المعارض السوري إياد القدسي: التقارب التركي العربي مع نظام الأسد مقلق وسيؤدي إلى تعقيد الحل
يقول المعارض السوريّ إياد القدسي، رئيس ميثاق سوريا الوطني، في حوار مع المرصد السوري لحقوق الإنسان، إنّ الحرب التي تشنّها روسيا على أوكرانيا فاقمت من تعقيد البحث عن حل في الملف السوري، لافتا إلى أنّ جزءً من المسؤولية تتحملها المعارضة بسبب خلافاتها المستمرة والفساد المالي في بعض مفاصل مؤسساتها وعدم سيطرتها في بعض الأحيان على الداخل السوري.
س- تدخل الأزمة السورية عامها الـ 13 في مارس/آذار المقبل، وبرغم أن مستوى العنف في جميع المناطق قد انخفض نسبيا مقارنة بالسنوات الماضية، إلا أن الأزمة لم تنته، لماذا تفاقمت وتصاعدت؟
ج – بدايةً من منطلق شريحة الشعب السوري المعارضة لنظام الأسد فلا توجد أزمة في سوريا وإنّما ثورة شعب محكوم بالترهيب والفساد على نظام اغتصب السلطة أكثر من أربعين عامًا.
تفاقمت الأوضاع بسبب انهيار المنظومة الاقتصادية في سوريا جراء استراتيجيات تجار الحرب في سوريا المتمثلة بالاحتكار السلعي نتيجة العقوبات التي يحاول النظام السوري استثمارها بأن الشعب هو المتضرر منها يضاف لذلك ضعف إمدادات النفط الى محطات التوليد الحرارية وانقطاع الكهرباء بسبب سيطرة قسد على منابع النفط وتقطير مشتقات النفط على النظام
وهذا هو المفتاح الأوّل في إجابتي على هذا السؤال، حيث لو كانت هناك أزمة لكان التفاوض مع النظام السوري أمرًا فائق السهولة. لكن على اعتبار أنّ ما مررنا به ونمرّ به هو ثورة تطالب بنزع الشرعيّة عن هذا النظام المتمثّل بشخص بشار الأسد والطغمة المحيطة به وتحقيق تغيير ديمقراطي للوصول إلى دولة مواطنة وقانون، فمن الطبيعي أن تطول المدة لتصل إلى ثلاثة عشر عامًا أو أكثر. السبب الأساسي في طول المدة هو عدم وجود قرار دولي حقيقي بنزع الأسد من السلطة وتحضير سوريا لخوض انتخابات ديمقراطية تحت رقابة الأمم المتحدة، فضلًا عن عدم وجود نيّة لمحاسبة المجرمين أيًّا كانوا الذين ارتكبوا جرائمًا ضد الإنسانية.
الدول تخشى التغيير الديمقراطي في سوريا حيث يتملكهم اعتقاد أنّ أي تغيير في السلطة قد يفضي إلى تولّي المتشددين الإسلاميين الحكم في البلاد، أو قد يفضي إلى وصول حكومة لا تقبل بمراعاة مصالح الدول الأخرى في دولة تعدّ الأهم في المنطقة، كما يؤسفني القول أنّ الحرب التي تشنّها روسيا على أوكرانيا فاقمت من تعقيد البحث عن حل في الملف السوري.
س-هل تسببت المعارضة الممثلة خاصة في الائتلاف الوطني ومختلف الاجسام المعترف بها دوليا وإقليميا في فشل الوصول إلى حل سياسي لاعتبارها لم تنجح في وضع مقاربة تقدم الحلول الواقعية بالاستناد إلى القرارات الدولية و”ارتهنت للخارج”؟
ج – نعم جزء من المسؤولية تتحمله المعارضة بسبب خلافاتها المستمرة والفساد المالي في بعض مفاصل مؤسساتها وعدم سيطرتها في بعض الأحيان على الداخل السوري .. والمسؤولية الأخرى يتحملها المجتمع الدولي حيث لم تكن هناك ارادة دولية فاعلة لإحداث تغيير في سوريا وإنما تقصد المجتمع الدولي أن يكون المشهد السوري نفسه بنفسه وعلى ضوء ذلك يتعامل معه.بكل تأكيد! في بداية الثورة السورية كان هناك ترحيب دولي خصوصًا أمريكي أوروبي ومن بعض الدول العربية وعلى رأسها السعودية بتغيير نظام الحكم في سوريا ولقد وصلت مبالغ طائلة لدعم الحاجات الإنسانية للسوريين ترافق كذلك مع دعم عسكري، حيث كان الخطاب السائد في الشارع السوري خطاب معتدل عقلاني.
