اندفاع الأكراد للتفاهم مع النظام السوري: خوف على المصير؟

30

يتجه أكراد سورية إلى عقد تفاهمات مع النظام، وسط تخوّفهم من أن يجدوا أنفسهم مرة أخرى وجهاً لوجه أمام الجيش التركي الساعي إلى وأد أي محاولة لتشكيل إقليم ذي صبغة كردية في شمال سورية، فيما لا يزال الغموض يلف الموقف الأميركي حيال التقارب المعلن بين أحزاب كردية سورية والنظام في الآونة الأخيرة، والذي يبدو أنه قطع شوطاً في طريق تسليم هذه الأحزاب منطقة شرق الفرات لقوات النظام.
وأكدت مصادر مختلفة متطابقة أن باب حوار بين النظام وأحزاب كردية سورية أبرزها حزب “الاتحاد الديمقراطي”، “فُتح أخيراً”، في ظل قلق كردي متصاعد إثر تفاهمات تركية-أميركية حول مدينة منبج تدفع الوحدات الكردية، الذراع العسكرية للحزب المذكور، إلى خارجها، مع احتمال أن يتم توسيع هذه التفاهمات لتشمل منطقة شرق الفرات، وهو ما يعدّ ضربة كبرى لا يستطيع أكراد سورية تحمّل تبعاتها. ويسيطر “الاتحاد الديمقراطي”، تحت غطاء “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) وبدعم أميركي مباشر، على نحو ربع مساحة سورية، إذ يسيطر على أغلب منطقة شرق الفرات التي تعدّ “سورية المفيدة” بثرواتها المائية والزراعية والنفطية، وتسيطر قواته على أغلب محافظة الرقة، وكامل ريف دير الزور شمال نهر الفرات، وأغلب محافظة الحسكة باستثناء مربعين أمنيين للنظام في مدينتي القامشلي والحسكة. كذلك يسيطر على ريف حلب الشمالي الشرقي، شرق نهر الفرات، وسلسلة قرى جنوب نهر الفرات تمتد من مدينة الطبقة غرباً وحتى مدينة الرقة شرقاً، على مسافة أكثر من 60 كيلومتراً.
وأكدت وسائل إعلام تابعة للنظام أخيراً أنه جرى اتفاق يتعلق بتسلّم حكومة النظام حقول النفط التي تسيطر عليها الوحدات الكردية في محافظتي الحسكة ودير الزور، في مقابل تعيين شخصية كردية موالية للوحدات وزيراً في الحكومة. كما جرى التفاهم على تسلم النظام أيضاً السدود المقامة على طول نهر الفرات التي تسيطر الوحدات عليها، وهي: الفرات والبعث في محافظة الرقة، وتشرين في ريف حلب الشمالي الشرقي.
وأكدت مصادر محلية لـ”العربي الجديد”، أن مسؤولين في حكومة النظام زاروا أخيراً مناطق في شرق الفرات، منها مدينة الطبقة، للتباحث مع قياديين في الوحدات الكردية لإعادة بعض مؤسسات النظام إلى هذه المناطق كمرحلة أولى تسبق تسليم هذه المناطق لقوات النظام. وفتح النظام حواراً غير مباشر مع الجانب الكردي من خلال المتحدثة باسم ما يُسمّى “الجبهة الديمقراطية السورية” ميس كريدي، التي زارت أخيراً الحسكة أقصى شمال شرقي سورية، وهي معقل الأكراد البارز في البلاد، وقالت إن “أجواء أكثر من إيجابية سادت خلال الزيارة”. وفي تصريح لوسائل إعلام تابعة للنظام، أشارت كريدي إلى لقاء جمعها مع الرئيسة المشتركة لـ”مجلس سورية الديمقراطية” التابع لأحزاب كردية، إلهام أحمد، والذي خلص إلى الإعلان عن موافقة “سورية الديمقراطية” على “إرسال وفد للحوار مع دمشق من دون شروط مسبقة”.
وزعمت كريدي أن الأكراد “يريدون حواراً سورياً-سورياً من دون تدخّلات خارجية”، مضيفة: “أكدوا أنهم ليسوا انفصاليين ولم يفكروا في هذا الأمر، ولديهم مطالب تتعلق بالديمقراطية والإدارة الذاتية، كما أكدوا أنهم لم يحملوا السلاح أبداً في وجه الجيش السوري، بل حملوه لمواجهة الإرهاب، والعلم الوطني السوري لا يزال مرفوعاً في القامشلي”. وعلى الرغم من أن المسؤولين في “مجلس سورية الديمقراطية” وهو الجناح السياسي لـ”قسد” أكدوا عدم وجود تفاوض مع النظام، إلا أنهم أشاروا إلى أنهم جاهزون للحوار “من دون شروط مسبقة”، وفق تعبير رياض درار الرئيس المشترك لهذا المجلس.
