تركيا تعيد السوريين عند الحدود الإغلاق يضع اللاجئين تحت رحمة المهربين

40
 

(إسطنبول) – قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إن تركيا أغلقت فعليا حدودها في وجه طالبي اللجوء السوريين وإنها تُعيد السوريين الذين يحاولون عبور الحدود دون تدقيق. وصف سوريون كيف اعترضهم حرس الحدود الأتراك لدى الحدود وبالقرب منها، وكيف ضربوهم في بعض الحالات وأعادوهم برفقة عشرات غيرهم إلى سوريا، وكيف تم احتجاز بعضهم ثم طردهم بإجراءات موجزة مع مئات غيرهم.

أثناء النصف الثاني من أكتوبر/تشرين الأول، قابلت هيومن رايتس ووتش 51 شخصا سوريا في تركيا كانوا قد فروا من الغارات الجوية وأعمال العنف الأخرى في سوريا. قالوا جميعا إنه من المعروف في أوساط السوريين أنهم لا يمكنهم دخول تركيا إلا بمساعدة مهربين. وصفوا رجالا ونساء وأطفالا خائفين يحاولون العبور زاحفين إلى تركيا عن طريق معابر للمهربين في مناطق منحدرة ليلا، لساعات، والرصاص يتطاير من حولهم.

قال جيري سمبسون، باحث أول معني باللاجئين في هيومن رايتس ووتش: “يُجبر إغلاق تركيا الحدود الحوامل والأطفال والمسنين والمرضى والمصابين على تحمل قسوة مسؤولي الحدود الأتراك للفرار من فظائع الحرب السورية. استضافت تركيا السوريين بكل سخاء، ومن حقها أن تراقب حدودها بدقة لأسباب أمنية، لكن عليها ألا تُجبر طالبي اللجوء على العودة لمنطقة حرب”.

حتى أواسط نوفمبر/تشرين الثاني سجلت تركيا نحو 2.2 مليون سوري، يعيش نحو 250 ألفا منهم في 25 مخيما تحت إشراف السلطات التركية. في سبتمبر/أيلول قالت تركيا إنها أنفقت منذ عام 2011 نحو 7.6 مليار دولار أمريكي على مساعدة اللاجئين السوريين. قالت هيومن رايتس ووتش إن تركيا تستحق الإشادة والدعم على استضافتها هؤلاء اللاجئين لكنها مُلتزمة بإبقاء حدودها مفتوحة أمام طالبي اللجوء.

أغلقت تركيا أخر معبرين حدوديين رسميين لها في وجه جميع السوريين تقريبا في مطلع مارس/آذار، ولم تسمح إلا لبعض أصحاب الاحتياجات الطبية الحرجة بالعبور. استمرت السوريون في بلوغ تركيا من خلال طرق التهريب. لكن بحسب مصادر في جنوب تركيا على اطلاع واسع بالمناطق الحدودية، كثفت تركيا التدابير الامنية لدى نقاط العبور غير الرسمية أيضا منذ هجوم في 20 يوليو/تموز على بلدة سوروج الحدودية التركية.

قال العديد ممن قابلتهم هيومن رايتس ووتش إن الغارات الجوية الروسية-السورية المكثفة في حلب وإدلب منذ سبتمبر/أيلول اضطرتهم أخيرا لمغادرة سوريا. كما وصفوا حالة من الفقر المدقع، وانقطاع الكهرباء أو المياه النظيفة، ومحدودية المساعدات الإنسانية وتدهور الرعاية الطبية بسبب نقص العاملين المؤهلين وكثرة الحالات التي تُغرق المرافق الطبية.

منذ تكثيف إنفاذ الإجراءات الرسمية على الحدود، لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من العثور إلا على موقع واحد – إلى الجنوب الشرقي من أنطاكية – يستمر السوريون في العبور منه بأعداد كبيرة برفقة المهربين ليلا. قال جميع من تمت مقابلتهم تقريبا إنه من المعروف – حيث كانوا يسكنون – إن هذه النقطة هي الأرجح أن يعبر منها المرء بنجاح إلى تركيا؛ طبيعة الأرض المنحدرة هناك تُصعّب على السلطات التركية اكتشافهم، وهو الأمر الأسهل في المناطق الحدودية ذات الطبيعة السهلية الممتدة شمالا وشرقا.

