بؤس خطاب “المدينية والمدن” في الثورة السورية
انتظرنا طويلا حتى نرى ردا من أبناء الثورة السورية وقادتها الكثر، على مقال للسيد سمير نشار أحد قادة المعارضة البارزين والمعنون “في الدفاع عن المدينية والمدن” والذي نشر في احدى الصحف العربية البارزة.
المقال يأتي استكمالا “لأزمة” أشعلتها تغريدة لنشار على موقع تويتر، عزى فيها كل مصائب الثورة السورية وهزائمها العسكرية الأخيرة إلى أنها انحصرت في الأرياف ولم تمتد إلى المدن، وأن القادة “الريفيون” كما أسماهم نشار، كانوا السبب الرئيس لهزيمة “أنبل ثورات الربيع العربي”.
تحميل السيد نشار الريف مسؤولية الهزيمة، أثار السخط والسخرية في الأوساط السورية، حين حاول ابتداع مظلومية للمدن رغم أن أحدا لم يقلل من دور وأهمية المدينة في الثورة، فما حصل بالضبط أن السيد نشار هاجم الريف والريفيين منتصرا للمدينة والدفاع عنها، هاربا للأمام بالحديث عن الاختلاف مع بيئة الريف، فوجد العديد من مناضلي الريف المهمش والفقير الذين دفعوا سنوات من أعمارهم في السجون والاقصاء، شعروا بأن نفسا عنصريا استعلائيا في لغة نشار، فهم الذين حملوا راية المعارضة السياسية والثقافية في وجه النظام عندما كان في أوج سطوته وقوته، في وقت كان العديد من قادة اليوم يرفلون بنعيم النظام.
على مدى سنوات، تصدر السيد نشار المشهد السياسي المعارض وكان فارس الفضائيات العربية والأجنبية، متحدثا باسم الثورة، التي بات يصفها بالريفية، ومدعيا تمثيلها في المحافل والمؤتمرات الدولية والاقليمية، كما تسابق هو وزملاءه في المجلس الوطني السوري للتقرب من قادة الفصائل ”الريفيون“ في الداخل السوري، وكالوا لهم المديح ورسائل الغزل والاطراء، لكن مع بدء التراجع الميداني، أصبح التنصل والتهرب من المسؤولية مهنة لأغلب السياسيين المعارضين، فأبناء الثورة البسطاء، الذين حملوا أرواحهم على أكفهم من أجل التحرر من العبودية والقهر، يحملهم السياسي المترف اليوم، مسؤولية تدهور ومألات ثورتهم المغدورة، ونسي أو تناسى أعضاء الائتلاف أن سياساتهم الصبيانية ومصالحهم الخاصة وارتزاقهم في العواصم الأجنبية والعربية، هي أحد أهم أسباب الكارثة والخراب.
السيد نشار، تحت وقع هزيمته الشخصية وانحسار دوره، تناسى هو وغيره، أن العديد من أبناء المدن فروا إلى الأرياف هربا من القبضة الأمنية للنظام في المدن، وتغافل عن وجود فصائل مقاتلة باتت في غالبيتها من أبناء المدن.
وللتذكير، مع بداية العام 2015 كان النظام يسيطر على أقل من 18 بالمئة من مساحة الأراضي السورية، وأن نظام الأسد كان قاب قوسين أو أدنى من السقوط لولا التدخل الروسي والتواطؤ الغربي، وهي ذات الفترة التي لم ينتبه فيها السيد نشار أن الثورة “ريفية”.
يعلم السيد نشار جيدا أن من أدخل القاعدة وداعش إلى سوريا لم يكونوا أبناء الريف، ولا المدن، ومن هلل ودافع والتقط الصور مع قادة الفصائل “الجهادية” كانوا سياسيين و”مثقين” ومنظرين للثورات الأممية، ولم يكونوا من أبناء الريف فقط، فالعناصر الجهادية لم تنزل من السماء، ولم تخرج من بين مسلمي الشعب السوري الوسطيين تاريخيا، بل دخلت من دولة مجاورة، ودعمت عسكريا وماليا من دول أخرى، تلك الدول هي ذاتها كانت ولا زالت ولية نعمة هؤلاء المثقفين الثوريين جدا، ويعلم السيد نشار وزملائه المعارضين الاشاوس، أن مناضلي ونشطاء الريف والمدينة هم أول من خرج في مظاهرات ضد تعسف الفصائل “الجهادية” وتحمل التشريد والتهجير القسري، وأن أبناء الداخل وليس مناضلي الخارج هم من أدرك مبكرا خطورة هذه الجماعات الإرهابية التي اختطفت ثورتنا النبيلة.
وأذكر السيد نشار وزملاؤه جورج صبرا وميشيل كيلو أن أبناء الداخل (مدنا وريفا)، يدركون أن غالبية السياسيين شاركوا بجريمة أسلمة الثورة، وإن كان كيلو وصبرا نطقوا كفرا، فالبقية كانوا شياطين خرس.
ولا يخفى على أحد الاستذلال البائس لقادة المجلس الوطني والائتلاف (من الريف والمدينة) أمام ممثلي العواصم وسفراء الدول، منذ البدايات، حين ساوموا على مبادئ الثورة، وكيف ساقوا علمانية ووطنية الثورة إلى مذبح الإخوان المسلمين ولاحقا القوى التكفيرية الجهادية.
الغريب أن السيد نشار أعاد تغريدته الخرقاء سياسيا في مقالته الشهيرة، رغم مضي سبع عجاف على اندلاع الثورة، وبعد أن تأكدت حقيقة الظروف الدولية والإقليمية والأزمة الخليجية الأخيرة كعوامل كارثية وحاسمة في انحسار الثورة، بما يتجاوز الطروحات الساذجة لأصول أبناء الثورة وقادتها والتمييز بين المدن والأرياف التي انحدروا منها.
لا بالانتصارات ولا بالانتكاسة، شعر أبناء الثورة السلمية الأوائل، أنهم ينتمون لتلك “النخبة المتحكمة”، ولم يدركوا بعد من نصبهم على شعبنا ولا من أعطاهم حق الحديث باسم إنجازاتنا، وفروا مذعورين وتحولوا إلى علماء انثروبولوجيا حين بدأت الانتكاسات.
ولعل بدء البعض من قادة المعارضة في القفز من سفينة الثورة ولو متأخرين، هي الفرصة الجديدة لتطهير نضالنا السياسي من سلوك الوصولية والارتزاق والعبث السياسي، وسنقول لهم وقتها، لكم “مدنيتكم” ولنا ثورتنا، شكر الله سعيكم.
أسعد كنجو
المصدر: زيتون