تركيا تريد الحوار ودمشق تتأنى.. العين بالعين والبادي أظلم
أمام تواصل الحديث وتواتر التصريحات عن وساطات بين النظامين التركي والسوري بعد حالة القطيعة التي استمرت سنوات منذ بداية دعم أنقرة المعارضة السورية وتشكيلها فصائل مسلحة في الشمال السوري بتعلة حماية أمنها القومي وحدودها، تتمسك المعارضة بموقفها السياسي معتبرة أن الحل لن يكون إلا على معنى القرارات الدولية وأبرزها القرار 2254، مؤكدة أنها لن تسمح لأي طرف كان بالتلاعب بالملف وإضاعة سنوات من النضال في اتجاه إرساء دولة ديمقراطية وحرة بدستور يمثل كل السوريين دون إقصاء.
ومع الحديث عن وساطة روسية للحوار بين أنقرة ودمشق، تزداد خشية المعارضة التي تقيم داخل الأراضي التركية من اقصائها، علما وأنها مؤسسة شرعية معترف بها من قبل الهيئات الدولية ويفترض أن تشارك في أي تفاوض سياسي من أجل إيقاف الانقسام والصراع والمضي نحو الحل.
وعلق الباحث السياسي والكاتب، حسين عمر، في حديث مع المرصد السوري لحقوق الإنسان، عن هذا التقارب المحتمل وفق التصريحات المسربة، معتبرا أن تركيا مستعدة لتهميش دور الائتلاف السوري المعارض للتحقيق مصالحها و ستحافظ على المجموعات المسلحة لتوزيعها على عدة مناطق من العالم وآخرها إرسال المئات منها إلى إقليم كردستان العراق لجزها في معاركها ضد حزب العمال الكردستاني، معتقدا بان استغناء تركيا عن المسلحين غير ممكن، وقد تمنعهم فقط من العمل ضد النظام بشكل كلي.
وتابع” بالواقع تلك المجموعات لا تفعل شيئا ضد النظام بل كل مدافعها موجهة لمناطق الادارة الذاتية”.
وقال عمر إن الحل السياسي بين النظامين التركي وسوريا قد يتحقق ولكن من الصعب التكهن بالزمن الممكن ليرى الحوار بينهما النور. وأضاف”الطرفان لهما مصالح متناقضةط، دمشق تطالب بخروج القوات التركية وهي ليست مستعجلة في تطبيق ذلك، وهي لا تريد لتركيا الانسحاب حتى تعيد علاقاتها الاقليمية والدولية بشكل كامل وتؤمن وعود فرص الإعمار ،وتحقق الانفتاح على العالم اقتصاديا ودبلوماسيا، بعكس أنقرة المستعجلة، بسبب أزماتها الداخلية وما يكلفها الحرب ضد الكرد من استنزاف اقتصادي، لهذا تحاول فتح الطريق البري الذي يربط أوروبا بتركيا وسوريا والأردن والخليج وهذا الخط كان يدر على الميزانية التركية الملايين من الدولارات بل المليارات منها، كذلك حلم الرئيس التركي بإفشال مشروع الادارة الذاتية الذي بات بارقة الأمل للشعب الكردي في تركيا ويطمن أكراده لتطبيق المشروع في المناطق الكردية -التركية- ”
ولفت إلى خشية النظام التركي من الكرد حيث يعتبرهم خطرا على وجوده واستمراره، ويسعى منذ سنوات بمعية فصائله المسلحة على ارتكاب الجرائم وقضم مناطق الإدارة ومحو المشروع من الوجود.
واعتبر الباحث السوري أن هذه العوامل تدفع أنقرة إلى تقديم التنازلات للنظام السوري للجلوس إلى طاولة الحوار وتقبل الشروط.
وتابع” القضاء على الشعب الكردي ومنجزاته على رأس أجندات تركيا وخاصة اذا كانت دمشق هي الطرف المقابل، الاكراد أسسوا مشروعا ديمقراطيا بالشراكة مع العرب والسريان والتركمان عبر إدارة تدير شؤونهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لهذا لن تتوانى تركيا عن عمل أي شيء في سبيل القضاء عليه حتى لو صلى أردوغان خلف بشار الاسد في الجامع الاموي كما وعد سابقا”. .
وخلص إلى القول ” باختصار طريق المصالحة لازال محفوفا بالاشواك ودمشق تتأنى لا بل تحاول أن لا تدخل في مفاوضات مباشرة الآن “.
