انفتاح صربي على «سورية الأسد»

50

على الرغم من التقدم الكبير الذي حققته صربيا في السنوات الأخيرة للتخلص من الإرث الميلوشيفي، الذي عزلها عن محيطها الأوروبي، والتوجه نحو الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي الذي أصبح في الأفق بعد بداية المفاوضات بين بروكسيل وبلغراد في 2015، إلا أن مشكلة أوكرانيا وضم روسيا لشبه جزيرة القرم خلقا تصدعاً بين روسيا (الحليفة التاريخية لصربيا) وبين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة اللذين اتخذا جملة من العقوبات ضد روسيا. ومع هذه العقوبات التي أزعجت روسيا بدأت «الحرب الباردة الجديدة» التي أصبح البلقان ساحة من ساحاتها في السنتين الأخيرتين.

 

روسيا أو الاتحاد الأوروبي

صربيا زادت أهميتها بالنسبة للطرفين بسبب موقعها الجيوبوليتيكي. فهي تشكل بالنسبة لروسيا المركز الحيوي الذي يمكن أن تنطلق منه باتجاه الغرب عبر جمهورية الصرب في البوسنة (التي تحتل 49 في المئة من مساحة الدولة) وعبر الصرب في جمهورية الجبل الأسود (الذين يشكلون حوالى 30 في المئة من السكان) لتطل على البحر الأدرياتيكي. ولأجل ذلك كان من السهل على موسكو أن تعتمد على الإرث التاريخي والكنيسة والاستثمار في مجال الطاقة وتحريك المعارضة القومية في الشارع التي تستدعي دائماً موقف الغرب – حلف الأطلسي بقصف صربيا في 1999 وإرغامها على الانسحاب من كوسوفو «قلب الصرب».

ومع الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي حققت فيها المعارضة القومية برئاسة فويسلاف شيشل تقدماً واضحاً في ربيع 2015 وتشكيل حكومة ائتلافية يشارك فيها ايفيتسا داتشيتش رئيس «الحزب الاشتراكي الصربي» (الذي أسسه ميلوشيفيتش وخلفه داتشيتش في رئاسته)، كان على رئيس الحكومة ألكسندر فوتشيتش أن يأخذ كل ذلك بعين الاعتبار، أي ألا يندفع نحو بروكسيل على حساب العلاقة التاريخية والاقتصادية مع موسكو. ومن هنا رفضت بلغراد تطبيق العقوبات التي قررها الاتحاد الأوروبي على روسيا، والتي يفترض بصربيا كـ «دولة مرشحة» للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي أن تأخذ بها من باب التنسيق في السياسات الخارجية. وقد عبّر عن خلفيات الضغط واحتمالات المستقبل وزير الخارجية الصربي داتشيتش يوم الثلثاء المنصرم بلغة أقرب الى الوعيد، حين قال «إن الضغط الديبلوماسي الذي يمارسه الاتحاد الأوروبي باسم تنسيق السياسة الخارجية غير مقبول بالمرة» و «أرجو الله ألا يجعلنا نختار بين روسيا والاتحاد الأوروبي، لأن صربيا ستختار دوماً روسيا».

 

رغبة روسية واستجابة صربية

وفي مثل هذه الأجواء الجديدة في صربيا، كان من الطبيعي أن يؤدي التدخل الروسي في سورية، الذي يلقى القبول والتأييد في أوساط المعارضة القومية المؤيدة لموسكو، إلى مقاربة جديدة للحكومة الصربية تجاه الصراع الدائر في سورية. فخلال السنوات الماضية كانت الحكومة الصربية، والصحف المؤيدة لها، أقرب إلى مواقف الاتحاد الأوروبي مما يجرى في سورية والموقف من الرئيس بشار الأسد. ولكن مع تزايد الدور الروسي في دمشق والنفوذ الروسي في صربيا، بدأت تظهر مؤشرات إلى تغير ما في الموقف الصربي نحو الانفتاح على المقاربة الروسية للوضع في سورية، بما في ذلك الموقف من الأسد. وكان أول مؤشر إلى ذلك الاستجابة الصربية للرغبة الروسية بإرسال «مساعدات إنسانية» إلى سكان حلب الغربية باعتبارهم «ضحايا الإرهاب». وقد انطلقت بالفعل الشحنة الأولى في 20 تشرين الأول (أكتوبر) المنصرم من مطار نيش في جنوب صربيا وسط تغطية إعلامية ملفتة.

أما المؤشر الأهم فقد كان الانفتاح على الرئيس الأسد ونشر مقابلة معه في أقدم وأهم جريدة صربية (بوليتيكا 4/11/2016) في الصفحة الأولى أجراها معه الصحافي الصربي ميروسلاف لازانسكي. ونظراً إلى أن المقابلة مع جريدة صربية، فقد عرف الأسد كيف يركز على الموضوع العاطفي الذي يحرك الصرب في شكل عام والشارع الصربي المؤيد لروسيا في شكل خاص (كوسوفو) والذي تتفرع منه مواضيع كثيرة تتعلق بالعلاقة المتوترة لسورية وصربيا مع تركيا والعلاقة المتوترة مع الغرب.

فقد قال في المقابلة «نحن لم نعترف ولن نعترف باستقلال كوسوفو من جانب واحد عن صربيا» وربط ذلك بتوتر العلاقات بين سورية وتركيا قبل اندلاع الصراع في سورية في 2011. وكشف أن تركيا ضغطت على سورية للاعتراف باستقلال كوسوفو وهو ما رفضته سورية و «قد أدت هذه المسألة إلى برود (العلاقات) مع تركيا قبل سبع أو ثماني سنوات». وكانت كوسوفو في 2013 سبباً في أزمة كبيرة في العلاقات بين صربيا وتركيا، بعد أن كانت العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين وصلت الى مرحلة «التعاون الاستراتيجي». ففي تلك السنة، زار الرئيس أردوغان كوسوفو وصرح في لحظة انفعالية خلال زيارته لمدينة بريزرن (مركز الولاية العثمانية) بأن «كوسوفو هي تركيا وتركيا هي كوسوفو»، ما كان كافياً لتتراجع العلاقات الصربية – التركية سنوات إلى وراء.