توتر روسي ــ اميركي ومواقف لم تخلُ من التهديدات وتجاوز الأعراف الديبلوماسية

29

الجيش السوري استعاد السيطرة على مخيم حندرات ويواصل التقدم شرق حلب

العلاقات الاميركية – الروسية شهدت تدهوراً خطراً في الساعات الماضية وحملات اعلامية تجاوزت الاعراف الديبلوماسية مع كلام المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الاميركية الذي لوح بشن هجمات على مدن روسية قد يشنها ارهابيون سيستغلون فراغ السلطة في سوريا في حال استمرت الحرب الاهلية.
الموقف الاميركي جدده وزير الخارجية الاميركي جون كيري الذي اكد على ان واشنطن على وشك تعليق المناقشات مع روسيا بشأن سوريا وقد نسعى لبدائل جديدة في حال لم تغير الاطراف الاخرى نهجها.
هذا الكلام لقي ردود فعل عنيفة من عدد من المسؤولين الروس، لكن الرد الاعنف كان من قبل الناطق باسم وزارة الدفاع الروسية الذي قال: «اذا تعلق الامر بتهديد روسيا وحياة جنودنا في سوريا، فان المسلحين لن يعثروا هناك حينها على الاكياس لوضع اشلائهم فيها، ولن يتسنى لهم الهروب من هناك.
وفي ظل هذا السجال الكلامي العنيف تواصلت المعارك في حلب واحيائها الشرقية، وواصل الجيش التقدم لتضييق الحصار على الارهابيين في الاحياء الشرقية واستعاد السيطرة على مخيم حندرات شمال حلب، وسط اشتباكات عنيفة مع تنظيم «جبهة النصرة».
وهذه هي المرة الثانية التي يستعيد فيها الجيش المعسكر منذ بدأ عملية عسكرية في حلب الأسبوع الماضي، حيث سيطر عليه السبت الماضي قبل أن تنتزعه الجماعات المسلحة من جديد في هجوم مضاد في اليوم نفسه.
في المقابل، قال معارضون في سوريا والمرصد السوري لحقوق الإنسان إن قوات المعارضة حققت تقدما لتسيطر على عدد من القرى الواقعة شمال حماة  مواصلة حملة مستمرة منذ شهر في منطقة ذات أهمية استراتيجية للحكومة التي تحاول قواتها السيطرة على حلب.
وقال مصدر عسكري سوري إن القوات الجوية شنت ضربات استهدفت عددا من القرى شمال حماة سيطرت عليها المعارضة خلال الأسابيع الماضية مضيفا أنها دمرت دبابات ومركبات مدرعة وقتلت «عشرات الإرهابيين».
وقال معارض والمرصد السوري لحقوق الانسان الذي يتخذ من بريطانيا مقرا له ان المعارضة سيطرت على قريتي خفسين وكراح.

