بيدرسون يبدأ «مهمة شاقة» وسط انسحاب أميركي و«تطبيع» عربي
وصل السفير النرويجي السابق غير بيدرسون إلى جنيف لبدء مهماته مبعوثاً دولياً إلى سوريا خلفاً لستيفان دي ميستورا، وسط «واقع جديد» يتضمن إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب الانسحاب العسكري من سوريا، وبدء مسيرة «تطبيع» مع دمشق وسط انقسام حول مواعيد رفع قرار الجامعة العربية تجميد العضوية.
قبل أربع سنوات لدى تسلم دي ميستورا منصبه خلفاً للأخضر الإبراهيمي، كانت قوات الحكومة السورية تسيطر على نحو 10 في المائة من مساحة البلاد البالغة 185 ألف كيلومتر مربع، وكان الحديث يجري عن تشكيل «هيئة حكم انتقالية» بناءً على «بيان جنيف» لعام 2012.
لكن الدخول العسكري الروسي المباشر في سبتمبر (أيلول) 2015 قلب الموازين. باتت قوات الحكومة تسيطر على نحو 60 في المائة، فيما يستحوذ حلفاء واشنطن على 30 في المائة. كما تملك تركيا بشكل أو آخر نفوذاً على 10 في المائة من سوريا.
وفي عام 2018، استعادت دمشق السيطرة على غوطتها وجنوب البلاد وجنوبها الغربي، فيما بقيت إدلب وأرياف المحافظات المجاورة لها خارج سيطرة قوات الحكومة بفضل اتفاق سوتشي بين موسكو وأنقرة نتج عن مسار آستانة بين «ضامنيه» الروسي والتركي والإيراني. المسار السياسي الذي بات منافساً لمسار جنيف الذي خُول للمبعوث الدولي العمل بموجبه. وبات العمل يرمي إلى إطلاق «عملية سياسية» وتطبيق القرار 2254 المنبثق من قطار سياسي قادته روسيا في فيينا في نهاية 2015، مع تقديم دي ميستورا استقالته وتسلم بيدرسون نهاية 2018، برز تطوران سيتركان أثرهما على مهمة بيدرسون: الأول، قرار ترمب الانسحاب. وتستهدف جولتا مستشار الأمن القومي جون بولتون إلى إسرائيل وتركيا ووزير الخارجية مايك بومبيو الوصول إلى ترتيبات وجدول زمني للانسحاب، بحيث لا يؤثر الانسحاب، حسب قناعة واشنطن، على أهداف أميركا الثلاثة: هزيمة «داعش» وعدم عودته، إضعاف النفوذ الإيراني، الدفع نحو حل سياسي. وهنا تطرح سيناريوهات عدة وتفاهمات محتملة بين روسيا وأميركا ودور تركي، بحيث لا يدفع الأكراد السوريون ثمن الانسحاب، وتبقى قاعدة التنف الأميركية في الزاوية السورية – العراقية – الأردنية «مراقباً» لنفوذ إيران، حسب مسؤول غربي.
الثاني، التطبيع مع دمشق. إذ إن الاتجاه العام هو لإعادة العلاقات، لكن الدول العربية منقسمة إزاء قرار رفع قرار الجامعة العربية تجميد عضوية دمشق في نوفمبر (تشرين الثاني) 2011، وقال دبلوماسيون لـ«الشرق الأوسط» إن اجتماع المندوبين للجامعة في القاهرة غداً لن يبحث موضوع تجميد عضوية دمشق، بل الإعداد للقمة العربية – الأوروبية المقررة في بروكسل في فبراير (شباط) المقبل. وأشاروا إلى وجود أربع كتل بين الدول العربية: الأولى، تضم 10 دول بينها الجزائر وتونس، وهي تريد «المبادرة» لرفع تجميد العضوية. الثانية، تضم 4 دول، بينها مصر، وهي مع عودة العضوية لكنها لن تبادر لتبني القرار. الثالثة، 3 دول بينها المغرب وتتحفظ بقوة على القرار.
الرابعة، تضم باقي الدول التي ستسير مع الاتجاه العام.
وقام الرئيس السوداني عمر البشير بزيارة دمشق نهاية العام ليكون أول زعيم عربي يقوم بهذه الزيارة منذ بداية الحرب. كما يصل الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز إلى العاصمة السورية بعد أيام، وسط توقعات بقيام زعيم عربي آخر بزيارتها.