قالوا إن المئات – والآلاف في بعض الأيام – من السوريين يتجمعون قرب هذه النقطة يوميا في انتظار العبور ليلا. قال العديدون إنهم اضطروا للانتظار أسبوعا قبل أن يخبرهم المهربون أن بإمكانهم محاولة العبور بأمان.

قال متحدثون إن الحشود كانت تتفرق كلما سمعت حرس الحدود يطلقون النار، ما أدى إلى انفصال الأقارب عن بعضهم البعض، بما في ذلك انفصال أطفال عن أهاليهم. كما وصفوا صعوبة العبور في تلك المنطقة المنحدرة في الظلام. في بعض الحالات سقط مسنّون على المنحدرات القاسية. قالت امرأة إنها رأت رجلا مسنا يحتضر بعد أن سقط على المنحدر. استعانت بعض الجماعات بحجاب النساء في صُنع حبال لرفع النساء والأطفال على تلال شديدة الانحدار. قال متحدثون إنهم نصحوا أقاربهم الضعفاء بالبقاء في سوريا لأن العبور سيكون صعبا للغاية عليهم.

قال جيري سمبسون: “الإرهاق التام واليأس البالغ الذي تكابده العائلات السورية للفرار بحياتها، والهرولة والركض والتعثر حتى بلوغ الملاذ الآمن في الليل عبر الحدود التركية، تراه مكتوبا على وجوههم”. أضاف: “على تركيا ألا تعرّض الهاربين من الحرب لمثل هذه المشقة”.

صدقت تركيا على الاتفاقية بشأن اللاجئين لعام 1951، لكن مع قيود جغرافية لا تعتبر كلاجئين إلا الهاربين من أوروبا. لكن في ظل القانون الدولي العرفي للاجئين والقانون الدولي لحقوق الإنسان، على تركيا احترام مبدأ عدم الإعادة القسرية، الذي يحظر على الدول إعادة أي شخص إلى مكان يواجه فيه خطر الاضطهاد أو التعذيب أو المعاملة أو العقوبة اللاإنسانية أو المهينة. كما يحظر هذا المبدأ رفض طالبي اللجوء على الحدود، إذا عرّضهم الرفض لهذه التهديدات.

قالت وكالة الأمم المتحدة للاجئين في أحدث مبادئ توجيهيةأصدرتها حول سوريا إن “جميع مناطق الدولة أصبحت في نطاق أحداث العنف” وحثت “جميع الدول على ضمان السماح للهاربين من سوريا – ومنهم اللاجئين الفلسطينيين وغيرهم من المقيمين المعتادين في سوريا – بدخول أراضيها والتمكّن من طلب اللجوء”.

بين 1 يناير/كانون الثاني وأواخر نوفمبر/تشرين الثاني، غادر420 ألف سوري تركيا إلى اليونان بالقوارب، في محاولة لبلوغ الاتحاد الأوروبي. وسط قلق متزايد من الحكومات الأوروبية من معدل توافد اللاجئين إلى أوروبا، يتفاوض الاتحاد الأوروبي على خطة عمل تهدف إلى تقليص تدفق المهاجرين إلى أوروبا. تنص المسودة الأخيرة على أن الاتحاد الأوروبي وتركيا “سوف يوثقان التعاون على منع تدفق المهاجرين بشكل غير نظامي إلى الاتحاد الأوروبي”. أشارتالمسودة الأولى إلى “منع توافد المزيد المهاجرين غير النظاميين على تركيا ومنع مغادرة اللاجئين والمهاجرين بشكل غير نظامي من تركيا إلى الاتحاد الأوروبي”.

