تنظيم “الدولة الإسلامية” يقر لأول مرة بسبي نساء أيزيديات بالعراق
اعترف تنظيم “الدولة الإسلامية” في مجلة “دابق” التابعة له والتي تصدر باللغة الإنجليزية، بإقدامه على سبي عدد من نساء الأيزيديين بعد سيطرته على عدد من القرى الأيزيدية في مناطق سنجار غربي مدينة الموصل. ويأتي هذا الاعتراف بعد سيل من الأخبار ضجت بها وسائل الإعلام في الأشهر المنصرمة حول قيام “أسواق للرقيق” في شوارع الموصل العراقية والرقة السورية.
منذ بداية تداول أخبار قيام “أسواق للرقيق” في كل من سوريا والعراق، وفي الرقة والموصل تحديدا، بدأنا نعمل على تبيان صحة أو بطلان هذه الأخبار وسط سيل من الإشاعات والضخ الإعلامي أتى في سياق الحرب مع تنظيم “الدولة الإسلامية” إن كان في سوريا أو في العراق. ولدى سؤالنا عن حقيقة قيام هذه الأسواق وعن من يبيع ومن يشتري على مرأى من أهل هذه المدن، أتانا نفي قاطع من عدة مصادر وقتها ومنها المعروف بشدة عدائه لتنظيم “الدولة الإسلامية” وممارساته في كِلا البلدين.
لكن أصداء خطف عدد من الأيزيديات كان يأتي، وللمفارقة، من جهاديين أجانب وأوروبيين تحديدا في صفوف التنظيم، ولم نتمكن من معرفة إن كانوا جادين فيما يفيدون به على مواقع التواصل الاجتماعي أم إن كان ذلك من باب استفزاز وسائل الإعلام والصحفيين – ما قد يُفسر صدور التبني الأول باللغة الإنجليزية وليس بالعربية كون الجهاديين الأجانب قد يكونوا معنيين أكثر من غيرهم – وكان الكلام وقتها عن حوالي “100 امرأة كردية أيزيدية تم أخذهن ـ”سبايا” في مناطق سنجار ونقلهن إلى الرقة في سوريا”. لكن الضخ الإعلامي والأخبار الملفقة، كما الصور المُركبة والمُزوّرة، التي كانت تأتي من كل حدب وصوب، أفقدت هذه المعلومة الكثير من المصداقية موحية أنها تأتي في سياق الحرب الإعلامية. فمن المعروف أن المبالغة تطغى أحيانا على الخبر الحقيقي وتضيع الحقيقة في طيّاتها. إلا أنه بالنسبة للأيزيديات انكب منذ ذلك الوقت عدد من الحقوقيين والمؤسسات كـ”هيومن رايت واتش” لتبيان ما جرى مرتكزين على شهادات من الأيزيديين أنفسهم. وخرجت المؤسسة الحقوقية بتقرير منذ يومين يوثق عدد من هذه الشهادات.
كيف يبرر تنظيم “الدولة الإسلامية” أخذه الأيزيديات “سبايا” عبر مجلة “دابق”؟
أقر تنظيم “الدولة الإسلامية” بأخذه لنساء كرديات أيزيديات “سبايا” من خلال مجلة “دابق” التابعة له والتي صدرت بالأمس وباللغة الإنجليزية. وفي هذا العدد، وهو الرابع، خصص الذراع الإعلامي للتنظيم فقرة كاملة من عدة صفحات لشرح إقدامه على هذه الخطوة وتفسيرها مُرفقة بالقرائن التي تخدم توجهه هذا.
وفي هذه الفقرة، التي أتت بعنوان “إعادة إحياء الرق قبل حلول الساعة”، يشير تنظيم “الدولة الإسلامية” أنه من “غير الطبيعي أن تستمر الأقلية الأيزيدية في الوجود في سهل نينوى وفي العراق والشام عموما”، ذلك إن تم اتباع “ما أوصى به النبي محمد منذ 1400 عام فيما يخص التعامل مع المشركين من الذين يرفضون اعتناق الإسلام”. مضيفا أن “الأيزيديين هم من عبدة الشيطان” مستندا في تفسيره على طقوسهم وعلى “توصيفهم بذلك من قبل عدد من الخبراء الغربيين والمستشرقين الذين قاموا بأبحاث عنهم” بحسبه. وكون المقال باللغة الإنجليزية يُعتبر الاستشهاد بخبراء غربيين مسعي لإضفاء مصداقية إضافية لهذا التوصيف الذي اعتمده التنظيم.
