جسر عبور تركي إلى سورية
عندما استصدرت الإدارة الأميركية قراراً من مجلس الأمن لمحاربة الإرهاب المتمثل بـ «داعش»، وقررت تشكيل تحالف دولي يضطلع بهذه المهمة، بدت على خلاف مع حلفائها التقليديين، خصوصاً تركيا، فضلاً عن إسرائيل وهي الشريك الفعلي غير المعلن في هذا التحالف.
تمحور الخلاف بين أنقرة وواشنطن حول نقطتين: الأولى رفض حكومة أردوغان تعهد وقف دعم المسلحين السوريين «غير المعتدلين»، خصوصاً جبهة «النصرة»، وهي الجناح المسلح لـ «الإخوان المسلمين» في سورية، (تدعمها قطر أيضاً). والنقطة الثانية إصرار حكومة أردوغان على مواصلة الحرب حتى إسقاط النظام السوري. وليس في حساب واشنطن الآن الإقدام على هذه الخطوة لأنها تتطلب وقتاً طويلاً، وانخراطاً أميركياً في حرب جديدة في الشرق الأوسط الذي قررت مغادرته إلى شرق آسيا، من دون التخلي عن الإقليم عندما تستدعي المصلحة ذلك، مثلما هي الحال الآن مع «داعش».
فضلاً عن ذلك، ترى الولايات المتحدة أن استرتيجية إسقاط الأسد أثبتت فشلها، خلال أكثر من ثلاث سنوات خلت، لأسباب كثيرة، أهمها شرذمة المعارضة وولاءاتها للخارج المتعدد الإتجاهات، وتحولها إلى مجموعات تخوض الحرب نيابة عن الآخرين، ولكل منها أهدافه في بلاد الشام وفي الإقليم.
لكن يبدو أن البيت الأبيض أقنع أردوغان بالتريث قليلاً في عملية إسقاط الأسد لأن «المعارضة» غير جاهزة لليوم التالي، ويجب تأهيلها سياسياً وعسكرياً. وقد بدأ تدريب «المعتدلين» وتسليحهم.
في هذا الإطار، قال المنسق بين دول «التحالف» الجنرال جون ألن: «نود أن يصبح الجيش السوري الحر والقوة التي سنشكلها وندربها ونجهزها ذات صدقية، وعلى حكومة الأسد أن تعترف بها في نهاية المطاف».
وأضاف: «لن يكون هناك حل عسكري. إن النية ليست تحرير دمشق. يجب أن يكون للمعارضين صوت واضح بل الصوت الأعلى، عندما يجلسون إلى طاولة المفاوضات». وأكد أن «ما نسعى إليه في سورية استراتيجية إقليمية تشمل الشرق الأوسط، والأسد ليس طرفاً فيها».
إذاً، هذه هي الإستراتيجية الأميركية في سورية. تهيئة مسلحين «معتدلين» ليشكلوا جيشاً مقابل الجيش الرسمي، وتحضير المعارضة السياسية للتفاوض مع الحكومة، على غرار ما حصل في جنيف، وتأهيلها كي تصبح جزءاً من خطط واشنطن للشرق الأوسط، بما يعنيه ذلك من استعداد لرفض سياسات النظام في ما يتعلق بإسرائيل وإيران و «حزب الله» والمعارضة الفلسطينية، أي تطبيق الشروط العشرة الشهيرة التي أبلغها كولن باول إلى الأسد أيام كان وزير خارجية في عهد جورج بوش الإبن. ويبدو أن المعارضات كلها مستعدة لتنفيذ شروط باول، لكن البيت الأبيض يحتاج إلى وقت للتأكد من ذلك، إذ لا تكفيه زيارة هذا المسؤول إسرائيل (كمال اللبواني) أو التفاهم بين «النصرة» وتل أبيب في الجولان، أو التهجم على سياسة طهران، ويعتبر كل ذلك سلوك أطراف لا يأمن جانبها على المدى الطويل، والأهم أن تأثيرها في الداخل شبه معدوم، عدا بعض العمليات العسكرية التدميرية.
معتمدة على حاجة الولايات المتحدة إليها في المواجهة الكبرى مع روسيا وفي الشرق الأوسط، عارضت حكومة أردوغان هذه الإستراتيجية، وأصرت على إطاحة الأسد أولاً، ثم تولي الأمور في سورية، بمساعدة «حلفائها» في المعارضة. لذا استغلت أنقرة الوضع في عين العرب، لترسل أنصارها من «الجيش الحر» و «بيشمركة» بارزاني الكردية إلى هذه المدينة لمحاربة «داعش» لتنفيذ سياستها الخاصة التي تلتقي مع الإستراتيجية الأميركية في بعض المحطات وتفترق عنها في أخرى.
مئات المقاتلين الذين نقلتهم تركيا إلى عين العرب ليس لهم أي تأثير في المعارك، وسيتبعهم آخرون ليشكلوا جسر عبور آمن، وغطاء للجيش التركي الذي يشرف على انتشارهم ويخطط لمعاركهم.
مصطفى زين – الحياة