لكن مع محاولة المتسلقين الوصول للسلطة بأيّ شكلٍ كان وتقاربهم المثير للقلق مع إيران وخصوصًا بعد تجربة الغرب السيئة مع ما حصل في ليبيا وفي مصر، جعل الغرب وبعض الدول العربية تتخوّف من المخرجات المحتملة للثورة السورية.
تفاقم الوضع دخول التطرّف إلى صفوف المقاتلين في الجيش الحرّ وهنا يجب التأكيد أنّ النظام هو من أفرج عن شخصيات ذات فكر راديكالي وأدمجها في صفوف شبان بسطاء كانوا يحملون السلاح دفاعًا عن حياتهم ليقول للغرب هذا هو الشعب السوري الذي تدعمون ثورته. الحقيقة أنّ النظام لديه خبرة طويلة في دعم الإرهاب وأكبر دليل ما فعله في العراق.
بخصوص ارتهان المعارضة للخارج، فهذا لم يكن الحال في بداية الثورة السورية، فالمعارضة بداية الثورة لم تكن مختزلة بشخصيات كي ترتهن أو لا ترتهن، بل كانت المعارضة ممثلة بالمتظاهرين على الأرض ومحاولات إيجاد جسد تمثيلي في الخارج كان في بداية الأمر محاولة لتسهيل التواصل مع الداعمين الغربيين والعرب. لكن مع وصول شخصيات متسلقة إلى الأجساد التمثيلية للمعارضة هي من سهلت على مخابرات بعض الدول التلاعب بالجسد ككل، وفصله تمامًا عن تحقيق تمثيل حقيقي للشارع السوري.
كلّ هذا جعل عمليّة إصلاح هذا الجسد من الداخل مستحيلة علينا ولذلك استقال الكثيرون ومنهم أنا شخصيًا، حيث أنّني لا أحتمل أن أكون في موضع سلطة وقرار أمام الشارع السوري ظاهريًا وغير قادر فعليًّا على اتّخاذ القرار من الناحية الواقعية بسبب سلوكيات البعض ممّن عملت معهم.
س-هل يمكن الحديث اليوم عن إمكانية صياغة مشروع لإصلاح جسم المعارضة القادرة على بناء الحلول وإنهاء النزاع بعيدا عن التدخل الأجنبي في التشكيل؟
ج – إصلاح المعارضة يكون من خلال قيام المعارضة المستقلة الممثلة بالجاليات السورية وسوريو المغتربات والداخل بعيدة عن الفساد والهيمنة الإقليمية والدولية… نعم ممكن إصلاح المعارضة شريطة إبعاد الشخصيات المتسلّقة عن تصدّر المشهد، هؤلاء تجّار حرب ومن مصلحتهم استمرار الوضع على ما هو عليه، لذلك إبعادهم واستقدام غيرهم وخصوصًا من الشبان الذين حرّكوا الشارع السوري في أول أيام الثورة هو المفتاح الحقيقي، هؤلاء الشبان الذين كانوا صغارًا وقليلو الخبرة السياسية، اليوم بعد 13 عامًا من الخذلان والظلم والتجارب أصبحوا رجالًا ونساءً يُمكن الاعتماد عليهم لبناء مستقبل سوريا. وفي النهاية نحن موجودون دومًا لصقل مهاراتهم ومرافقتهم في بداية مشوارهم السياسي لنمنع تكرار الخيانة التي تعرضنا لها قبل سنوات.