يظهر من مفاوضات الاتحاد الأوروبي مع تركيا – بما فيها حزمة مساعدات محتملة بـ 3 مليار يورو وإعفاء المواطنين الأتراك من التأشيرة – أن الاتحاد ربما ما زال يحاول تقديم حوافز للتعاون لوقف تدفق الهجرة. قالت هيومن رايتس ووتش إن على الاتحاد الأوروبي ضمان أن تشمل الخطة النهائية التزاما من السلطات التركية بالسماح للسوريين بطلب اللجوء في تركيا.

على الاتحاد الأوروبي أيضا تقديم دعم مالي سخي وغيره من أشكال الدعم لمساعدة تركيا وحماية السوريين الفارين من النزاع، لكن يجب ألا تكون المساعدة مشروطة بمنع طالبي اللجوء من التماس الحماية.

قال جيري سمبسون: “يحتاج السوريون إلى الحماية، لا الإعادة إلى منطقة الحرب. على تركيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة التعاون عن كثب لضمان قدرة السوريين على الفرار من التهديدات المحدقة بحياتهم والعثور على الحماية التي يستحقونها”.

عند الحدود: الإعادة والعنف وتشتت الأقارب

قابلت هيومن رايتس ووتش 51 سوريا في الأسبوعين الأخيرين من أكتوبر/تشرين الأول في كل من أنطاكية وإسطنبول، تحدثوا عما تعرضوا له أثناء محاولة العبور من سوريا إلى تركيا. كان أغلبهم قد عبروا قبل ساعات – أو أيام – من المقابلة، وكان يظهر عليهم الإرهاق والضعف بعد مراوغتهم حرس الحدود الأتراك لساعات عديدة.

قال 6 أشخاص إنهم أُعيدوا إلى سوريا. قال 3 منهم إن حرس الحدود الأتراك اعترضوهم فور عبورهم الحدود واحتجزوهم في قاعدة عسكرية بالليل ثم أعادوهم إلى سوريا برفقة مئات آخرين. قال 3 إن الحراس أعادوهم فورا إلى الحدود برفقة عشرات غيرهم. قال 4 أشخاص ممن أعيدوا إن حرس الحدود الأتراك ضربوهم.

قال 4 آخرون إنهم شهدوا إعادة حرس الحدود الأتراك للعشرات إلى سوريا، في حين قال 4 آخرون إنهم رأوا العشرات يُعتَرضون فور عبورهم، لكن لم يعرفوا ماذا حدث معهم.

أولئك الذين قالوا إن حرس الحدود أعادوهم إلى سوريا تمكنوا من العبور إلى تركيا مرة أخرى في محاولات لاحقة.

وصف رجل من حماة ما حدث له ولـ 10 آخرين في مجموعته يوم 16 أكتوبر/تشرين الأول:

“حاولنا العبور إلى تركيا بعد حلول الظلام مباشرة، لكن بعد عبورنا الحاجز الحدودي بقليل وجدتنا الشرطة التركية. اقتادونا إلى مجموعة من نحو 50 سوريا آخرين قبضوا عليهم قبلنا. ثم أخذونا إلى قاعدة عسكرية على تل يبعد 20 دقيقة سيرا على الأقدام. كان فيه نحو 200 سوري آخرين بينهم الكثير من النساء والأطفال. قال لنا بعضهم إنهم أُوقفوا وهم يحاولون عبور الحدود بدورهم. سجلوا أسماءنا جميعا وتحفظوا علينا طوال الليل. في الصباح التالي أخذونا جميعا – نحو 250 شخصا – إلى الحدود وأمرونا  أن نعود إلى سوريا”.

تحدثت هيومن رايتس ووتش إلى سوريين أعيدوا إلى سوريا بين أغسطس/آب وأكتوبر/تشرين الأول قُرب معبريّ باب الهوى وباب السلامة الحدوديين التركيين. حاول رجلٌ العبور بأسرته ونحو 20 سوريا آخرين قرب باب الهوى في 10 أكتوبر/تشرين الأول أو نحوه، لكن على حد قوله اعترض حرس الحدود الأتراك مجموعته، وضربوه وضربوا بعض الرجال الآخرين على الرأس والجذع، ثم أخذوهم إلى قاعدة عسكرية قريبة وأعادوهم إلى سوريا.