بدوره علق، الدكتور سلامة درويش، الأمين العام لحزب اليسار الديمقراطي السوري ، في حديث مع المرصد السوري لحقوق الإنسان، عن التقارب المحتمل معتبرا أنه بعد تصريحات أردوغان وتوجيه دعوة للقاء النظام السوري والحوار معه بأمور تهم البلدين وقوبلت دعوته بالجمود وعدم الرد من الجانب السوري، تكررت الدعوة من قبل تركيا وقد تتحقق خاصة مع هذا الإصرار الروسي غير المسبوق.
وأضاف أنه بعد تصريحات وزارة الخارجية السورية بأن اللقاء يجب أن يكون بالعودة إلى ما قبل 2011 أي بانسحاب تركي وعدم دعم الارهاب المتمثل وفق دمشق بالمعارضة لم تسجل أنقرة رفض للفكرة، مذكرا بتصريح الأسد الذي قال حرفيا ” إذا اللقاء بالحضن وتبويس اللحى يُحقق مصلحة البلد سنقوم به ولكن المهم مضمون اللقاء، نحن منفتحون على المبادرة”، مؤكدا أن هذا التصريح يعتبر موافقة علنية لكن بشرط محاربة المجموعات الإرهابية التي تشكل خطر على أمن البلدين.
وأشار درويش الى أن روسيا وضعت كل ثقلها من أجل تحقيق ذلك المشروع لتتفرغ لحربها في أوكرانيا وقد يتحقق اللقاء برغم بعض الصعوبات، “الجانب التركي يريد ذلك اقتصاديا للعبور إلى الأسواق الخليجية، والثاني أمني للقضاء على ال pkk, وحليفه الـ pyd مع فرض منطقة آمنة للاتراك ضمن الأراضي السورية، وضمن هذا الوضع لا أعتقد النظام يرفض ذلك، لكن ماذا يقدم النظام للأتراك غير الموافقة؟ وخاصة الوضع الاقتصادي السيء،
إلى اليوم الأمور لم تصل إلى نهاية القطيعة وبدء اللقاء كلها مساع ودعوات، وتريد تركيا حل بعض المسائل مع النظام وضمان أمن حدودها وعودة اللاجئين، بالمقابل هناك أمور صعب تنفيذها مباشرة، كالمجموعات المسلحة التي تدعمها تركيا بالشمال، وفي حال نفذت شرط الانسحاب سيعود القتال ويشكل خطر على النظاميين، لذلك ستكون توافقات عسكرية بين الطرفين تنفذها سلطات الأمر الواقع مع جيش النظام”.
واردف” لا ننسى وجود السلاح مع قسد وحزب العمال وخطر القضاء على مشروع الإدارة الذاتية في شرق الفرات الذي قد يقضي على حلمهم المرفوض داخليا وخارجيا ، ،لذلك سيدفعهم هذا إلى الارتماء في حضن النظام أكثر رغم أن النظام مطلبه بات واضحا وهو حل قسد وسحب السلاح والعودة لحضن الوطن”.
وعن مدى رضا ايران بهذا المخطط للتصالح التركي والسوري، أفاد بأنه اذا نجحت الوساطة الروسية ستكون إيران الخاسر الأكبر نظرا لضخامة مصالحها بسوريا وخسائرها الكبيرة وبالتالي إذا شعرت بالتلاعب ستقلب الطاولة على الجميع في سوريا وأولهم الأسد.
وعن المعارضة التي تدعمها تركيا، لفت إلى تصريح وزير الخارجية التركي سابقا والذي مفاده بأن المعارضة السورية لها رؤيتها الخاصة والحوار مع النظام يعود لها، ولكن تركيا لن تتخلى عنها ولديهما تضحيات مشتركة، معتقدا أن هذا التصريح لايقبله النظام، وقد تطالب تركيا بتطبيق القرار الأممي 2254 وهذا القرار بمثابة إنهاء حكم عائلة الأسد،” لذلك إذا حصل اللقاء ستكون المسافة بعيدة بين الطرفين للعودة إلى ما قبل 2011 إلى جانب ملف اللاجئين والتنظيمات المتطرفة على حدود الدولتين، اللاعبون كثر وسيحاولون إفساد كل شيء”.
ويرى الباحث السوري، باسل الكويفي، في حديث مع المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن التقارب بين تركيا وسورية من مفاعلات الحل السياسي في سورية ، بعد أن كان التباعد والتناحر هو من أسباب الحرب في سورية، مؤكدا أن الحل السياسي المطلوب والمتوافق عليه دولياً واقليمياً هو وفق القرار الاممي 2254 الذي لازال الوحيد القابل للوصول إلى حلول للمسألة السورية ولكن عوامل التغييرات الاقليمية والدولية قد تنتج سياسات من روح القرار ولكن بطعم سوري قابل للتنفيذ.
