حلب تحت جحيم الغارات السورية والروسية

38

غرقت الأحياء الشرقية في مدينة حلب في شمال سوريا اليوم الجمعة، في جحيم الغارات الكثيفة التي شنتها طائرات سورية وروسية، متسببة بدمار هائل ومقتل نحو 70 مدنيا، بعد ساعات من إعلان الجيش السوري بدء هجوم في المنطقة.

ويتزامن التصعيد مع فشل الجهود الدبلوماسية في نيويورك في إعادة إرساء هدنة انتهت الإثنين بعد أسبوع من تطبيقها في مناطق سورية عدة بموجب اتفاق أمريكي روسي، في وقت لم يحدد بعد أية موعد للقاء محتمل بين وزيري الخارجية الروسي سيرجي لافروف، ونظيره الأمريكي جون كيري الجمعة.

وتتعرض الأحياء الشرقية في حلب والتي تسيطر عليها فصائل المعارضة منذ العام 2012، لغارات كثيفة بشكل متواصل منذ ليل أمس، تنفذها طائرات روسية وسورية، وفق ما ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان.

وأحصى المرصد مقتل «نحو 70 مدنيا على الأقل، بينهم ثلاثة أطفال الجمعة جراء ضربات شنتها الطائرات الروسية والمروحيات السورية» على أحياء عدة.

وأشار إلى أن عدد القتلى «مرشح للارتفاع لوجود جرحى في حالات خطرة ومفقودين تحت الأنقاض».

وقال مراسل لوكالة «فرانس برس» في مناطق المعارضة في حلب، إن «القصف عنيف جدا». وأظهرت مقاطع فيديو لـ«فرانس برس» في حي طريق الباب جرافة تعمل على رفع الأنقاض من شارع ضيق على جانبيه أبنية بعضها تدمر بشكل كامل والبعض الآخر تصدعت جدرانه، قبل أن تقوم بردم حفرة ضخمة مملوءة بالمياه جراء القصف.

وقال أبو عمر، وهو أحد الناجين، «كان الصوت أقوى من صاروخ، بحيث انهارت الجدران لوحدها».

وبات متطوعو الدفاع المدني مع كثافة الغارات عاجزين عن التحرك خصوصا بعدما استهدفت الغارات صباحا مركزين تابعين لهم في حيي هنانو والأنصاري، وفق مراسل «فرانس برس».

وتدمر مركز الأنصاري بالكامل جراء الغارات وباتت سيارة إسعاف وأخرى لإطفاء الحرائق ومعدات أخرى خارج الخدمة.

وتسببت الغارات بدمار كبير، بينها ثلاثة أبنية انهارت بكاملها على رؤوس قاطنيها جراء غارة واحدة على حي الكلاسة.

وقال مراسل «فرانس برس»، إن جرافة واحدة كانت تعمل على رفع الأنقاض، فيما يقف عمال الإغاثة مذهولين محاولين رفع الركام بأيديهم بحثا عن العالقين تحته.

على جبهة أخرى في حلب، أفاد المرصد بمقتل «12 مدنيا من عائلة واحدة بينهم ستة أطفال جراء غارات روسية على قرية بشقاتين في ريف حلب الغربي». كما قتل 11 شخصا على الأقل في غارات نفذتها طائرات لم تعرف هويتها على مدينة الباب تحت سيطرة تنظيم «داعش»، شمال شرق حلب.

  • تمهيد لهجوم بري 

ويأتي هذا التصعيد بعد إعلان الجيش السوري مساء الخميس، بدء هجوم على الأحياء الشرقية في حلب التي يحاصرها منذ شهرين تقريبا، ودعوته المواطنين إلى «الابتعاد عن مقرات ومواقع العصابات الإرهابية المسلحة».

وفرت عائلات من أحياء تشكل جبهات ساخنة في شرق حلب في اليومين الأخيرين إلى أحياء أخرى، لكن لا طريق أمامها للخروج من المدينة.

وأوضح مصدر عسكري سوري في دمشق الجمعة لوكالة «فرانس برس»، أن العمليات البرية في حلب لم تبدأ بعد.

وقال، «حين أعلنا بدء العمليات البرية، فهذا يعني أننا بدأنا العمليات الاستطلاعية والاستهداف الجوي والمدفعي، وقد تمتد هذه العملية لساعات أو أيام قبل بدء العمليات البرية»، مشيرا إلى أن «بدء العمليات البرية يعتمد على نتائج هذه الضربات».

وذكر، أن الضربات الجوية التي ينفذها الطيران منذ يوم أمس، تستهدف «مقرات قيادات الإرهابيين».

ويصنف النظام السوري كل المجموعات التي تقاتله من الفصائل المعارضة والجهادية بأنها «إرهابية».

وأكد ضابط سوري على جبهة حلب لـ«فرانس برس»، أن «القوات البرية لم تتقدم ميدانيا بعد».

وبحسب مصدر عسكري ثان في دمشق، فإن «هدف هذه العملية هو توسيع مناطق سيطرة الجيش» في حلب، لافتا إلى «وصول تعزيزات مؤخرا إلى حلب تعزز القدرة على القيام بعملية برية».

  • «مفاوضات بالنار» 

وتبحث الأمم المتحدة، وفق ما أعلن المتحدث باسم مكتبها لتنسيق الشؤون الإنسانية ينس لاركي، اليوم الجمعة، عن طريق بديل لإرسال مساعدات إلى الأحياء الشرقية، حيث يقيم نحو 250 ألف مدني في وضع «مأساوي»، في وقت لا تزال 40 شاحنة مساعدات عالقة في منطقة بين تركيا وسوريا.

وشكل إيصال المساعدات بندا رئيسيا في اتفاق الهدنة التي انهارت الإثنين بعد سريانها لأسبوع في مناطق عدة بينها حلب. وتبادلت موسكو وواشنطن راعيتا الاتفاق الاتهامات بعرقلة تنفيذ وقف إطلاق النار.

وقال الموفد الدولي إلى سوريا ستافان دي ميستورا، أمس الخميس في نيويورك، «ما يحصل هو أن حلب تتعرض للهجوم، والجميع عاد إلى حمل السلاح».

ولم تنجح الجهود الدبلوماسية في نيويورك في إعادة إحياء وقف إطلاق النار.

وأعلن وزير الخارجية الأمريكي أمس الخميس، فشل اجتماع عقدته المجموعة الدولية لدعم سوريا، لإعادة إرساء الهدنة. وحض روسيا على إبداء «جدية»، مطالبا دمشق «بوقف استخدام» طيرانها الحربي.

وغداة إشارة كيري إلى اجتماع محتمل مع نظيره الروسي اليوم، أوضح مسؤول أمريكي في نيويورك لوكالة «فرانس برس»، أنه لم يتم تحديد أية موعد لاجتماع بين الوزيرين، لكنه قال، إن «ذلك قد يتغير».

وردا على سؤال حول إمكانية إحياء وقف إطلاق النار، قال لافروف للصحفيين في الأمم المتحدة، «عليكم سؤال الأمريكيين».

ويقول محلل سوري قريب من دمشق لوكالة «فرانس برس»، إن «المعارك (حلب)، بدأت إثر فشل الاجتماع الدولي»، مضيفا، «إنها المفاوضات بالنار في حلب».

ويضيف، «على الأمريكيين أن يفهموا أنه طالما لم يفوا بالتزاماتهم (اتفاق الهدنة)، وتحديدا لناحية فك الفصائل المعارضة ارتباطها عن جهاديي جبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقا)، فإن الروس والجيش السوري سيتقدمون».

 

المصدر : الغد