بلدة قلعة المضيق… ممر عبور المهجرين ومقر مأساة الكثير منهم تعيش واقعاً متردياً لا تسعفه محاولات سكانها للنهوض بها مع غياب الدعم الكافي

21

بلدة قلعة المضيق، واحدة من بلدات ريف محافظة حماة الغربي، يبلغ تعداد سكانها الحالي ما يقرب من 27 ألف نسمة، وهي إحدى أهم البلدات الواقعة في هذا الريف، نظراً للأهمية التي تميزت بها خلال سنوات الثورة السورية، وبخاصة في العامين الأخيرين، حينما تحولت لمعبر ونقطة وصل هامة، بين مناطق سيطرة قوات النظام السوري، والمناطق الخارجة عن سيطرتها والخاضعة لسيطرة الفصائل، وهي -قلعة المضيق- تقع في الجزء الجنوبي من سهل الغاب، ويحدها كل من جبل شحشبو الخاضع لسيطرة الفصائل، وبلدة السقيلبية التي تسيطر عليها قوات النظام، فيما شاركت البلدة بالاحتجاجات والتظاهرات المطالبة بالحرية وإسقاط النظام، وكانت تعد مركزاً للتوافد إليها من آلاف المتظاهرين من القرى والبلدات المجاورة، لحين انطلاقة العمليات العسكرية وتوسعها، حيث اتجهت هي الأخرى كباقي المناطق نحو التسلح والمعارك، وانطلقت منها العديد من التشكيلات العسكرية، من ضمنها حركة أحرار الشام الإسلامية وكتائب الفاروق، ومن ثم جيش النصر الذي يبسط سيطرته الآن على البلدة بشكل شبه كامل.

القلعة الأثرية تعلو بلدة قلعة المضيق، وتسمى بقلعة أفاميا، حيث تتمركز في هذه القلعة قوات النظام مدعمة بالآليات العسكرية منذ عام 2012، وجرت خلال هذه الفترة الزمنية الطويلة، العديد من محاولات التقدم إلى البلدة، نظراً لأهميتها الإستراتيجية لكلا الطرفين، أما القوات المتواجدة في القلعة الأثرية، فلم تقم بعمليات قصف أو محاولة سيطرة، فهي فقط تتمركز في القلعة على اعتبار أنها تطل على أجزاء كبيرة جداً من مناطق سيطرة المعارضة شمالاً، ومناطق سيطرة قوات النظام جنوباً، وتشهد مع فصائل المعارضة المتواجدة في البلدة هدنة غير معلنة طويلة الأمد، حيث لا يوجد أي مواجهات عسكرية بينهم، وفي ظل الهدوء الذي يخيم على هذه البلدة لجأ إليها الكثير من المدنيين من المناطق المجاورة، بل ويتواجد فيها المئات من العائلات التي تم تهجيرها قسراً من مناطق الغوطة الشرقية ودرعا وريفي حمص الشمالي وحماة الجنوبي، وسميت بالنقطة صفر.

البلدة تمتاز بكثرة المحال التجارية ونشاط السوق فيها، حيث أكدت المصادر الأهلية للمرصد السوري لحقوق الإنسان أن الأجواء الطبيعية تسود شوارعها بشكل عام، في حين يضبط ناحية الأمن في البلدة، مكتب أمني مستقل، يقوم على متابعة الشكاوى المقدمة من الأهالي، وملاحقة المتهمين بقضايا معينة ورد حقوق المدنيين، أما من الناحية الصحية والطبية فيوجد في البلدة العديد من الأطباء والصيادلة، من أبناء البلدة أو من خارجها، كما يتواجد فيها مركز صحي يقوم على تغطية الحالات المرضية والإسعافية والإصابات، من جميع المناطق المجاورة، مثل سهل الغاب وجبل شحشحبو، على قدر الإمكانيات المتوفرة لديه، كما تجري العملية التعليمية بشكل إيجابي نسبياً، وتفتح مدارس البلدة الثانوية والإعدادية أبوابها لتدريس الطلاب، من عدة قرى وبلدات مجاورة أيضاً، وهي تلك القرى الصغيرة التي لا يوجد فيها مدارس لمتابعة مراحل التعليم المتقدمة، في حين أكدت مصادر أهلية من البلدة للمرصد السوري حول الأحوال العاملة للبلدة وأوضاع المهجَّرين فيها والنازحين إليها و والجوانب الاقتصادية والمعيشية في البلدة، قائلة، رغم تعرض البلدة لعمليات قصف جوي وبري مكثفة في وقت سابق، قبل قوات النظام والقوات الروسية وحلفائما، إلا أن الآونة الأخيرة قد شهدت هدوءاً كبيراً في البلدة، إذ تجدر يجدر الإشارة أن المئات من العائلات استقرت في البلدة من أبناء أرياف دمشق وحمص وحماة، بعد تهجريهم باتفاقات بين فصائل المنطقة وقوات النظام، حيث فضلوا البقاء في البلدة، بسبب عدم القدرة على التكيف، في أجواء المخيمات، قرب الحدود السورية مع تركيا، وما دفعهم لذلك وفقاً للمصادر الأهلية، عو موقع البلدة الجغرافي، الذي جعل منها بلدة آمنة، ونظراً أيضاً لطبيعة سكان البلدة.