وأفاد بأن أحد أسباب سياسات المد والجزر في التقارب بين تركيا وسورية بالرغم من الوساطة الروسية هو المعارضة السورية التي تتخذ من اسطنبول مركزاً وداعماً اساسياً لها ” “ولكن علينا هنا التمييز بين المعارضة السورية السياسية و الدور العسكري للفصائل المعارضة التي تتواجد على الأرض السورية وبدعم وتواجد تركي مباشر ( شمال غربي سورية ومناطق عمليتي درع الفرات وغصن الزيتون )، وكذلك الفصائل الكردية المسلحة وقسد المناوئة لتركيا والمتواجدة في الشمال الشرقي من سورية ومناطق كانت تحت سيطرتها قبل عمليتي درع الفرات وغصن الزيتون “.
وتابع” علينا ألا ننسى غرفة ”الموم” وهي تسمية لغرفة عمليات عسكرية ـ أمنية واحدة باشراف عدد من القوى الاقليمية والدولية الفاعلة في الملف السوري بقيادة أمريكية نشأت منذ النصف الثاني من عام 2013 وتطورت لغاية انتهاء مهامها 2018
والتي تمتلك بنك و قواعد معلومات ميدانية هدفها إدارة وضبط العمليات العسكرية حسب التطورات الميدانية و السياسية إلى جانب تأمين أنواع وكميات محددة من الدعم العسكري واللوجستي والمالي وضبط وتدريب بعض الفصائل المقاتلة التي اصطلحت تسميتها “الفصائل المعتدلة” أي الفصائل التي تقبل وتلتزم بالشروط التي تفرضها أجندة وسياسات الدول الراعية والداعمة وتحقيق التوازن المطلوب”.
وأكد أن الأطلسية بدأت تفقد ثقتها بأوربا والغرب وبعض دول حلف الناتو فهي بوابة أوروبا على الشرق وبالعكس وسورية بوابتها الجنوبية الى الخليج العربي ، ولربما إنطلاقا من هذه الحقيقة الجغرافية والتاريخية والسياسية وحجم المصالح الكبيرة بين موسكو وأنقرة ودول الخليج ، قد تكون الدافع الرئيس لإعادة التطبيع بين سورية وتركيا لا سيما أن سورية عادت الى الجامعة العربية وبدأت السفارات المغلقة بفتح أبوابها .
وأوضح أن الشروط السورية في التطبيع مع تركيا من حقوق السيادة وهي الانسحاب التركي من الاراضي السورية وقد يكون بداية المسار جدولة الانسحاب بضمان روسي ، وستشهد سوريا قريباً فتح الطريق الدولي M4 ، وتطبيق الاتفاقيات الموقعة بين سورية وتركيا قبل عام 2000 بخصوص المنطقة الحدودية ، وضمان مكافحة الإرهاب .
وقال الكويفي إن الحفاظ على الأمن القومي للبلدين بحاجة الى مراجعة شاملة مع الإصرار التركي على عدم تواجد ” قسد والفصائل الكردية المسلحة ” في المناطق الحدودية ، في ظل تعثر المفاوضات بين الحكومة السورية والادارة الذاتية شمال شرق سورية ، بما يوحي أن القادم هو خيارات الزامية للأطراف للتسوية وبما يحقق الاستقرار وعودة الجيش السوري إلى الحدود الشمالية ، في نفس الوقت الذي تخشى فيه تركيا من فوضى بالمناطق التي تسيطر عليها في الاراضي السورية، وهذا يتطلب نقل وسحب هذه الفصائل أو تسوية أوضاعها بعيداً عن سيناريوهات التصرف والتسلط.
وأردف أنه اتضح من استعصاء الحسم أن الأطراف الإقليمية الفاعلة وصلت إلى الإقرار بالقدرة على الشراكة واستحالة وقوع هزيمة
وبالتالي يعتقد أن المعارضة السورية اليوم ، عليها العمل على تجاوز الماضي وشعاراته ، والتحول الى كيانات سياسية حوارية تشاركية تحقق المصلحة السورية في عودة الاستقرار والسلام الى سورية والمشاركة في بناء سورية المستقبل وطناً لكل ابناءها في هذه المرحلة الهامة بتاريخ سوريا والمنطقة.