النظام الطائفي خرّب سوريا وألقى باللوم على محمد وعبدالله

37

ضربني وبكى وسبقني واشتكى. مثل ينطبق حرفياً على النظام السوري، فقد شن اللواء الدكتور بهجت سليمان الرئيس السابق لواحد من أهم وأخطر فروع المخابرات في سوريا، وسفير سوريا السابق في الأردن، شن هجوماً لاذعاً على السيد محمد سعيد بخيتان الأمين القطري المساعد السابق وعلى عبدالله الدردري نائب رئيس الوزراء السابق للشؤون الاقتصادية في سوريا، وحملهما تبعات الكارثة السورية الحالية.
وقد كتب اللواء سليمان منشوراً على صفحته في فيسبوك بعنوان: «بين» بَخْتَنَة « الحزب.. و»دَرْدَرَة الاقتصاد». ويقول في منشوره حرفياً: «يخطئ من يظن أن التخلص من «دردرة» الاقتصاد، ومن «بختنة» الحزب، سينتهي بين عشية وضحاها..وهذان ليسا شخصين فقط، بل كانا رمزين لكل الاختراقات التي تسللت إلى الحزب والدولة..وستبقى آثار تلك الاختراقات طويلاً بين صفوفنا..ولا يقولَنَّ قائلٌ : لماذا سمحوا لهم بذلك ؟!..لأنّ تلك هي طبيعة الأمور في عالم السياسة.. ومن لا يدرك هذه البديهية، يحتاج لدروس كثيرة في دنيا السياسة..والاختراقات لا تستأذن القادةَ الشرفاء، ولا تنتظر موافقتهم، بل تتسلل من بين جنباتهم، وهي مرتدية ثوب العفة والطهارة والوطنية. وتبقى المعركةُ مستمرّةً، مع دواعش الخارج والداخل، إلى أن تعودَ سوريا الأسد إلى نقائها وصفائها وجوهرها الحقيقي، ويُزَالَ عنها ما عَلِقَ بها، عبر العقود الماضية..». انتهى كلام اللواء بهجت سليمان.
أود وبكل موضوعية أن أوجه بعض الأسئلة للدكتور سليمان الذي يعتبر من عظام رقبة النظام، خاصة وأنه لعب دوراً تاريخياً في تربية بعض آل الأسد والإشراف على تحصيلهم السياسي. سيادة اللواء: أنت تعلم علم اليقين أن سوريا ليست دولة بأي حال من الأحوال، وليس فيها سلطات ثلاث: التنفيذية والتشريعية والقضائية. هذه السلطات كلها مختزلة في أجهزة الأمن الذراع الحقيقية للرئاسة السورية منذ وصول النظام إلى السلطة. أنت تعلم يا سيادة اللواء أنك أنت وأمثالك من كان يعيّن رؤساء الوزراء والوزراء والأمين القطري المساعد والأمين القومي وكل أعضاء القيادتين القطرية والقومية.
وأنت تعلم علم اليقين أن أجهزة الأمن تشرف على تعيين الزبال في القيادة القطرية والفراش وصانع القهوة والشاي. ولا يمكن لأي سوري أن يحصل على أي وظيفة مهما تدنى شأنها إلا بموافقة أمنية دقيقة. وأنت تعلم قبل غيرك يا سيادة اللواء كيف تقوم أجهزة المخابرات كلها بالتدقيق في ماضي وحاضر أي مواطن سوري، وتقوم بعملية تقاطع معلومات دقيقة للغاية، وتسأل القاصي والداني عن تاريخ أبسط موظف قبل أن توظفه في دوائر الدولة، حتى لوكان سيعمل بوظيفة آذن مدرسة.
وإذا كانت الدولة الأمنية الرهيبة في سوريا تعرف عن السوريين أكثر مما يعرفون عن أنفسهم، فكيف يمر عليها تعيين شخصيات مهمة كأمين قطري مساعد أو نائب لرئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية؟ باختصار شديد يا سيادة اللواء أنتم تعرفون البئر وغطاءه في كل شاردة وواردة في سوريا. والأهم من كل ذلك أن أي وظيفة في سوريا تكون مباشرة تحت مرأى ومسمع أجهزة الأمن ليل نهار، لأن المؤسسة الوحيدة التي تعمل في سوريا بدقة ساعة الروليكس هي المؤسسة الأمنية العتيدة.