عليه، فإن قرار المجلس الوزاري العربي رحل إلى ما بعد القمة الاقتصادية في بيروت، بحيث تكتمل الصورة في القمة العربية المقررة في تونس في مارس (آذار) المقبل، ما لم تحصل مفاجأة عربية. ولا شك أن نتائج قرار ترمب الانسحاب وجولتي بولتون وبومبيو ستترك أثراً في ذلك، مع العلم أن واشنطن أعلنت أنها ضد قرار رفع التجميد، كما أنها أبلغت دولاً عربية رفض استعجال فتح سفارات لأنها تريد «الإبقاء على عزلة» دمشق، وواشنطن وبروكسل بصدد فرض عقوبات على شخصيات سورية مقربة من دمشق.
أمام هذا الواقع، وصل بيدرسون إلى مكاتب الأمم المتحدة في جنيف ليتسلم ملفات تركها خلفه دي ميستورا للإعداد للمرحلة. هو كان تسلم محل دي ميستورا في 2005 كموفد للأمم المتحدة في جنوب لبنان، قبل أن يصبح المنسق الخاص للبنان بين 2007 و2008.
وبيدرسون دبلوماسي مخضرم، شارك في 1993 ضمن الفريق النرويجي في المفاوضات السريّة التي أفضت للتوقيع على اتفاقيّات أوسلو. وأمضى سنوات عدة ممثّلاً لبلاده لدى السلطة الفلسطينية. وكان سفير النرويج لدى الصين، وسبق أن كان سفيراً لبلاده في الأمم المتحدة. وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في رسالة تعيينه إن «بيدرسون سيدعم الأطراف السورية عبر تسهيل التوصّل لحلّ سياسي شامل وجدير بالثقّة يحقّق تطلّعات الشعب السوري».
وكان بيدرسون قال لمحطة «إن آر كيه» النرويجية إن «الصراع السوري مستمر منذ سنوات طويلة جداً، وإذا ما كان باستطاعتي المساهمة في إنهاء الصراع، عليَّ أن أقول: نعم، لمثل هذا التحدي». وأشار إلى الحاجة للحصول على دعم من مجلس الأمن الدولي والقوى الإقليمية «والأهم من ذلك، إجراء حوار جيد مع الأطراف السورية حتى تكون لدينا عملية ذات مصداقية وشاملة».
وإذ يرى بيدرسون أن تكليفه جاء «بسبب خبرتي في الشرق الأوسط»، يطرح السؤال: هل سيواصل جهود تشكيل اللجنة الدستورية، أم أنه سيتبع أسلوباً جديداً؟
كان دي ميستورا أقر في آخر إفاداته أمام مجلس الأمن في 20 من شهر الماضي بأنه فشل في تشكيل لجنة مكلفة صوغ دستور جديد لسوريا. وقال: «كدنا ننهي العمل لتشكيل» لجنة، «ولكن ينبغي القيام بالمزيد»، لافتاً إلى مشكلات مع قائمة أسماء طرحتها دمشق.
حسب خطة الأمم المتحدة، على اللجنة الدستورية أن تضم 150 شخصاً: 50 يختارهم النظام و50 المعارضة و50 الموفد الأممي. ورفضت دمشق اللائحة الأخيرة واقترحت مؤخراً بدعم من روسيا وإيران وتركيا «تغيير 17 اسماً». ورفضت الأمم المتحدة هذه اللائحة التي تخل بتوازن اللجنة، على حد قولها. وقال المصدر ذاته إن الأمم المتحدة تقبل «تغيير ستة أشخاص».
وفي 18 من الشهر الماضي، رفض دي ميستورا خلال اجتماع مع وزراء خارجية روسيا وإيران وتركيا عرضاً حول اللجنة الدستورية، الأمر الذي أثار امتعاض وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف. لكن موسكو تعتقد أن هذا الفشل الروسي أدى إلى «نجاح مفاده أن المسار الوحيد المطروح هو الإصلاح الدستوري» الذي اقترحه مؤتمر سوتشي بداية العام الماضي برعاية ضامني مسار آستانة.
وإذ تراهن موسكو على مسار آستانة – سوتشي، تراهن دول غربية على فتح مسارات أخرى للحل السياسي، تتعلق ببحث السلال الأخرى المتعلقة بـ«الانتقال السياسي» والانتخابات بالتوازي مع المسار الدستوري.
المصدر: الشرق الأوسط