ـ التوتر الاميركي ـ الروسي ـ

وعلى صعيد التوتر الاميركي الروسي اعتبرت وزارة الدفاع الروسية أن التصريحات الصادرة عن الخارجية الأميركية حول تعاظم  خسائر روسيا إذا ما استمرت في عمليتها في سوريا، اعتراف صريح بإدارة واشنطن نشاط الإرهاب الدولي.
وفي تعليق على تصريح لجون كيربي المتحدث باسم الخارجية الأميركية حذر فيه روسيا من تعاظم خسائرها، «وتلقيها المزيد من جثث عسكرييها في الأكياس، بل حتى إسقاط طائراتها» في سوريا، قال إيغور كوناشينكوف الناطق الرسمي باسم وزارة الدفاع الروسية: «لقد رفعت الأقنعة ايها السادة!».
وأضاف: إنني على يقين تام بأن جون كيربي الذي خلع البزة العسكرية مؤخرا وارتدى زي الناطق باسم الخارجية الأميركية، يدرك تماما الآثار التي ستترتب على تصريحه.
العبارات الصادرة عن كيربي اعتراف أميركي صريح بأن جميع ما يسمى بالمعارضة السورية التي «تخوض» حربا أهلية في سوريا، ليست إلا حشدا إرهابيا دوليا خاضعا لإمرة واشنطن.
وتابع كوناشينكوف: وفي ما يتعلق بما أشار إليه كيربي حول عودة عسكريينا جثثا في الأكياس، واستهداف طائراتنا في سوريا، أقول: نحن على علم كامل بعدد من تسميهم واشنطن بـ«الخبراء» في سوريا عموما، وفي محافظة حلب حصرا، ولا يخفى علينا أنهم يعكفون هناك على وضع خطط العمليات العسكرية ويشرفون على تنفيذها.
وأضاف: نحن على علم كذلك باستمرارهم في العمل الدؤوب، والفاشل هناك على تفريخ إرهابيي «جبهة النصرة» مما يسمى بـ«المعارضة»..
وختم كوناشينكوف بالقول: نجدد التأكيد مرة أخرى على استعدادنا التام لمواصلة الحوار مع الجانب الأميركي وصياغة الخطوات المشتركة لمكافحة الإرهاب في سوريا، فيما ذلك يتطلب استثناء أي تلميح بتهديد عسكريينا ومواطنينا.
لا نساوم على أمن وسلامة مواطنينا أينما كانوا في العالم، حيث أن حمايتهم على رأس أولوياتنا.
كما وصفت ماريا زاخاروفا الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية تصريحات واشنطن حول توجهها لتعليق التعاون مع موسكو في الملف السوري، بأنها غير ملائمة ولا تتناسب مع مبادئي الإنسانية.
وقالت زاخاروفا: «كنا نأمل في أن تدحض هذه التصريحات نظرا لكونها غير ملائمة ولعدم تناسبها على الإطلاق مع القواعد الدبلوماسية ومبادئ الإنسانية. لكن ذلك لم يحصل للأسف الشديد».
وأوضحت زاخاروفا أنها تتحدث بالدرجة الأولى عن تصريحات جون كيربي المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الأميركية الذي لوح بـ «هجمات على مدن روسية» قد يشنها إرهابيون سيستغلون فراغ السلطة في سوريا في حال استمرار الحرب الأهلية في سوريا.
ووصفت الديبلوماسية الخطاب الذي تبنته وزارة الخارجية الأميركية مؤخرا مثل البنتاغون والبيت الأبيض، بأنها «هجمات هستيرية وفظة»، واستغربت انعدام أي نطق في التصريحات الأميركية، وأعادت إلى الأذهان أن كيربي حذر روسيا من استغلال الإرهابيين لفراغ السلطة في سوريا، في الوقت الذي تعمل فيه واشنطن على إسقاط حكومة بشار الأسد، وتساءلت إلى أي نتائج سيؤدي مثل هذه المساعي.
ولفتت زاخاروفا إلى أن الدبلوماسي كيربي، خدم لسنوات طويلة في الجيش، لكنه يتجرأ على إطلاق مثل هذه التصريحات الوقحة، وتساءلت: «ماذا سيأتي بعد ذلك؟». وقالت: «تعليقات كيربي تشبه اوامر لتوجيه الكلاب اكثر مما تشبه تعليقاً ديبلوماسياً».
وأوضحت أنه بسبب أن واشنطن لم تنأ بنفسها عن هذه التصريحات، تضطر موسكو الى اعتبار تلك التصريحات دعوة مباشرة وتعليمات موجهة إلى إرهابيين قد يكونون مثل المسلحين الذين لا تقدر واشنطن على فصلهم عن تنظيم «النصرة» منذ نصف عام، لتدبير هجمات إرهابية فعلا في أراضي روسيا.
وطالبت الناطقة باسم الخارجية الروسية واشنطن إن كانت لها بيانات حول أعمال إرهابية مخطط لها في أراضي روسيا، بتقديم جميع المعلومات بهذا الشأن لسوريا.
وأكدت زاخاروفا أن الاتصالات بين العسكريين الروس والأميركيين مستمرة، كما يستمر تبادل البيانات بينهما. لكنها دعت الإدارة الأميركية مجددا إلى ضمان الفصل بين المعارضة والإرهابيين في سوريا وفق ما جاء في الاتفاقات الروسية – الأميركية.
وتابعت زاخاروفا أن موسكو انتبهت إلى تصريحات قيادي في «جبهة النصرة» لإحدى الصحف الألمانية، إذ قال هذا المتطرف مباشرة أن التنظيم يتلقى دعما خارجيا لكنه بحاجة إلى أسلحة أكثر حداثة، وشدد على أن «جبهة النصرة» ستواصل القتال حتى الانتصار.
