المقاربة الدولية للأزمة السورية غير مشجعة لا أفق للحدّ فعلياً من أزمة اللاجئين!
بدت الاجتماعات الرفيعة المستوى التي كان محورها لهذه السنة في نيويورك، محاولة الاتفاق على خطة موحدة للاجئين، في سباق مع محاولة إعادة إرساء الهدنة في سوريا بموجب الاتفاق الاميركي – الروسي الذي تم التوصل اليه بين الجانبين، بحيث ان الاتفاق على خطة للاجئين، علما انها لا تشمل اللاجئين السوريين فحسب، يواجه تحديا رئيسيا يتمثل بعدم القدرة على وقف النزف الانساني المستمر، والذي لا قبل للمجتمع الدولي على وقفه. ومع أن الاجتماعات توالت خلال الأيام الماضية من أجل إحياء هدنة بدت ضعيفة من الاساس وباتت تطالب بها الدول المؤثرة على رغم انتقاداتها للاتفاق الروسي الاميركي الذي لم توضع في أجواء تفاصيله، فإن مصادر ديبلوماسية تخشى ألا يكون هذا الجهد كافيا لإرساء الهدنة، وتاليا وقف تدفق اللاجئين الذي سيستمر ما دامت الحرب قائمة. وحتى لو صدقت النيات، فإن هناك من يعتقد ان ثمة وقتا ضائعا حتى وصول ادارة اميركية جديدة، وسيحاول النظام وداعموه بوجود هدنة او بعدم وجودها، اعادة السيطرة على حلب على نحو يجعل من المفاوضات السياسية تفصيلا غير ذي شأن، في ظل تهشيم المعارضة او السعي الى إلغائها، من دون ان يعني ذلك قدرته على إعادة السيطرة على سوريا. وهذا المسعى لن يتوقف في رأي ديبلوماسيين كثر يعتقدون أن هناك سباقا من أجل السعي الى فرض أمر واقع ميداني في سوريا قبيل وصول ادارة اميركية جديدة، ربما تعيد النظر في اولويات الولايات المتحدة في المنطقة. وبيت القصيد في ظل هذه التوقعات أن لا أفق يعتد به لانفراج يبنى عليه، بحيث ينعكس ذلك على لبنان في المدى المنظور، وفق ما ساهمت تطورات الاسبوعين الماضيين في بلورة الأمور مع استبعاد يتلاقى عليه أكثر من طرف لأي نتيجة لمحاولة إيجاد نقطة دفع أو زخم تدفع بالوضع الى غير ما هو عليه، أكان هذا عنوانه انتخاب العماد ميشال عون أم سوى ذلك من التطورات. وكذلك لا أفق للتخفيف عن لبنان في أزمة اللاجئين، وقد أعلن الرئيس باراك اوباما استعداد 50 دولة لاستقبال 360 الفا منهم (!) خلال سنة، فيما لبنان يئن تحت وطأة استقبال مليونين منهم بين سوريين وفلسطينيين. بل إن التوقعات بإمكان عودة اللاجئين، حتى لو هدأت الحرب وتوقفت، تكاد تكون معدومة، وربما ايضا مرفوضة ما لم تكن طوعية لظروف تتعلق بهرب اللاجئين ومخاوفهم على حياتهم ومستقبلهم. ومقاربة موضوع اللاجئين والموضوع السوري على الاقل بهذه الطريقة، تفيد أن لا حلول سياسية قريبة، وهناك توقعات لاستمرار أزمة اللاجئين لسنوات عدة مقبلة، مما يلقي ظلالا مخيفة على واقع البلد في المدى المنظور، في حال بقاء الحرب السورية على حالها او بقاء وقائعها قائمة من دون حلول فعلية. ومن السخف الاعتقاد ان لبنان وحده في هذه الازمة، أي أزمة اللاجئين، ولكنه ينوء بأكثر من قدرته على الاحتمال. وقد سجلت تطورات أمنية الاسبوع الماضي على وقع توترات كان اللاجئون السوريون أحد أطرافها في مناطق عدة، على نحو ينذر بقوة بالمخاطر التي يخشاها كثر، والتي يمكن ان تضع لبنان على برميل متفجر في ظل اعتبارات كثيرة لا مجال لذكرها. هذه التطورات أضافت بعدا حقيقيا الى المخاوف من تزايد أعداد اللاجئين في لبنان وإمكان تحولهم في لحظة ما الى كتلة مهددة لكيان البلد ولاستقراره.
والجانب الذي لا يقل إيلاما ووطأة في هذا الاطار هو ما يفترض ان يكون مخاوف من حركة هجرة وتهجير وتغيير ديموغرافيات المنطقة طائفيا ومذهبيا على الاقل، على وقع ما شهدته الحرب في سوريا وكذلك في العراق حتى الان في شكل خاص. وهذا موضوع جدي وخطير يحصل واقعيا ولا يقتصر على مخاوف من حصوله في وقت قريب. وقد سبق لمسؤولين كبار في عواصم مؤثرة ان تحدثوا عن تغيير للديموغرافيات في كل من العراق وسوريا على نحو جذري، وكذلك بالنسبة الى تغيير الحدود الجغرافية، ومن غير المستبعد ان تبقى الحدود اللبنانية في منأى عما يحصل. هناك قلق في لبنان من موضوع اللاجئين، ويحاول أفرقاء مسيحيون إعلاء الصوت أكثر من سواهم في هذا الموضوع على هذه الخلفية على الارجح. وهناك خطاب يخشى كثر ان يكون بات يشبه الخطاب ما قبل الحرب الاهلية، انما مع اختلاف الظروف بين الامس واليوم. وثمة رمي لموضوع اللاجئين في خانة مصلحة أفرقاء آخرين ضمنا، في حين ان المقاربة المطلوبة تتطلب، ككل المواضيع التي يتعين فيها على لبنان مواجهة الخارج والحصول على القدر الاكبر من المساعدة الجدية منه، أن يكون موحدا بخطة واضحة ومحددة تضع حدودا للمخاوف، كما لتمادي الوقائع على الارض، في حين ان غياب الدولة او تغييبها يترك البلد مشرعا لكل الاحتمالات. ولذلك لا يتوقع معنيون كثر أن يحصل جديد في نيويورك أو سواها، باستثناء موضوع بعض العون للبنان على الصمود بمجموعه المتعاظم من اللاجئين، فيما تلقى مسؤولية إعادة تركيب البلد على اللبنانيين العاجزين عن ذلك.
روزانا بومنصف
النهار