حين ينحصر شرف المرأة في وضعها الاجتماعي….

68

 

سورية-

لايزال مقطع فيديو بيّن جريمة مقتل قاصر بطريقة وحشية في الحسكة من قبل شقيقيها يثير ردود فعل محلية ودولية ومنظمات حقوقية دعت إلى تطبيق قوانين تحمي النساء من العنف وزجر  مثل هذه الاعتداءات الخطيرة التي تهدّد حياة النساء بدعوى “العار وشرف العائلة”.
وكان المرصد السوري لحقوق الإنسان قد نشر بيانًا قال فيه إن “مصادر محلية أكدت أن المسلحين الذين شاركوا بالجريمة تعمدوا نشر الشريط المصور لإشهار “غسل العار” حسب معتقداتهم العشائرية. 
وطالما ندّد المرصد  بمثل هذه الجرائم البشعة التي انتشرت في السنوات الأخيرة وباتت تشكل تهديدًا حقيقيًا لاستقرار المجتمع السوري خاصة في المناطق التي تحكمها طبائع عشائرية.
ولا يزال المجتمع السوري، وخاصة في البيئات المحافظة قائمًا على مفهوم العيب والعار الذي ينحصر فيه الشرف في وضع المرأة داخل الأسرة وليس بمفاهيم الصدق والنجاح والإبداع التي من المفترض أن تكون هي السائدة.
مفهوم الشرف ظلّ مرتبطًا  بالجنس أي بثقافة النظام الأبوي السلطوي، حيث يزعم جميع الذكور أن لهم الحق في تعيين نمط حياة نساء العائلة، وهو مفهوم وجب التصدي له ومحاربته، خاصة مع الاحصائيات الخطيرة التي  تؤكد تحول الآفة إلى ظاهرة عميقة وجبت دراستها عاجلًا.
وتستشهد الكاتبة السورية أنجيل الشاعر، في حديث مع المرصد السوري لحقوق الإنسان، بمقولة ماركس “إن الدولة هي الحياة الأخلاقية للشعب”، مبينة أن أي نظام في الحياة العامة محكوم بالأخلاق  بدءً من النظام السياسي  وصولًا إلى النظام الاجتماعي، لذلك حين تفقد الدولة أخلاقها تفقد الشعوب حريتها، هذه المقولة تنطبق على سورية انطباقًا تامًا، إذ أن الدولة السورية غير مهتمة بالقانون ولا بتطبيقه حيث تعيش في حالة من  الانهيار السياسي والاجتماعي والديني والاقتصادي انهيارًا عامًا .
وتابعت: “لايهم الدولة جرائم الشرف بقدر ما تهمها أشياء أخرى كالتنكيل بالشعب والرفع في الأسعار وتفقير الشعب وتجويعه وتهميشه، وظاهرة التنكيل بالنساء تحت يافطة “الشرف” هي نتاج آخر لحالة مكون ديني واجتماعي نتيجة لما حصل  في سورية منذ عام 2011 إلى اليوم.
 وأرجعت محدثتنا أسباب ارتفاع الظاهرة إلى ارتباطها بالعادات والتقاليد البالية التي تحكم العديد من المناطق، مشيرة إلى أن كل  محافظة لها عاداتها وتقاليدها حيث تختلف ابتداءً من العادات الغذائية  إلى الموروث السائد،  وتلتقي بعض المحافظات على مبدأ ” الأنثى  شرف العائلة”، مشيرة إلى أن قانون الأحوال الشخصية  ليس  منصفًا للمرأة.
 ووفق إنجيل الشاعر، لا شيء يمكن محاربة تفشي جرائم الشرف غير دستور جديد يحفظ للنساء حقهن المادي والمعنوي، وسن قانون أسرة يحمي النساء من العنف المسلط ضدهن.
وأضافت قائلة: “الثورة حرّرتنا نحن النساء منذ أيامها الأولى، حرّرتني أنا شخصيًا وأدخلتني إلى الفضاء العام، علمتني المشاركة المتكافئة مع الرجال في الحياة العامة، ومعنى العمل الجماعي وسمو الرابطة الاجتماعية، الرابطة الوطنية، على سائر الروابط، وحرّرتنا الثورة من الخوف ومن عبوديتنا لأنفسنا، أدخلتنا في الحياة السياسية بعد تصحّر سياسي شهدته سورية على مدار نصف قرن، أخرجتنا من الأيديولوجيات الأحادية إلى قبول الرأي الآخر والاعتراف به، علمتنا معنى الحملات والعمل الإنساني، معنى الاحتجاج، وكيف نستطيع أن نقول لا ونحن مؤمنون ومؤمنات بها، ذهبت الـ”نعم” القسرية إلى غير رجعة، علمتنا أن ندافع عن أنفسنا كنساء وعن كل امرأة تستهدف بدافع “الشرف” أي شرف هذا ؟. 
بدورها تقول الشاعرة السورية ليندا عبد الباقي، في حديث مع المرصد السوري لحقوق الإنسان: “في مجتمعنا الشرقي الذكوري ترتبط مشكلة الشرف بالأنثى تحديدًا وكأن الرجل لا شرف له.. “نخجل من الحب ونتفاخر بِالكره في مجتمع الكراهية”.
وأضافت:” إذا كانت الأنثى قوية وصادقة ومحترمة وصاحبة قيم ومبادئ يطلقون عليها أخت الرجال “لأن النساء ناقصات عقل ودين” كما يزعمون، وهذا هو الوأد الحقيقي للإناث والموت السريري، وفي تواصل مع الجاهلية حينما تولد أنثى تتجهم الوجوه وحين تكبر تتحول إلى خادمة لإخوانها الذكور وحين تتزوج خادمة لأهلها وأهل زوجها ولا تورث! ومتى كانت “العورة تورث وكل حقوقها مستلبة حتى بالتعبير عن رأيها وعاطفتها؟!”  بينما الذكر يصول ويجول ويتفاخر بعلاقاته المشبوهة كدليل رجولة مزيفة. 
وتساءلت: “متى نتحول إلى مجتمع راق لا يفرق بين ذكر وأنثى إلا بالقدرة على العطاء والوفاء والإخلاص؟.
وختمت بالقول: “هكذا يتم تصنيعنا والتأكيد على شرقيتنا وتحفيز العقول المريضة على الجريمة والقتل واستلاب حقوق الأقربين برجولة همجية كاذبة وفي مجتمع أباح السرقة والنصب والقتل والسطو على أملاك الغير والكذب والفتنة والنميمة وحرم حق المرأة في العيش الكريم.
ولا بد من ثورة على العقول العفنة ومحاربتها حتى تتلاشى والأخذ بكل المفاهيم والسلوكيات الحضارية الجديرة بالتقدير والتي تبني المجتمعات الصالحة وتبني الحضارات “. 
ويرى حقوقيون سوريون أن تطبيق القوانين في هذا الإطار لا زال بعيد المنال بسبب العقلية الذكورية والعشائرية السائدة، وشدّد هؤلاء على أن الإطار القانوني مهم جدا في تحقيق العدالة، ودعوا إلى تغليب سلطة القوانين على الموروث العشائري بما يساعد في مكافحة الآفة.