ويؤكد تنظيم “الدولة الإسلامية” أن “طلاب العلم [في صفوفه] بحثوا ودرسوا قضية توصيف الأيزيديين قبيل دخوله إلى مناطقهم في سنجار”. وبذلك تم التعامل مع الأيزيديين، “على خلاف التعامل مع النصارى واليهود الذين يمكن أن يدفعوا الجزية”، أي أن يستمروا في دينهم وطقوسهم لكن وفق شروط الشريعة الإسلامية، وذلك بخلاف نساء من يعتبرهم التنظيم بـ”المرتدين”، حيث يُمنع سبيّهم شرعا.
ومن هذا المنطلق وبعد هذا “التفسير الشرعي” الذي اعتمده التنظيم، تم خطف عدد من النساء الأيزيديات بعد سيطرة التنظيم على عدد من القرى الأيزيدية واعتُبِروا “سبايا” قبل “توزيعهن وأولادهن… على المقاتلين من الذين شاركوا في معارك سنجار… وتم نقل خمسهم إلى الدولة الإسلامية”، أي اقتسامهن كأية غنيمة حرب. ثم تأتي جملة تؤكد أته تم بيّع عدد من النسوة، ألا وهي “مقاتلو الدولة الإسلامية يبيعونهن كما الصحابة قبلهم”. ذلك فضلا على تأكيد “عدم تفريق الأمهات عن أولادهن” وعلى أن أن العديد منهن “اعتنقن الإسلام”. و كان قد سبق وأصدر التنظيم فيديو لاعتناق عدد من الرجال الأيزيديين للإسلام، وقد أكد ذلك تقرير “هيومن رايتس واتش” الأخير، مشيرا إلى أن ذلك “تم بالإكراه وخوفا من الموت”.
لماذا يُقر تنظيم “الدولة الإسلامية” الآن؟
أتى مؤشر لتأكيد خطف النساء الأيزيديات كـ”سبايا” على لسان أبو محمد العدناني نفسه، وهو الناطق الرسمي باسم تنظيم “الدولة الإسلامية”، ذلك في خطابه الأخير وبجملة وحيدة لم تستوقف الكثيرين. ففي سياق هذا الخطاب الذي توّعد وهدد أعداء التنظيم والغرب خصوصا. حيث قال العدناني بما معناه أن “هذه الحرب ستكون الأخيرة… وسيتم غزو روما وسبي نسائها وبيعهن…”. وعندما يصدر كلام كهذا عن الناطق الرسمي، يكون قاطعا للشك في خصوص موقف التنظيم الشرعي من السبي ومُنذرا بقرب صدور شيء رسمي في هذا الخصوص.
تأتي هذه الخطوة، كما الإقرار بها و”تفسيرها شرعيا”، مؤكدة لسياسة وإستراتيجية التنظيم، التي تتبع منطقا ومنهجا خاصا يأتي في سياق التحضير للـ”المعركة الأخيرة” التي تساهم بشكل كبير في رسم خطط وخطوات تنظيم “الدولة الإسلامية”، وهذا ما يصعب فهمه وتقييمه من قبل الكثيرين. حيث يعتبر التنظيم، مُستندا على حديث نقله أبو هريرة عن علامات الساعة ” أن تلد الأمة ربتها ” والمراد بربتها سيدتها ومالكتها ، وفي حديث أبي هريرة ” ربها ” وهذه إشارة إلى فتح البلاد” عن طريق إعادة إحياء تجارة الرق ما سيكون مُنذرا بقرب الساعة والمعركة الأخيرة”. ومن هنا التركيز على السيطرة على مرج دابق في منطقة حلب، حيث ستقع المعركة المذكورة بين “جيوش الروم [الغرب] وجيوش المسلمين” نقلا عن أبي هريرة أيضا. ومن هنا سعي التنظيم الحثيث لجر الجيوش الغربية لمواجهة عسكرية على الأرض إن كان في العراق أو في سوريا…
فرانس 24