تجدد القصف على دوما في الغوطة الشرقية يوقع المزيد من القتلى المدنيين
استهدفت غارات السبت مدينة دوما، آخر جيب للفصائل المعارضة في الغوطة الشرقية، موقعة المزيد من القتلى غداة استئناف الجيش السوري هجومه للضغط على المقاتلين للانسحاب، ليستعيد بالنتيجة كافة المنطقة الواقعة قرب دمشق.
وأسفر استئناف التصعيد العسكري منذ الجمعة عن مقتل عشرات المدنيين جراء الغارات على دوما فضلاً عن قذائف المقاتلين المعارضين التي استهدفت دمشق.
وأثر عملية عسكرية جوية وبرية واتفاقي إجلاء مقاتلين من الغوطة الشرقية التي بقيت لسنوات معقل الفصائل المعارضة الأبرز قرب دمشق، تمكنت قوات النظام من السيطرة على 95 في المئة من المنطقة.
وبقيت دوما وحدها تحت سيطرة فصيل جيش الاسلام الذي دخل في مفاوضات مع موسكو نأت بالمدينة عن التصعيد العسكري خلال الأيام العشر الماضية.
وبرغم إعلان موسكو عن “اتفاق مبدئي” لإجلاء مقاتلي جيش الاسلام من دون أن يؤكده الأخير، ثم تطبيق جزء بسيط منه بداية الاسبوع، استمرت المفاوضات في محاولة من كلا الطرفين لفرض المزيد من الشروط.
وسرعان ما تعثر الاتفاق وتعرقلت المفاوضات، واستأنفت قوات النظام الجمعة هجومها البري والجوي على دوما ودخلت منطقة المزراع المحاذية لها، واستهدفت المدينة بعشرات الغارات موقعة 40 قتيلاً مدنياً، وفق ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وأسفر تجدد الغارات السبت عن مقتل ثمانية مدنيين، بحسب المرصد الذي لم يتمكن من تحديد ما اذا كانت الطائرات التي شنتها روسية أو سورية.
وتستمر الاشتباكات السبت في منطقة المزارع، في محاولة من قبل قوات النظام لـ”تضييق الخناق على دوما من الجهات الشرقية والجنوبية والغربية” وفق مدير المرصد رامي عبد الرحمن.
وقال محمد، أحد الأطباء في دوما، إن “وتيرة القصف على حالها من دون توقف”، مضيفاً “لم نتمكن حتى الآن من احصاء عدد الجرحى، البعض منهم استشهد لأنه لم يأته الدور في غرفة العمليات”.
وبث التلفزيون الرسمي السوري مشاهد مباشرة للغارات على دوما أظهرت أعمدة الدخان تتصاعد من المدينة المدمرة.
وفي دمشق، سمع مراسل فرانس برس السبت دوي مدفعية، كما لاحظ تحليق كثيف للطيران الحربي.
– “دوما نهاية الحكاية” –
ووصلت تداعيات التصعيد إلى دمشق، حيث أفادت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) عن مقتل ستة مدنيين وإصابة العشرات بجروح جراء قذائف اطلقتها فصيل جيش الإسلام مستهدفاً أحياء عدة.
وقتل الجمعة أربعة مدنيين جراء القذائف على دمشق، وفق سانا.
وفي مشاهد بثها التلفزيون الرسمي من أحدى مستشفيات دمشق ظهرت أمرأة تبكي فوق جثة رجل ممدة على سرير، فيما قالت أخرى أنها كانت في سيارة الأجرة حين بدأ القصف فصدمت السيارة الحائط أمامها.
انتقل عباس (57 عاماً)، الموظف المتقاعد، من منزله في غرب دمشق إلى حي آخر بعدما تعرضت المنطقة التي يقطنها السبت للقذائف.
وقال عباس لفرانس برس “يبدو أن دوما نهاية الحكاية، والنهايات دائماً تكون صعبة”، مضيفاً “أنتظر نهاية المسلحين في دوما لكي يعيش الناس بهدوء ننتظره منذ سنوات، سواء في الغوطة أو في دمشق”.
وإثر هجوم جوي عنيف بدأته في 18 شباط/فبراير وترافق لاحقا مع عملية برية متسببا بمقتل أكثر من 1600 مدني، ضيّقت القوات الحكومية تدريجياً على الفصائل المعارضة، وقسّمت الغوطة الشرقية إلى ثلاثة جيوب.
وبعدما ازداد الضغط عليهما، وافق فصيلا حركة أحرار الشام وفيلق الرحمن على اجلاء مقاتليهما من جيبي حرستا وجنوب الغوطة بموجب اتفاقين منفصلين مع روسيا. وخرج الشهر الماضي 46 ألفاً من مقاتلي الفصيلين ومدنيين إلى شمال غرب سوريا.
وبالإضافة الى الإجلاء، فرّ عشرات آلاف المدنيين خلال الاسابيع الماضية الى مناطق خاضعة لسيطرة الحكومة عبر ممرات آمنة حددتها قوات روسية وسورية.
– فشل المفاوضات –
إلا أن فصيل جيش الإسلام بدا أكثر تعنتاً، وكان قياديون صرحوا مراراً برفضهم سياسة الإجلاء.
وفي اطار المفاوضات، أعلنت روسيا عن اتفاق “مبدئي” لإجلاء مقاتلي جيش الإسلام من دوما. وبدأ تنفيذه فعلياً الاثنين الماضي من دون أن يصدر عن الفصيل المعارض أي تعليق.
خلال ثلاثة أيام، جرى إجلاء نحو ثلاثة ألاف مقاتل ومدني من مدينة دوما إلى مناطق واقعة تحت سيطرة فصائل سورية موالية لأنقرة في شمال البلاد.
وبرغم ذلك، استمرت المفاوضات في ظل انقسامات في صفوف جيش الإسلام، وفق مراقبين، بين جهة تؤيد الاتفاق وأخرى مصرة على البقاء.
وكان النظام السوري وروسيا هددا باستئاف العملية العسكرية ضد جيش الاسلام في حال لم يوافق على الإجلاء.
ولم يتضح بعد سبب انهيار المفاوضات هذا الأسبوع.
وبرغم التصعيد الأخير، أفاد المرصد السوري أن خطوط الاتصال لم تنقطع بين الطرفين.
واتهمت سانا بدورها جيش الإسلام بـ”عرقلة الاتفاق القاضي بإخراهم من مدينة دوما” عبر رفضه إطلاق سراح معتقلين لديه، مشيرة إلى أن العملية العسكرية لن تتوقف حتى يتم الإفراج عنهم.
وفي المقابل، قال القيادي في جيش الإسلام محمد علوش الجمعة على حسابه على تويتر أن فشل المفاوضات يعود إلى “صراعات” بين الدول الداعمة لدمشق بعدما كانت “تسير بمنحى إيجابي”.
ولفت نوار أوليفر، الباحث في مركز عمران للدراسات، إلى أن جيش الإسلام يتعرض لـ”ضغوط قصوى”.
وقال لفرانس برس “المفاوضات فشلت والنظام يريد أن تنفذ شروطه. الغارات لمحة عما يمكن أن يحصل اذا لم تطبق هذه الشروط”.
المصدر: swissinfo