ولكن مصادر مطلعة أكدت أن هذا المجلس “واجهة سياسية لا أكثر ولا أقل”، مضيفة: “القرار بيد قيادات الوحدات الكردية، والرئيس السابق لحزب الاتحاد الديمقراطي صالح مسلم”. وكانت قد جرت مفاوضات بين الأكراد والنظام خلال السنوات السابقة في دمشق والقامشلي والقاعدة الروسية في حميميم لم تسفر عن نتائج ولكنها أبقت على “شعرة معاوية” بين الطرفين. ولطالما اتهمت المعارضة السورية الوحدات الكردية، وغيرها من المليشيات الكردية بارتباط مباشر مع النظام، وأحزاباً كردية أبرزها “الاتحاد الديمقراطي” بمحاولة تقسيم سورية.
وأدّت التطورات الكبيرة في منطقة عفرين شمال غربي حلب، وفي مدينة منبج شمال شرقي حلب، دوراً مهماً في تعديل استراتيجية “الاتحاد الديمقراطي”، الذي تُرك لمصيره أمام الجيش التركي وفصائل تابعة للمعارضة السورية، وهو ما دفعه إلى فتح باب حوار مع النظام، والتسريع في خطوات تفاهم معه، تجنباً لعملية عسكرية تركية في شرق نهر الفرات ربما تفضي إلى اختفاء الحزب نهائياً من المشهد العسكري والسياسي السوري. وأكدت مصادر محلية مطلعة أن قياديين في الوحدات الكردية عقدوا أخيراً جولة تفاوض مع مسؤولين في النظام في مدينة الشدادي بريف الحسكة الجنوبي، عرض خلالها الأكراد تسليم الشريط الحدودي مع تركيا إلى النظام تجنّباً لأي عملية عسكرية تركية.
وأشارت المصادر إلى أن النظام اشترط مقابل تسلمه الشريط الحدودي، افتتاح مقرات أمنية له في مدن وبلدات الرقة والطبقة والبصيرة وذيبان الواقعة تحت سيطرة “قوات سورية الديمقراطية” التي تشكل الوحدات الكردية ثقلها الرئيسي. وأزالت ما يُسمّى بـ”الإدارة الذاتية” التي تضم عدة أحزاب كردية وتدير المناطق التي تسيطر عليها الوحدات الكردية، الأعلام الكردية وصور زعيم حزب “العمال الكردستاني” من مدينتي القامشلي والحسكة أخيراً، في إشارة واضحة إلى استعدادها للتفاهم مع النظام في خطوة تؤكد انهدام جسور الثقة بالأميركيين.
ولم تعلن الولايات المتحدة، وهي الداعم الأكبر لـ”قوات سورية الديمقراطية” أي موقف حيال الأنباء عن وجود مفاوضات بين الأخيرة والنظام، ولكن من المؤكد أن أي تقارب بين أكراد سورية والنظام لا بد أن يحظى بموافقة أميركية صريحة. وبات من الواضح أن واشنطن بدأت بتغيير خطابها باتجاه نظام بشار الأسد، فلم تعد تصدر تصريحات من المسؤولين الأميركيين تدعو إلى إسقاط النظام الحالي أو استبعاد الأسد عن السلطة.
وبات الأميركيون يوجّهون اهتمامهم نحو طرد الإيرانيين من سورية، وهو ما يستدعي تفاهماً مع الروس يقوم على بقاء الأسد في السلطة على الأقل حتى عام 2021، ما يعني أن الأميركيين لا يمانعون في سيطرة قوات النظام على كامل الجغرافيا السورية مع الحفاظ على النفوذ الأميركي في الشرق السوري، وهو ما تجلى في الموقف الأميركي من الجنوب السوري، حيث أعطت واشنطن للروس ضوءاً أخضر لسحق المعارضة المسلحة هناك.
ومن المرجح أن تكون منطقة شرق الفرات على طاولة لقاء القمة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأميركي دونالد ترامب في هلسنكي منتصف الشهر، وأشارت وسائل إعلام روسية إلى أن تسليم مناطق شرق الفرات أو على الأقل بعضها للنظام قد يكون أحد الخيارات المطروحة أميركياً على طاولة المفاوضات بين الرئيسين، مقابل طلب تحجيم نفوذ طهران في الساحة السورية.
وفَقَد الأكراد خلال العام الحالي الكثير من مناطق سيطرتهم في ريف حلب، إذ فقدوا معقلهم المهم مدينة عفرين وريفها وهم في طريقهم إلى خسارة مدينة منبج غرب نهر الفرات بعد تفاهم تركي-أميركي حول المدينة، ويحركهم الخوف على المستقبل لقبول الخيار الأقل سوءاً وهو التفاهم مع النظام على أساس المحافظة على مكتسبات حصلوا عليها خلال سنوات الثورة وهي “الإدارة الذاتية” للمناطق ذات الغالبية الكردية، ويبدو النظام مستعداً للقبول بهذا الوضع مؤقتاً حتى يستعيد سلطته على سورية كلها.

أمين العاصي
المصدر: العربي الجديد