س-بعد التغيرات الأخيرة والحديث عن تقارب تركي مع النظام السوري وتقارب تركي مصري وتركي إماراتي وتركي سعودي، مادلالات هذا التقارب مع الأسد، وهل يمكن الحديث عن حل للازمة السورية قبيل الانتخابات التركية المنتظرة خاصة وان المعارضة السورية قد ربطت التقارب بالانتخابات في تركيا؟
ج- يصعب الاقتناع بأن الاتصالات العربية مع النظام السوري ستتمكن بالفعل من حل مشاكل القضية السورية وذلك لان النظام أسباب المشكلة حاضرة ومتمثلة بشخص بشار الأسد وحضور إيران والأسد وايران ملتحمين وبالتالي فإنه ومن دون فك التحام الأسد مع إيران، وتوفير بيئة آمنة ومحايدة في سوريا فإن جميع الاتصالات العربية ستكون جوفاء …لا شكّ أنّ التقارب التركي العربي مع نظام الأسد مقلق وسيؤدي في حال تمّ إلى تعقيد إيجاد أي مخرج لمأساة الشعب السوري. على اعتبار أنّ ما صرّحت به هذه الدول من كون التقارب هو لدوافع إنسانية بحتة عقب الزلازل المدمّرة التي تضرب المنطقة، فنحن اليوم نتخاطب مع بعض السياسيين في هذه الدول وندعوهم لإيجاد طرق أخرى لإغاثة الشعب السوري ونحاول أن نوصل لهم الحقيقة عدم جدوى إغاثة الشعب من خلال نظام ارتكب إبادة جماعية بحقّ السوريين.
هم يعتقدون أنّهم قادرون على السيطرة على هذا النظام وعلى رأسه بشار الأسد، لكن هذا غير ممكن فهو اليوم مرتهن بشكل كامل للنظامين الإيراني ثمّ الروسي، وعليه فقراره ليس بيده وإيران لن تتخلى عن مشروعها في المنطقة وعليه فأي تفاوض معها غير ذي جدوى.
على الدول العربية وتركيا استيعاب أنّ الشعب السوري هو الضامن الوحيد لأمن المنطقة وهو الوحيد القادر على إعاقة المشروع الإيراني الذي دمّر حتى اليوم أربعة دول وشعوب عربية (العراق، سوريا، لبنان، فلسطين).
بشأن الانتخابات التركية فهذا شأن تركيا والانخراط بها لن تجلب لنا سوى الكوارث كما أرى، أضف إلى ذلك أنّ الأزمات الاقتصادية المتتالية التي تمر بها تركيا ومن بعدها كارثة الزلزال في تركيا فقد الشعب التركي بشريحة واسعة منه الرغبة بالاستمرار بدعم اللاجئين السورين وبالتالي الدعوة إلى التقارب مع النظام لإعادة السوريين إلى سوريا وتركهم لمصيرهم المحتوم.
س- تحدثت مؤخرا عن بداية تشكيل مظلة شاملة لتوحيد جهود جميع السوريين، لإنهاء النزاع، حدثنا عن هذه المظلة وأهدافها والمشرفين عنها؟
ج- القبة الوطنية السورية (قوس) هي شراكة وتحالف للكيانات السياسية السورية المناهضة للنظام، هي مشروع لتوحيد الجهود والعمل والتنسيق بين الكيانات المتوافقة في الثوابت الوطنية، واتّفاقنا على مجموعة ثوابت لا يتعارض مع خلق جو سليم للتنافس السياسي. تعمل قوس على إسقاط النظام الفاسد وإخراج الاحتلالات وصولًا لتحقيق العدالة الانتقالية والسلم المجتمعي الأهلي. كما تهدف قوس للوصول بالبلاد لنظام سياسي تعددي ديمقراطي أساسه المواطنة ودولة القانون.
اليوم ينطوي تحت هذه القبة ثلاث كيانات بشكل رسمي وهم ميثاق سوريا الوطني، مجلس دمشق الوطني، التجمّع الوطني الديمقراطي. وخلال الشهر القادم ستدخل معنا خمسة كيانات أخرى بشكل رسمي ونعمل على التفاوض مع آخرين.