قال رجل آخر حاول العبور قرب معبر باب السلامة أواسط أغسطس/آب إن حرس الحدود الأتراك اعترضوا مجموعته المكونة من 20 فردا وهم يعبرون إلى تركيا وأعادوهم عبر السلك الشائك إلى سوريا.

قال 4 أشخاص إن حرس الحدود الأتراك ضربوهم بعد اعتراضهم بقليل، ثم أعادوهم إلى سوريا.

قال رجل من درعا عبر إلى تركيا في 17 أكتوبر/تشرين الأول:

“عبرت إلى تركيا في ساعة متأخرة من الليل مع مهرّب ومجموعة من حوالي 20 شخصا. سرنا نحو نصف الساعة وتوقفنا عدة مرات، كلما سمعنا أعيرة نارية. ثم سمعنا صياحا بالتركية وإطلاق نار قربنا، ففزعنا جميعا وركضنا في مختلف الاتجاهات. لم أتمكن من الجري لأنني كنت أساعد رجلا أصيب أثناء غارة جوية في سوريا ولم يتمكن من الفرار. قبضت الشرطة على أغلبنا. ضربني أحد الحراس على مؤخرة رأسي وضلوعي بكعب بندقيته فسقطت وبدأت أنزف. ثم ركلني حارس آخر على رأسي وحطم نظارتي. شعرت بألم شديد لدرجة أنني تقيأت. لا أعرف لماذا هاجموني. ربما حسبوني مهربا؟ ثم أعادونا إلى الحدود ووجهوا بنادقهم نحونا وصاحوا فينا بالتركية. عبرنا عائدين إلى سوريا”.

قال 3 أشخاص إنهم انفصلوا عن أقاربهم أثناء العبور، عندما تفرقت المجموعة إبان سماع أعيرة نارية على مسافة قريبة.

قالت امرأة سورية من درعا تبلغ من العمر 34 عاما، عبرت إلى تركيا في 15 أكتوبر/تشرين الأول، إنها أمضت الأسابيع الثلاثة السابقة على الطريق في سوريا مع والدها وزوجها وبناتها الخمس وابنة أختها، حتى بلغوا الحدود التركية. وصفت ما حدث عندما عبرت مجموعتها أخيرا قبل ليلتين من مقابلتها:

“كان مع مجموعتنا 20 شخصا آخرين ومهرب. ثم سمعنا الكثير من الرصاص وتفرقنا وركضنا في مختلف الاتجاهات. فقدت زوجي و5 من أطفالي ولا أعرف أين هم الآن. بقي معي أبي وابنة أختي، وسرنا لساعات عديدة حتى بلغنا قرية تركية. آخرون في مجموعتي فقدوا أقاربهم أيضا، ولا نعرف كيف نعثر عليهم”.

زارت هيومن رايتس ووتش الجانب التركي من الحدود، حيث يعبر الناس. تقع أقرب قرية سورية على مسافة كيلومترات قليلة. لكن قال سوريون عبروا الحدود إن المهربين داروا بهم حول المناطق المأهولة لنحو 12 ساعة، لتفادي حرس الحدود الأتراك. وصف العديدون المشقة التي كابدها المسنون والحوامل والأطفال الصغار والذين أصيبوا في سوريا وهم يعبرون الأراضي المنحدرة في الظلام. قال شخصان إن رجالا مسنين سقطوا على سفح منحدر وتُركوا حيث سقطوا، إذ أصر المهربون أنهم إذا ساعدوهم سيكشف حرس الحدود الأتراك المجموعة بأسرها.

