انتشار ظاهرة الأطفال اللقطاء كارثة تهدد المجتمع السوري دون أي تدخل وحلول من قبل المنظمات والجهات المعنية

83

وسط زخم الحرب وأحداث الفوضى التي تعيشها سورية منذ نحو 10 أعوام، يتجرع الأطفال السوريين مرارة الواقع الأليم الذي يسود البلاد، مما أدى لتشريدهم وقتل طفولتهم، لاسيما مع انتشار ظاهرة الأطفال اللقطاء ممن تخلى عنهم ذويهم، والتي كانت مستهجنة وغريبة على المجتمع السوري قبل اشتعال فتيل الحرب، بينما زادت حالات التخلي عن الأطفال حديثي الولادة بشكل ملحوظ خلال سنوات الاقتتال والصراع، لاسيما في الآونة الأخيرة بمناطق مختلفة من سوريا، فبعد أن كانت نادرة الحدوث، باتت مشاهد التخلي عن الأطفال في الطرقات تتكرر حتى لم تعد أمرًا مستغربًا لدى كثيرين، ورغم صعوبة تحديد حجم الظاهرة لغياب الإحصائيات الرسمية، إلا أن تكرار الحوادث يؤكد استفحالها، وسط غياب مؤسسات مختصة بالتعامل مع هذه الحالات، وفي هذا السياق يسلط المرصد السوري لحقوق الإنسان الضوء على هذه الظاهرة، ليكشف أهم وقائعها وأسبابها وتبعاتها.

تصاعد منحنى حوادث التخلي عن الأطفال

تزايدت أعداد حوادث التخلي عن الأطفال وإلقائهم في الطرقات وأمام المساجد وفي أكياس القمامة، حيث بلغ عدد حالات التخلي عن هؤلاء الأطفال إلى ما يقرب من 40 حالة في محافظة إدلب وريف حلب الشمالي عام 2018 والنصف الأول من عام 2019، وتعد محافظة إدلب وريف حلب الشمالي ودمشق وريفها ومنطقة درع الفرات من المناطق التي تشهد طفرة في هذه الظاهرة، ويستمر المنحنى بالتصاعد عام 2020 مع استمرار عمليات القتال والنزوح والتشريد للسوريين، وحذر المرصد السوري من تفاقم هذه الظاهرة وانتشارها في المحافظات السورية، وما قد يترتب عليها من تبعات مأساوية، ويرى أن عدد الأطفال اللقطاء أكبر من ذلك بكثير، لاسيما في ظل وجود حالات بأماكن بعيدة من الصعب معرفتها وتوثيقها.

أسباب انتشار الظاهرة

ترجع أسباب انتشار هذه الظاهرة بسوريا في الوقت الراهن إلى عدة عوامل، تتمثل في : الفقر والعوز وانخفاض المستوى المعيشي الذي قد يجبر بعض الأمهات والآباء خصوصًا في ظروف الحرب، لاسيما مع وفاة أحد الأبوين إلى التخلي عن الأطفال، وكذلك الزواج من مقاتلين أجانب أو غير أجانب، فبعد تعرضهم للقتل أو الفقد بسبب العمليات العسكرية، قد تضطر الزوجة تحت ضغط الأهل إلى التخلي عن أطفالها لعدم قدرتها على تحمل أعباء معيشتهم وتربيتهم، ففي مناطق تنظيم “الدولة الإسلامية” بالرّقة ودير الزور وجد بها على أقلّ تقدير 350 حالة زواج من أجانب مجهولين في إحدى المخيّمات، فيما بلغ عدد نساء داعش المتواجدات في المخيمات التابعة للإدارة الذّاتيّة أكثر من 4000 امرأة و8000 طفلًا، إضافة إلى مئات الدّعوات المرفوعة لإثبات الزّواج من الأجانب في المناطق التّابعة للفصائل المسلّحة، كما تؤدي الثقافة المجتمعية السائدة في المجتمع السوري كونه مجتمعًا شرقيًا، يشجع الشباب ذكورًا وإناثًا على الزواج المبكر بسن صغيرة بمجرد وصولهم إلى حالة النضج الجنسي بغض النظر عن نضجهم الانفعالي والنفسي والسلوكي والاجتماعي، فغالبًا ما يكونوا غير مؤهلين لهذه التجربة، التي ينتج عنها أطفال يتم التخلي عنهم بسبب الأوضاع الأمنية المتردية وقلة ذات اليد، وفي بعض الأحيان قد يكون هؤلاء الأطفال نتاج علاقات غير شرعية، يرفضها المجتمع السوري المحافظ، مما ينتج عنها عواقب كثيرة قد تصل إلى حد قتل الأم لدواعي “الشرف” في أغلب الأحيان والتخلي عن الأطفال نتاج هذه العلاقة، ومن زاوية أخرى نجد أن ذكورية المجتمع ترفض وجود أي طفل مجهول النسب أو بدون أب وبالتالي توسمه بالعار فتهرع النساء التي تعرضن إلى حوادث السبي أو الاغتصاب وتم الاعتداء عليهن إلى التخلص من الأطفال الذين كانوا نتاج لتلك الأحداث مما يزيد من عدد اللقطاء ومجهولي النسب.

