بين النصرة وكوباني

62

00

 

 

سمير العيطة

ما يجري في سوريا ليس حرباً تقليديّة، بل حرب فوضويّةً عبثيّة. إنّ انتقال الصراع في صيف 2012 إلى حربٍ نوعاً ما منظّمة، لم يفـض في الواقع سوى إلى تدمير حلب التاريخيّة وغيرهـا من المـدن. كما أدّى إلى استعصاء جديد عسكريّ وسياسيّ في الوضع السوريّ العام. هذا الاستعـصاء كان وراء فشل مشروع «المجلس الوطني السوريّ» موضوعيّاً واستبداله «بالائتلاف»، الذي تزامن إنشاؤه مع إطلاق العنان للمتطرّفين كي تصبح سوريا أرض جهادهم. وتمّت تغطية الأمر حينها من قبل بعض الدول «الديموقراطيّة» بأنّ حرب سوريا قد أضحت بمثابة «حرب إسبانيا» هذا العصر، من دون أخذ العبرة ممّا أنتجته ذات السياسات في ليبيا.
هكذا وقعت الدول المناهضة للسلطة في سوريا في الفخّ التي نصبته هذه الأخيرة، ثمّ تعاظـمت كرة الثـلج المتطرّفة تنظيميّاً وفكريّاً حتّى أضحـت صاحـبة الكلمة الأولى بين القوى العسكريّة على الأرض. أكانت «داعش» أم «جبهة النصرة» أم غير ذلك. وانخرطت السلطة في مهادنة داعش كما انخرطت معارضة الائتلاف في مهادنة «النصرة». لتزيد من تضخّم كرة الثلج المتطرّفة. وبالنتيجة غدت «داعش» «دولة» وواقعاً قائماً يحتاج لتحالفٍ دوليّ يعدنا بسنوات طويلة من أجل القضاء عليه في سوريا والعراق.
فرح من فرح بانخراط الولايات المتحدة مباشرة في الصراع العسكريّ في سوريا. إلاّ انّ المبتهجين لم يسألوا أنفسهم عن هدف هذا الانخراط: أهو إعادة ترتيب خريطة المنطقة لما بعد سايكس – بيكو؟ أم على العكس، ضبط حلفائها الإقليميين الذين عاثوا في أرضي العراق وسوريا فساداً؟ أو ربّما الهدفان معاً؟ هذا في حين يستطيع أيّ متابع للتطوّرات في السنوات الثلاث المنصرمة أن يلحظ المرّات العديدة التي واجهت فيها الولايات المتحدة بالتحديد طموحات حلفائها قبل القوى التي توضع في خانة المناهضة لها. وقد أضحى واضحاً أنّ هذه الطموحات باتت تشكّل مخاطر على هؤلاء الحلفاء ذاتهم، عبر تطوّر «داعش» بالنسبة لدول الخليج، وتفجّر القضيّة الكرديّة بالنسبة لتركيا.
يبقى أنّ هناك جماهير سوريّة أمطرت السلطة القائمة مدنها وقراها بالبراميل، وجماهير عراقيّة تعامل معها جيـش العـراق لما بعـد الاحـتلال بمـا لا يليق والحـفاظ عـلى وحـدة شـعب العـراق. وكـلّ هذه الجماهير أضحت تشعر بالظلـم، بأنّ قادتـها المدنيين خذلوها وأنّ «داعش» وسـواها ثـأروا لظلمها. تلك الجماهير أضحـت تتعاطـف مع «داعش» أو على الأقلّ تحلم أنّ إحدى الدول الإقليميّة ستأتي بجيوشها البريّة في مرحلة ما لترفع عنها الظلم. ومن هنا أتت المناداة بالمناطق الآمنة وبالتدخّلات الخارجيّة.
لكنّ الولايات المتحدة، كما الدول الإقليميّة، تعرف جيّداً أنّ هذه المنطقة من الشرق في غاية التعقيد، وأنّ التحالفات فيها آنيّة بالضرورة، وأنّ من يضع إصبعه فيها من دون دراية يحرقها، فما بالك عندما يدخلها بأحذيته؟ المطلوب إذاً قبل كلّ شيء، وبعد كلّ شيء، هو تخليص هذه الجماهير من مشاعر الظلم التي تعاني منها.
وفي الحالة السوريّة أيضاً، هناك مفترق طرق حساس هو «جبهة النصرة» التي طالما غازلها «الائتلاف» وتنظيمات معارضة مقاتلة، خصوصاً أن أغلب عناصرها سوريّون وأنّها القوّة الضاربة الأكفأ والأشرس في مواجهة القوّات الحكوميّة. وكان للقصف الأميركي عليها، بحجّة ضرب تنظيم «خراسان» الذي ينضوي تحت لوائها، وقع كبير. أهمّ تداعياته كان خلق قطيعة بين الجماهير الشعبيّة المعارضة والائتلاف، وفقدان هذا الأخير آليّته الأساسيّة، أي المزايدة دوماً على الجماهير. في الوقت نفسه، برز التضامن بين «داعش» و«النصرة» واضحاً، خصوصاً في القلمون. أمّا مفترق الطرق الآخر الحسّاس فهو مدينة عين العرب، كوباني، التي تودّ «داعش» الهيمنة عليها اليوم في مواجهة حزب «الاتحاد الديموقراطي الكردي» وقوّاته العسكريّة. هذا الحزب الذي طالما تمّ اتهامه بالتحالف مع السلطة في سوريا.
ويكمن مفترق الطرق الحقيقي بأنّ الولايات المتحدة لن تساعد لا عسكريّاً ولا سياسيّاً تنظيمات تتحالف مع «النصرة»، وأنّ أكراد عين العرب، كوباني، سوريّون يجب أن يقف بقيّة السوريّين، وليس الأكراد وحدهم، للدفاع عنها.