روسيا على مقاتلي فصائل المعارضة، دخلت المحافظة في “روتين اغتيالات”، أسفر عن مقتل المئات من أبنائها بشتى توجهاتهم، وانعكس بجزء كبير منه على الحالة الاجتماعية والنفسية للأهالي.
وبالرغم من استنساخ هذا الاتفاق لمرات عدة، وصولا إلى سيطرة قوات النظام السوري على المنطقة بالكامل، العام الماضي، إلا أن الحال السائد لم يتغير.
وتشير إحصائيات “المرصد السوري لحقوق الإنسان” إلى 220 استهداف تم توثيقه في درعا، منذ مطلع يناير الماضي. وجميعها بطرق وأساليب مختلفة.
وجاء في تقرير حديث له أن الاستهدافات تسببت بمقتل 176 شخص، بينهم 87 مدنيا، 70 من العسكريين التابعين للنظام والمتعاونين مع الأجهزة الأمنية وعناصر “التسويات”، و10 من المقاتلين السابقين ممن أجروا “التسوية”، ولم ينضموا لأي جهة عسكرية بعدها.
وحتى الآن لا يعرف بالتحديد الأطراف التي تقف وراء عمليات القتل، فيما لا تقتصر على منطقة دون غيرها، بل تنسحب إلى عموم المناطق.
ويوجه نشطاء وأهالي من درعا الاتهامات للأجهزة الأمنية التابعة للنظام وعناصر ميليشيات إيرانية أخرى بالوقوف وراء حالة الفوضى، ويقولون إن الأخير “يتعمّد إبقاءها”.
في المقابل وبينما يغيب أي موقف رسمي من جانب النظام بشأن ما تعيشه درعا بشكل يومي وما تشهده الحدود الجنوبية لسوريا، اعتبر المحلل السياسي المقيم في دمشق، غسان يوسف، أن “المظاهر المسلحة والإرهابيين يتحملون مسؤولية ما يحصل”.
“التنقل مغامرة”
وقبل أيام كانت عمّان وعلى لسان الناطق باسم الجيش الأردني، العميد مصطفى الحياري، قد أعلنت أن “تنظيمات إيرانية تأتمر بأجندات خارجية، تستهدف الأمن الوطني الأردني”.
وذلك جاء عقب تصريحات لافتة للعاهل الأردني، عبد الله الثاني، محذرا من “تصعيد قادم”، ومشيرا إلى أن “الفراغ الذي تتركه حاليا روسيا خصوصا في الجنوب السوري تملؤه إيران من خلال أدواتها، وهي المليشيات الإيرانية”.
وتشير التصريحات الرسمية السابقة إلى أن الحرب التي يخوضها الأردن تستهدف بشكل أساسي “تجار المخدرات”.
لكن على الطرف المقابل “لا تبدو هناك أي ملامح لإنهاء الحرب على الطرف الآخر من الحدود”، والتي تمثله محافظة درعا السورية، بحسب ما يشير إليه المحاميد.
ويتابع: “الأردن مع من سيتحدث؟ في الجنوب السوري لا توجد جهة يمكن وضع حد لها. توجد ميليشيات منفلتة. ميليشيات إيرانية. حزب الله. دفاع وطني. جيش. مهربون. الحابل يختلط بالنابل. هذه كل القصة، ونحن المواطنون ليس بيدنا حيلة”.
وإلى جانب المحاميد، الذي يقيّم في “درعا البلد”، لا يختلف الحال أبدا عن الصحفي “محمد” (اسم مستعار) الذي يقيم في منطقة حدودية مع الأردن في الريف الغربي لدرعا.
ومنذ أكثر من عامين يحاول الشاب عدم الخروج من منزله بعد حلول ساعات المغرب، في حال بات يعيشه الكثيرون من نظرائه، وفق قوله، مضيفا “التنقل من طفس إلى المزيريب مثلا أصبح مغامرة. إما أن تعود أو لا تعود”.
وأكد في حديث لموقع “الحرة” أنه “لا نعرف من ينفذ الاغتيالات ومن له ومن عليه. هناك محدودية في تحركات الأهالي. بين اليوم والآخر نسمع قتل فلان وابن فلان. في اليوم الواحد يتم توثيق من 6 إلى 7 حالات قتل”.
وتحدث الشاب عن “ظروف اقتصادية واجتماعية سيئة” باتت تحكم مشهد المحافظة، وقال: “الناس تفكر بالهجرة. هناك سكان باعوا أراضيهم وعقاراتهم، ومن حصل على جواز سفر أصبح في ليبيا أو الإمارات وغيرها، ومن بقي يتحسس الآن بقاءه على قيد الحياة”.
المصدر: الحرة