المسلحون الأجانب عقدة الحل في إدلب
بعد اجتيازهم آلاف الكيلومترات وصولاً إلى سورية للمشاركة في «الجهاد»، يجد المسلحون الأجانب أنفسهم اليوم قاب قوسين من الوصول إلى طريق مسدود في محافظة إدلب، حيث يرجح محللون أن يقاتلوا حتى الرمق الأخير دفاعاً عن معقلهم.
وشكلت إدلب (شمال غربي سورية) منذ العام 2015 وجهة لمجموعات عدة مناوئة لنظام الرئيس بشار الأسد، من الفصائل المعارضة المعتدلة مروراً بالإسلامية فالإرهابية المرتبطة بتنظيم القاعدة، وصولاً إلى أصوليين أجانب متشددين.
وتضم المجموعات الأجنبية مسلحين من أوزبكستان والشيشان ومن الأويغور، وهي أقلية إثنية في الصين، تمرس عناصرها في القتال في حروب عدة قبل أن ينتقلوا إلى سورية.
وقال الباحث في مجموعة الأزمات الدولية سام هيلر: «هؤلاء أشخاص لا يمكن دمجهم في سورية، تحت أي ظرف، ليس لديهم مكان للذهاب إليه وقد يكونون على استعداد للموت في أي حال».
ويشكل مصير الإرهابيين، وبينهم المسلحون الأجانب الأكثر تشدداً، وفق محللين، العقبة الرئيسة أمام أي اتفاق حول إدلب.
بعد مطاردتهم في بلدانهم واستهدافهم في كل من أفغانستان وباكستان، وجد المسلحون الإرهابيون الأكثر تمرساً بالقتال في الساحة السورية موطئاً لانطلاقهم مجدداً منذ العام 2013، أي بعد عامين من اندلاع النزاع الذي تسبب في مقتل أكثر من 350 ألف شخص.
وفي حين انضم الكثيرون منهم إلى تنظيم «داعش»، أبقى آخرون على علاقتهم الوطيدة بتنظيم القاعدة والمجموعة المرتبطة به، وهي راهناً هيئة تحرير الشام التي تسيطر على الجزء الأكبر من إدلب.
ويعد الحزب الإسلامي التركستاني أحد أكبر هذه المجموعات، وينتمي مسلحوه إلى الأويغور، الأقلية المسلمة التي تواجهها سلطات إقليم شينجيانغ الصينية بالقمع.
واكتسب هؤلاء المسلحون خبرة في القتال في أفغانستان قبل توجههم إلى سورية ومساندتهم فصائل إسلامية ومعارضة في طرد قوات النظام من إدلب صيف العام 2015.
وقال هيلر: «اقتحموا آنذاك مخازن الأسلحة، وباتوا منذ ذلك الحين من بين الفصائل الأكثر قوة في الشمال».
ويتمركز المسلحون التركستان الذين يقدر عددهم بين ألف وبضعة آلاف في محيط مدينة جسر الشغور في جنوب غربي إدلب، وهي منطقة استهدفتها الغارات والمدفعية في الأيام الأخيرة.
ورجح الخبير في شؤون الجهاديين في معهد الجامعة الأوروبية تور هامينغ، أن يشكل المسلحون التركستان رأس الحربة في التصدي للهجوم على إدلب، وأن يشكلوا الحليف الرئيس لـ «هيئة تحرير الشام» التي تسيطر على الجزء الأكبر من المحافظة. وأضاف: «ليس بالضرورة جراء عددهم الكبير، ولكن لأنهم باتوا يُعرفون بقدراتهم القتالية الجيدة، ويحظون باحترام واسع في صفوف الإرهابيين والفصائل».
وانطلاقاً من أنه لا يمكن للحزب الإسلامي التركستاني أن ينشط في إقليم شينجيانغ، فإن خسارة إدلب المحتملة ستحرمهم من واحدة من أبرز «ساحات المعارك البديلة».
وليس المسلحون التركستان المتشددون الآسيويين الوحيدين في إدلب، إذ انضم مقاتلون من الأوزبك إلى صفوف مجموعات صغيرة قريبة من «هيئة تحرير الشام». واكتسب هؤلاء مهاراتهم القتالية إلى جانب حركة طالبان أو تنظيم القاعدة في باكستان وأفغانستان، قبل أن يتوجهوا إلى سورية كامتداد لتنظيم القاعدة آنذاك.
ومن بين تلك المجموعات كتيبة التوحيد والجهاد التي يرئسها، وفق أجهزة الأمن الروسية والقيرغيزية، سراج الدين مختاروف (28 عاماً) والمعروف أيضاً باسم أبو صلاح الأوزبكي.
وبين تلك المجموعات، لواء الإمام البخاري الذي غالباً ما تسلط أشرطته الدعائية الضوء على جنود أطفال. وصنفته الولايات المتحدة خلال العام الحالي على قائمة المنظمات «الإرهابية». ومن المعروف أن هاتين المجموعتين تقاتلان في إدلب، إلا أنه لا يتوفر الكثير من المعلومات عنهما.
ولعلّ المقاتلين الأجانب الأكثر شراسة هم الشيشان، المحاربون القدامى الذين خاضوا معارك وحشية ضد روسيا والمرتبطون بـ «هيئة تحرير الشام».
وتشكل جماعتا جند الشام وأجناد القوقاز المجموعتين الشيشانيتين الأبرز في سورية، لكنهما أبقتا على حيادهما خلال جولات الاقتتال الأخيرة التي خاضتها الفصائل في ما بينها. ويتوقع محللون أن يعيدهما هجوم قوات النظام الوشيك إلى الساحة مجدداً.
وقالت الباحثة جوانا باراسزكزوك من مؤسسة «آي أتش أس جاينز» والتي تتعقب الإرهابيين الأجانب المتحدثين بالروسية في سورية: «يحبس الجميع أنفاسهم في انتظار معرفة ماذا سيحصل».
ووفق باراسزكزوك، فإن الكثيرين من الجهاديين الشيشان قدموا إلى سورية منذ العام 2012، وتزوجوا بسوريات وأسسوا عائلات، ومن المرجح أنهم سيفعلون كل ما بوسعهم لحماية ذلك كله.
ولتحقيق هذا الهدف، ترجح باراسزكزوك أن ينضموا على أرض المعركة إلى تحالفات مع مجموعات أكبر كهيئة تحرير الشام ويوفرون القناصة وقوات الصدمة.
وتحرص روسيا على وجه الخصوص، وفق محللين، على التأكد من عدم عودة أي من المسلحين الشيشان المعارضين لها إلى الشيشان للقتال إلى جانب المتمردين. وأضافت باراسزكزوك: «قتلهم من هذا المنظور سيشكل بمثابة مكافأة نفسية لروسيا».
المصدر: الحياة