فإذا كنتم يا سيادة اللواء تتابعون بعيون زرقاء اليمامة تحركات أبسط موظف في سوريا، فكيف مرت عليكم ألاعيب بخيتان الحزبية ومؤامرات الدردري الاقتصادية؟ أنت تعلم يا سيادة اللواء أن بخيتان وكل القيادة القطرية هي عبارة عن موظفين بسيطين لا يمونون على شيء في سوريا، ولا يعرفون حتى عن أبسط تفاصيل السياسة السورية التي تحاك في الدوائر الضيقة جداً. هل كان عبد الله الدردري يا سيادة اللواء هو من يدير الاقتصاد السوري فعلاً، أم رامي مخلوف وحيتان القصر؟ لا شك أن الدردري دمر اقتصاد سوريا، وساهم في دفع السوريين إلى الثورة من خلال سياساته الاقتصادية الحقيرة. لكن هل كان يستطيع أن يمرر أياً من سياساته بدون ضوء أخضر من آل مخلوف وآل الأسد المتحكمين بثروات سوريا واقتصادها؟ الدردري اقتصادياً كبخيتان حزبياً مجرد منفذ. وقد قال الدردري ذات يوم للقيادة: «أرجوكم لا تدفعوني لأكذب على الشعب أكثر مما كذبت فيما يخص الوضع الاقتصادي في سوريا. والله لم يعد لدي أكاذيب في جعبتي، فقد استنفدتها كلها، لأنني كذبت بما فيه الكفاية نيابة عنكم».
هل بربك كان حزب البعث يحكم سوريا فعلاً في عهد بخيتان وقبل بخيتان؟ أم أنه كان ومازال مجرد واجهة مثل بقية مؤسسات الدولة الكرتونية كالحكومة ومجلس الشعب والقيادتين القطرية والقومية؟ ألا تتذكر يا سيادة اللواء عندما كنت ضابطاً قد الدنيا في المخابرات السورية؟ ألا تتذكر كيف كان كل كبار مسؤولي الدولة يحجون إلى مكتبك كتلاميذ المدارس لتقديم فروض الطاعة والحصول على رضاك؟ هل شاهدت حاكم سوريا المركزي وهو ينتظر بالدور عند سكرتير اللواء محمد ناصيف كي يحصل على الأوامر المالية والاقتصادية من إدارة أمن الدولة؟ أجهزة الأمن والقصر الجمهوري يا سيادة اللواء يدير كل شاردة وواردة في البلد عبر الهاتف. ثم عندما تنهار الأوضاع، وتفشل السياسات تبحثون عن كبش فداء مثل بخيتان والدردري.
صدقني يا سيادة اللواء أن كل السوريين الآن يعرفون من المسؤول عن خراب البلد ومن أوصله إلى هنا. ولم تعد تمر عليهم نكتة أن الرئيس نظيف لكن الذين حوله عرصات. هذه النكتة السمجة انتهى زمانها. والسوريون جميعاً باتوا يعرفون أن الثلم الأعوج من الثور الكبير، أي أجهزة الأمن والقصر الجمهوري. إذا أردتم النهوض بسوريا من مأساتها التاريخية عليكم أن تسموا الأشياء بمسمياتها، وألا تحملوها للدردرة والبختنة المسكينتين. لماذا يا سيادة اللواء اخترت «عبدالله» و»محمد» وحملتهما كوارث سوريا، ولم تذكر «علي» الآمر الناهي في سوريا منذ حوالي نصف قرن من الزمان؟ لماذا بالمشرمحي تتهم المسلمين السنة بتخريب سوريا، علماً أن المسؤولين السنة في البلاد مجرد طراطير لا يمونون على شيء؟
لماذا يا سيادة اللواء تضرب البردعة وتترك الحمار؟

فيصل القاسم

القدس العربي