وفي هذا السياق، أعربت الدبلوماسية الروسية عن دهشتها من تصريحات متحدث باسم البيت الأبيض قال فيها إن الفصل بين الإرهابيين والمعتدلين في سوريا يجب أن يتم على أساس تعريف كل فصيل لنفسه، وشددت على أن هذه الفكرة لا تتناسب بأي شكل من الأشكال مع ما جاء في الاتفاقات الروسية الأميركية حول سوريا.
كما اعتبر دبلوماسي روسي كبير أن تهديدات واشنطن وتحذيراتها بشأن «خطر إرهابي يحدق بروسيا» بعد فشل الهدنة في سوريا تصب في مصلحة الإرهابيين وتدل على إصابة الإدارة الأميركية بانهيار عصبي.
وقال سيرغي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي تعليقا على تصريحات جون كيربي المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية حول الخطر الذي يحدق بروسيا من جانب «داعش»، إن هذه التهديدات دليل على انحدار الإدارة الأميركية الحالية لممارسة سياسة وضيعة، وتمثل «دعوة موجهة للإرهابيين لمهاجمة روسيا».
وشدد على أن موسكو تعتبر تصريحات كيربي عن هجمات محتملة ضد مدن روسية من قبل الإرهابيين، دعما للإرهاب.
واستدرك قائلا: « نكرر كل يوم إننا لا نرى حلا سوى التسوية الدبلوماسية. أما ما يحصل حاليا بسبب عجز واشنطن عن الوفاء بالتزاماتها وتعهداتها، فهو أمر سيؤنب ضمير أصحاب القرار في واشنطن».
وتابع أن موسكو تشعر بالاستياء من نبرة الإشارات التي ترسلها واشنطن والتي تأتي بشكل إنذارات أخيرة، وصولا إلى تهديدات سافرة لروسيا ولأولئك الذين يحاربون الإرهابيين فعلا في سوريا. وشدد قائلا: «لا يمكن أن نصف هذا الأمر إلا بأنه في الواقع دعم للإرهابيين من جانب الولايات المتحدة».
وتابع أنها ليست المرة الأولى عندما تضطر موسكو الى تسمية الأشياء بأسمائها لدى التعليق على التصريحات الصادرة عن واشنطن. وأوضح: «أصيبت واشنطن أمس بانهيار عصبي جديد على خلفية كون إدارة (الرئيس الأميركي) أوباما غير جاهزة للوفاء بجزئها من الاتفاقات التي توصلنا إليها بجهود كبيرة بذلتها مختلف الهيئات. وأطلقت من واشنطن تهديدات غير مقبولة وإنذارات في محاولة لدفعنا إلى موضع التبرير والدفاع عن النفس».
وشدد على أن «هذه اللهجة غير مناسبة للحديث مع روسيا، ونحن إذا استمعنا باهتمام إلى ما يقوله شركاؤنا الأميركيون بمن فيهم المتحدثون الرسميون، سنتوصل إلى استنتاج أنهم يصبون الماء على طاحونة الإرهابيين». واستدرك قائلا: «إنها ليست إلا دعوات مستترة بصورة سيئة لاستخدام أسلحة الإرهابيين ضد روسيا، وهو أمر يدل على حد الرذالة الذي انحدرت له الإدارة الأميركية الحالية في مقارباتها من شؤون الشرق الأوسط وتحديدا من الوضع في سوريا».
وكان جون كيربي المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية قد لوح باحتمال تعرض مدن روسيا لهجمات إرهابية وحذر موسكو بأنها ستخسر مزيدا من الأرواح والطائرات في سوريا. واعتبر أنه في حال استمرار الحرب الأهلية في سوريا، سيستغل الإرهابيون فراغ السلطة لتوسيع عملياتهم وصولا إلى استهداف مصالح روسيا خارج سوريا، بما في ذلك ارتكاب هجمات في مدن روسية.
وحذر كيربي قائلا: «إننا ندرس خطوات قد نضطر الى الإقدام عليها للشروع في تعليق تعاوننا مع روسيا بشأن سوريا». وأكد أن واشنطن لم تبدأ بهذه الخطوات بعد، لكنها أرسلت إشارة واضحة إلى موسكو تقول إن على الجانب الروسي اتخاذ خطوات مؤثرة في القريب العاجل من أجل وقف العنف واستئناف العملية السياسية.
وقال الديبلوماسي الروسي إن موسكو ترفض اقتراح واشنطن حول إعلان هدنة لمدة 7 أيام في حلب، باعتبار أن الإرهابيين قد يستغلون مثل هذه الفترة الزمنية لإعادة نشر عناصرهم.
وأعاد ريابكوف إلى الأذهان أن موسكو اقترحت أكثر من مرة إعلان فترات هدنة لمدة 48 ساعة في حلب، وما زال هذا الاقتراح على الطاولة.
وشدد على عدم وجود أي بديل لطريقة استعادة استقرار الوضع التي تنص عليها الاتفاقات الروسية – الأميركية، ودعا واشنطن إلى التركيز على تطبيق الاتفاق بالصيغة التي استغرق وضعها أشهر عدة، بدلا من توجيه إنذارات أخيرة إلى موسكو.

ـ ميستورا: صعوبة استئناف المفاوضات ـ

أكد المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا صعوبة استئناف المفاوضات حين تتساقط القذائف في كل مكان بسوريا.
وقال دي ميستورا بعد لقائه البابا فرنسيس في الفاتيكان، «لا يمكن التوصل إلى السلام في سوريا» مع استمرار عمليات القصف، بعد أن أعرب في 22 أيلول عن أمله في حصول مفاوضات مباشرة بين الأطراف السورية «في الأسابيع المقبلة».

 

المصدر : الديار