وفي إطار انتشار هذه الظاهرة وتفاقمها يكشف المرصد أهم التبعات المترتبة عليها، والتي يكمن أبرزها في ازدياد أعداد أطفال الشوارع والتوسع في ظاهرة التسول، فقد رصد المرصد انتشارها بـ“جرمانا” في منطقة الشام، لاسيما مع فقدان العديد من هؤلاء الأطفال لمنازلهم وأسرهم بسبب الصراعات الدائرة، وعلى الجانب الآخر نجد تزايد في انتشار ونشاط العصابات التي تستغل أطفال الشوارع لجمع المال، والقيام بالأعمال المشبوهة حتى يصل المآل بعدد كبير من هؤلاء الأطفال بالإدمان والتورط بأعمال العنف والجريمة، إلى جانب زيادة نشاط عصابات تجارة الأعضاء، ناهيك عما يتعرض له هؤلاء الأطفال ذكورًا و إناثًا في ظل هذه الظروف الضاغطة من عمليات التحرش والاستغلال والابتزاز الجنسي، والتجنيد في صفوف الجماعات والفصائل الجهادية، وقد أكد المرصد أن هناك نحو 350 طفلًا جرى إرسالهم إلى ليبيا، من بينهم 18 طفلاً قضوا في عمليات عسكرية، ويذكر أن “تنظيم الدولة الإسلامية” قام بتجنيد عددًا كبيرًا من الأطفال السوريين في عدة محافظات سورية ضمن صفوفه تحت مسمى”أشبال الخلافة” نسبتهم تتراوح ما بين 60% إلى 40% من مجموع مقاتلي التنظيم، وفي عام 2014 جند التنظيم أكثر من 4 آلاف طفل في محافظة دير الزور، قضى منهم ما يقرب من 600 طفلًا ، هذا إلى جانب حرمان هؤلاء الأطفال من الرعاية الصحية اللازمة والتعليم نتيجة عدم وجود أوراق ثبوتية لهم، وفي سياق متصل يذكر أنه تم تشريد ما يقارب من 5 ملايين طفلًا في الداخل والخارج إبان اندلاع أعمال القتال والعنف في سوريا، مما أسفر عن انعدام وجود أوراق ثبوتية لعدد كبير من الأطفال لاسيما من ولدوا في مخيمات اللجوء، وفي المناطق التي تسيطر عليها التنظيمات الجهادية، مما خلف أشخاصًا دون جنسية، خاصة مع غلق وتعطيل الدوائر القانونية ودوائر القيد في معظم مناطق الصراع مما يترتب عليه حرمانهم من معظم حقوق المواطنة، حتى أن حكومة الإنقاذ رفضت السماح للأطفال مجهولي النّسب في إدلب بالتسجيل في المدارس لعدم وجود أوراق ثبوتيّة، واكتفت بقبولهم كمستمعين، هذا بالإضافة للمعاناة النفسية التي يصاب بها هؤلاء الأطفال، حيث يكونوا أكثر عرضةً للاضطرابات والأمراض النفسية مثل: الاكتئاب والانعزالية من جانب، والعنف والميول الانتحارية من جانب آخر؛ لاسيما مع تعرضهم للعنف المباشر من خلال العنف والاستغلال والتفجير والتجنيد والاختطاف والاعتداء، ونبذ المجتمع لهم وعدم اعترافه بهم.

لذا تتكرر مطالبات المرصد السوري لحقوق الإنسان للجهات المسئولة والمؤسسات المعنية في الداخل والخارج بضرورة الاضطلاع بدورها تجاه هؤلاء الأطفال وإيجاد حلول لتأقلمهم وعيشهم بشكل طبيعي في المجتمع، وكذا ضرورة الحد من هذه الظاهرة والقضاء عليها في المجتمع السوري ومجابهة العوامل المؤدية إليها تجنبًا لانفجار كوارث إنسانية في المستقبل.