المرصد السوري رصد كذلك من سكان البلدة، بأن الأحوال الجوية مع قدوم فصل الشتاء، بدأت في رسم ملامح جديدة لمعاناة السكان والنازحين في بلدة قلعة المضيق، على غرار المهجرين في باقي المناطق، فمعظم المهجرين يعيشيون في منازل غير مكتملة البناء، أو في منازل صغيرة وبأعداد كبيرة، كما يفتقرون للكثير من مقومات الحياة فيها، إذ أن معظم المهجرين تركوا ممتلكاتهم وتهجروا من مناطقهم، الأمر الذي دفع المهجرين والنازحين للبدء بالشكوى، من سوء أحوالهم المعيشية في بلدة قلعة المضيق، نظراُ لغلاء الأسعار في جميع أصناف الخضروات والفواكه والخبز والمحروقات، وغيرها من المواد الضرورية، وقد ساهم العديد من التجار وأصحاب المحال التجارية، في تقديم المساعدة، وذلك بعد إطلاق حملة “كن مع الفقير” منذ أيام قليلة، والتي تطوع فيها المشاركون من أصحاب المحلات والمهن، بتخفيض الأسعار بنسبة وصلت إلى 40 %، إلا أن أحوال المهجرين في هذه البلدة، بدأت بالتردي بشكل أكبر من السابق، وسط مناشدة وجهها المهجرون والنازحون والبعض من سكان البلدة، إلى المنظمات والمؤسسات المحلية والدولية والإقليمية، المعنية بالأمر، بضرورة تقديم المساعدات اللازمة لهم، قبل تردي أوضاعهم أكثر ووصولها للكارثية، إذ أكد السكان للمرصد السوري أنه وعلى الرغم من الجهود المبذولة من قبل المجلس المحلي في البلدة، ومحاولاته تأمين سكن ومواد لازمة لهم، غير أن البلدة تعاني من تضخم سكاني كبير، كما طالب السكان بضرورة فتح معابر التجارة وتنشيط السوق التي تضرر كثيراً، في بلدة قلعة المضيق، ومعظم البلدات والقرى الواقعة تحت سيطرة الفصائل.

كذلك أكد مهجرون للمرصد السوري في بلدة قلعة المضيق، أنه رغم الوعود بحياة جيدة في الشمال السوري ومخيماته، غير أن العديد الأحوال لم تكن على ما وصفت، فالأحوال تردت كثيراً في المخيمات، ما دفع البعض للجوء إلى البلدات والمدن والقرى، والبحث عن أماكن تتصف بالأمن والاستقرار، وقلة حالات الفلتان الأمني، الذي تعاني منه معظم مناطق ريف محافظة إدلب، وبعض المهجرين وجدوا من يتبرع لهم بالسكن ضمن منزل أو محل تجاري غير مكتمل البناء، إلا أن الكثير منهم لم يجد المأوى المناسب، واضطر للسكن في أماكن مكشوفة، حيث لا يزال يفتقر الكثير من الأماكن المسكونة، للكثير من الحاجات لتحويله لمنزل مناسب، ومع دخول فصل الشتاء بدأت الأوضاع تتردى يوماً بعد آخر، حيث بدأ غلاء الأسعار، المترافق مع فقر شديد يعاني منه السكان، فضلاً عن غياب الدعم والمساعدات من قبل الجهات والأطراف الإنسانية والإغاثية، وطال السكان بتحسين الأوضاع المعيشية للمهجرين والسكان في بلدة قلعة المضيق والنظر في متطلباتهم، وتأمين محروقات لفصل الشتاء، وإصلاح المنازل التي يقطنها المهجرون، وتزويدها بالفرش والأغطية، وتأمين فرص عمل للشباب العاطلين عن العمل، من المهجرين ومن سكان المنطقة.

إننا في المرصد السوري لحقوق الإنسان ومع قدوم فصل الشتاء ببرده القارس وأمطاره الغزيرة، وما يتسبب به من تفاقم لمأساة النازحين، نطالب الجهات المحلية والإقليمية والدولية الإغاثية والإنسانية، بتقديم المساعدة لأبناء بلدة قلعة المضيق والقرى التابعة لها، ومعظم أبناء المخيمات من مهجرين ونازحين من مختلف المحافظات في إدلب وحماة والشمال السوري، والمساعدة على استقرار المنطقة النسبي، الذي يجب أن تقوم به الجهات التي تدعي مساعدة أبناء الشعب السوري، والتي عليها أيضاً تقديم المساعدة اللازمة وبخاصة في المجالات الصحية والتعليمية فضلاً عن الجانب المعيشي أسوة ببقية المناطق السوري التي يحاول أهلها إحياءها من جديد في ظل الاتفاقات الدولية والإقليمية التي تدعي أنها تسعى للاستقرار في سوريا.