س-قلت “علينا العمل مع خمسة دول أجنبية لها جيوش على الأراضي السورية: تركيا وأمريكا وروسيا وإيران وإسرائيل. والتقاطع مع هذه الدول بما لا يتعارض مع السيادة السورية و يمكن عقد اتفاقيات مع الدول ، وهذا مهم” ما معنى، هل من تفسير لذلك؟
ج – يجب التأكيد في البداية أنّ التعامل مع الوقائع على الأرض لا يعني الاعتراف بشرعية وجود هذه الاحتلالات. نحن متمسكون بمطالبنا باستقلال سوريا والقرار السوري والسيادة السورية على أراضيها ويجب أن تكون السلطة نابعة من الشعب.
ولكن الواقع يفرض علينا التعامل مع هذه الدول بشتّى الطرق، فمن يظهر رغبته بالتفاوض للانسحاب من سوريا، نحن مستعدون للتفاوض معه. أمّا من يرفض الانسحاب والتفاوض فسيضطرنا للجوء للوسائل الأخرى.
ويجب ألّا ننسى أنّ الحلّ كان منوطًا بقدرة الدول على الأرض ومنها روسيا الضغط على النظام السوري للقبول بالحلّ الذي سنكون نحن جزءًا منه بعد التفاوض معهم.
لكن اليوم روسيا ترغب بتأمين مصالحها في سوريا بأي شكل والانسحاب للتركيز على الحرب الأوكرانية، أي أنّ روسيا وفّرت لنفسها ضمانات قد لا نكون نحن راضين عنها كشعب سوري وستنسحب.
هذا يعني أنّ إيران أصبحت تتفرد بالقرار السوري في مناطق سيطرة النظام، وإيران بدورها لا ترغب أبدًا بحلحلة الأمور في سوريا، فطالما تستمر الظروف الراهنة طالما توسّع نفوذها في البلاد وتقوم بتثبيت التغيير الديمغرافي وتشييع الشعب السوري.
س-بعد فشل الدول في إيجاد الحل وضعف التدخلات للدول النافذة في النزاع السوري هل يمكن أن يكون الشعب السوري لا غير هو صاحب الحل؟
ج – نحن نسعى دومًا لأن يكون الشعب السوري وحده هو صاحب القرار، ولكن للأسف تدخلات الدول النافذة لم تتوقف، بلالعلاقة فيما بينها تعقّدت بعد الحرب الأوكرانية.
لكن عجز هذه الدول عن التوصل لتوافق فيما بينها على الحل في سوريا بسبب تعارض مصالحهم، يفتح بابًا واسعًا للشعب السوري لفرض الحل الذي يحقق أهداف الثورة السورية. هذا على أساس أنّ الدول التي اقنعت بخسارتها في سوريا وعدم قدرتها على الوصول إلى صيغة حلّ تضمن مصالحها لن تسمح للدول الأخرى بالفوز، وعليه فلن يبقَ من رابحٍ سوى الشعب.
س- لايمكن أن ننسى قضية المعتقلين في سجون النظام السوري والمغيبين قسرًا، ألم يحن وقت العمل على مبادرة سورية-سورية للضغط دوليا في ملف المعتقلين لاعتبار أن حلحلة الملف ترتبط بالحل السياسي ؟
ج – للأسف نحن ليس لدينا معتقلين بل مفقودين فحسب، وعندما صدر قرار مجلس الأمن 2254 كان البعض لا يزالون أحياء، أمّا اليوم فنحن نجهل تمامًا مصيرهم، كما أنّ المطالبة بالإفراج عن المعتقلين قسرا والكشف عن مصير المفقودين لم تكن سوى خطوة ابتدائية لتنفيذ قرار مجلس الأمن 2254 في ذلك الوقت، هذه الخطوة طلبت من النظام لإظهار حسن نيته ورغبته بالحلّ وكانت شرطًا لبدء التفاوض معه حول آلية انتقال السلطة، لكن منذ أن وافقت المعارضة على سلال دي مستورا الأربعة حوّلت هذه الخطوة الابتدائية غير التفاوضيّة إلى سلّة تفاوضيّة ممّا فتح المجال للنظام للمماطلة بها بحجة عدم وجود توافق على السلال الأخرى.