قال رجل يبلغ من العمر 40 عاما من حلب، فر من الغارات الجوية الروسية التي قتلت شقيقه، إنه عبر إلى تركيا مع زوجته و3 أطفال في 19 أكتوبر/تشرين الأول:

“اقتاد مهربان مجموعتنا المكونة من نحو 50 شخصا عبر عدة منحدرات وتلال في الليل. سمعنا كلابا كثيرة تنبح والكثير من دوي الرصاص، وخفنا كثيرا من توقيفنا. كان الأطفال يبكون أغلب الوقت. أحيانا عندما تكون الأرض منحدرة للغاية، كنا نستخدم حجاب النساء في صنع حبال نرفع بها الأطفال وبعض النساء على التلال والصخور شديدة الانحدار. كانت تجربة بالغة الصعوبة والإرهاق”.

إغلاق تركيا للحدود مع سوريا

رغم إغلاق الحدود بشكل مؤقت على فترات متفرقة، استمر السوريون طوال عام 2014 في العبور إلى تركيا ومعهم أوراق هوية أو بدونها، عبر المعابر الحدودية الرسمية. لكن في 1 يناير/كانون الثاني استعانت السلطات التركية بقواعد جديدة تطالب السوريين بتقديم أوراق سفر سارية للسماح لهم بدخول تركيا.

حتى مطلع مارس/آذار كان السوريون يعبرون من المعبرين الرسميين اللذين ظلا مفتوحين إلى ذلك الحين، وهما باب الهوى قرب الريحانية – على مسافة 30 كيلومترا شرقي أنطاكية – وباب السلامة قرب كيليس، على مسافة 50 كيلومترا جنوب شرق غازي عنتاب. في 9 مارس/آذار أعلنت السلطات التركية أنها ستغلق المعبرين ولن يُسمح بعبور إلا شاحنات المساعدات الإنسانية والتُجار المرخص لهم بالعبور. حتى أواسط نوفمبر/تشرين الثاني كان المعبران ما زالا مغلقين، بحسب منظمات غير حكومية في تركيا قرب الحدود.

بحسب مصادر في تركيا على معرفة واسعة بالمناطق الحدودية، سمحت تركيا منذ ذلك الحين لفئتين من الناس فحسب بالدخول من المعبرين: السوريون المصابون إصابات حرجة الذين لا يمكن علاجهم في سوريا، والسوريون المسجلون لدى وكالة الغوث التركية ممن معهم تصاريح خاصة بدخول سوريا مؤقتا والعودة منها إلى تركيا.

قال سوري تمت مقابلته إن عند وصوله معبر باب الهوى في 18 أكتوبر/تشرين الأول، وجد آلاف السوريين الآخرين العالقين على الحدود منذ أسابيع. قالوا إن السلطات التركية أخبرتهم بأن السوريين المسموح لهم بالعبور هم المسجلون في تركيا والذين سُمح لهم بالعودة مؤقتا إلى سوريا للاحتفال بعيد الأضحى.

قالت هيومن رايتس ووتش إن برغم فرار نحو 25 ألف شخص أغلبهم سوريين من القتال الضاري في بلدة تل أبيض الحدودية إلى تركيا، في أواسط يونيو/حزيران من خلال أو قرب معبر تل أبيض – على مسافة 50 كيلومترا جنوب أورفة – فقد اضطروا للعبور عن طريق خرق السياج الحدودي التركي المُغلق بعد أن أعادتهم قوات الأمن التركية مع إطلاق طلقات تحذيرية واستخدام خراطيم المياه.

قالت مصادر على علم بوضع المناطق الحدودية جنوبي تركيا لـ هيومن رايتس ووتش إنه حتى يوليو/تموز، استمر السوريون في العبور برفقة مهربين إلى تركيا، في الأغلب من خلال مناطق حدودية جبلية شمال وجنوب شرق أنطاكية، وهي مناطق أصعب على الشرطة من المناطق السهلية الممتدة إلى الجنوب. قال مهربون لـ هيومن رايتس ووتش إن بعض المناطق الحدودية بها عدد قليل للغاية من حرس الحدود، الذين يتجاهلون من يعبرون ليلا في أغلب الحالات.

لكن في 22 يوليو/تموز بعد يومين من تفجير انتحاري من قبل شخص دربته “داعش” أسفر عن مقتل 32 شخصا في بلدة سوروج التركية الحدودية، أعلنت تركيا أنها ستتخذ تدابير إضافية لتأمين حدودها الممتدة لمسافة 822 كيلومترا مع سوريا، بما في ذلك بناء جدار بطول 150 كيلومترا، ودعم السلك الشائك وحفر خندق بامتداد 365 كيلومترا. التفجير الانتحاري في 10 أكتوبر/تشرين الأول من قِبل أفراد على صلة بداعش – قتل 102 أشخاص تجمعوا في مسيرة سلمية بالعاصمة – عمّق من القلق إزاء أثر النزاع السوري على تركيا.

منذ أواخر يوليو/تموز كثف حرس الحدود الأتراك من تدابير منع السوريين من العبور لتركيا، وهو ما أدى – بحسب مصادر على علم بوضع المنطقة الحدودية – إلى اضطرار أغلب السوريين الآن للعبور من نقطة العبور غير النظامية الوحيدة التي ما زالت تستعصي على الشرطة.

تستمر تركيا في المطالبة بعمل ما تسميه “منطقة آمنة” داخل سوريا، والتي – كما تزعم تركيا – يمكنها أن تعيد اللاجئين السوريين إليها.

السوريون الهاربون من الغارات الجوية والحرمان

قبل بلوغ السوريين المعبر الحدودي التركي في أكتوبر/تشرين الأول، كان العديد منهم قد تعرضوا بالفعل لتهديدات مست حياتهم، وواجهوا مصاعب جمّة. وصف 10 ممن قابلتهم هيومن رايتس ووتش العنف الذي تعرضوا له والظروف شديدة الصعوبة في سوريا، بما في ذلك الخوف المستمر من العيش داخل مجال الغارات الجوية، ونقص الطعام والمساعدات، وظروف الرعاية الصحية المتدهورة. قال العديد من الأشخاص من حلب وإدلب إن السبب الرئيسي لقرارهم الفرار من سوريا أخيرا كان الخوف المستمر من الغارات الجوية، التي تكثفت في أكتوبر/تشرين الأول.

قالت امرأة من مشاره:

“سمعنا أن 50 شخصا ماتوا في غارة جوية في قرية على مسافة 3 كيلومترات من بيتنا. بعدها لم نعد نحتمل. كنا نعاني من نقص الكهرباء والوقود والبطالة وإغلاق المدارس في وجه أطفالنا، لكن الخوف من الموت القادم من السماء لم يكن محتملا. غادرنا بيتنا في عتمة الليل وبعد يومين سمعنا أنه دُمر في غارة”.

قال رجل من الصاخور:

“كان أطفالنا يرتعدون ويبكون كلما مرت فوقنا طائرة. كنا نضطر لإطفاء الأنوار في الليل حتى لا نجتذب غارات جوية إلينا. كانت المساعدات قليلة ولا تكفينا إلا بعد أن يغادر الناس القُرى”.

أصاب النزاع منشآت الرعاية الصحية في مقتل. فر العديد من الأطباء من تركيا ليتركوا عمال بالمجال الصحي غير متخصصين مثل الممرضين والفنيين، يديرون إجراءات طبية معقدة. تفتقر العديد من المستشفيات للعقاقير الطبية، وتعرضت بعض المستشفيات لغارات جوية متكررة ومستمرة.

قال أحد الممرضين:

“العملية الأكثر تكرارا في المستشفيات الميدانية هي البتر. بسبب نقص الخبرة والعاملين في مستشفياتنا، نضطر لإنقاذ حياة الناس فنبتر ساقا أو ذراعا على أمل أن ينجو المُصاب. عدد المصابين الهائل بعد كل هجمة من الهجمات يعني استحالة قدرتنا على إنقاذ الجميع، ويعمل الأطباء والممرضون كثيرا ويعانون من الإرهاق البالغ”.

 

المصدر: هيومن رايتس ووتش