ذريعة المحافظة على وحدة سوريا توسع مروحة التدخل الخارجي المباشر
لم يعط نائب الرئيس الاميركي جون بايدن الذي زار تركيا في منتصف الاسبوع براءة ذمة للتدخل التركي في سوريا فحسب بل هو اعطاها غطاء لبقائها في سوريا حتى طرد تنظيم الدولة الاسلامية منها كما قال في موازاة سحب الغطاء عن تنظيم ي.ب.ك الكردي وهو الجناح المسلح للذراع السوري لمنظمة بي كا كا في حال عبوره غرب نهر الفرات. وبصرف النظر عن واقع ابتزاز الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الولايات المتحدة خلال الشهر الماضي عقب محاولة الانقلاب الفاشلة والمطالبة بالداعية فتح الله غولن لتسليمه من الولايات المتحدة على انه المسؤول عن هذه المحاولة والذي قد يكون شكل عاملا في محاولة ارضاء تركيا الى جانب عوامل اخرى من بينها التقارب مع روسيا وايران، فان واقع تدخل تركيا مباشرة في الحرب السورية تحت عنوان المحافظة على وحدة سوريا يكاد يكمل مروحة الدول صاحبة المصالح المباشرة في النفوذ على الارض في سوريا ويعيد الى الاذهان وعلى نحو فاضح كيفية تدخل دول عدة في لبنان زمن الحرب ودخول سوريا العسكري الذي غدا احتلالا استمر ثلاثة عقود تحت عنوان المحافظة على وحدة لبنان. التقت الولايات المتحدة وروسيا على بقاء سوريا موحدة وكان ثمة اتفاق اطلق مفاوضات سورية سورية لم تلبث ان توقفت وعادت تركيا للاتفاق مع روسيا وايران على وحدة سوريا خوفا من تشظيها بتقسيم او فيدرالية يفجرها طموح كردي الى دولة مستقلة. وهي مفارقة لافتة ان تكون استباحة سوريا من الدول المجاورة تحت عنوان المحافظة على وحدة سوريا ما يفتح الباب واسعا امام صورة متكاملة لما قد يكون عليه وضع سوريا بعد انتهاء الحرب فيها. في هذا الوقت “باعت” الولايات المتحدة فورا القوات الكردية التي اوكلت اليها تحرير مناطق سورية من تنظيم الدولة الاسلامية وجعلتها حصانها الرابح ولو ان مصادر ديبلوماسية تقول ان استخدام الاكراد ومساعدتهم كذلك لم تترافق لا من جانب الولايات المتحدة ولا روسيا باي وعود بدولة مستقلة بل ان الكلام الدائم على وحدة سوريا كان عنوانا لاتفاق اميركي روسي لا ينبغي ان يراهن الاكراد على ابعد منه. هذا لا يمنع من التضحية بالطموح الكردي الذي تمت دغدغته في حين ان ما يطاول الاكراد قد ينسحب ايضا على المعارضة السورية المعتدلة المربكة بالتحول التركي وتقاربه المحتمل مع نظام بشار الاسد انطلاقا من ان الاوراق لم تعد تلعب عبر اطراف سورية بل يمكن ان يلعبها الافرقاء الاقليميون والدوليون مباشرة من دون وسيط داخلي من اجل تعزيز نفوذهم.
ما الذي بقي من سوريا التي ابتلع نظامها خرق الدول المجاورة لسيادة سوريا والذي لا يزال يتغنى بها وقد برر لكل من روسيا وايران تدخلهما بناء على طلب من حكومته؟. سؤال لا يثيره فقط التدخل التركي وهو مطروح مع تدخل ايران المباشر ومعها الميليشيات العراقية واللبنانية وتدخل روسيا العسكري ووجود عسكري ايضا لاميركا في مساعدة قوات سوريا الديموقراطية او لمحاولة تنظيف بعض المدن من تنظيم الدولة الاسلامية. ولكن هل لا يزال مصير بشار الاسد مهما فعلا في ظل بوتقة الدول الاقليمية والخارجية التي تتقاسم النفوذ على الارض السورية باعتبار انه ولو استفاد من تلاق للمصالح مع دول اقليمية كتركيا مجددا فان هذه البوتقة من الدول كفيلة بان تشكل مؤشرا قويا وكافيا على ان سوريا لن تسلم اليه مجددا كما كانت سابقا. التدخل التركي يشي بالنسبة الى مصادر ديبلوماسية بان الحرب قد تكون دخلت مرحلة جديدة وليست هي نهاية الحرب حتى لو كان ثمة تلاق بين روسيا وتركيا وايران والولايات المتحدة حول هذا الموضوع. وقد طغت التطورات الميدانية في سوريا والمتصلة في شكل خاص بدخول تركيا عسكريا الحرب السورية منعا لاحتمال قيام دولة كردية تحت عنوان المحافظة على وحدة سوريا على التقرير الاممي الذي صدر بناء على تحقيق مشترك للامم المتحدة والمنظمة الدولية لحظر الاسلحة الكيماوية وجزم بان قوات النظام السوري كانت مسؤولة عن هجومين بغاز سام وقعا بعد موافقة النظام على تدمير اسلحته الكيماوية في 2013 وكذلك الامر بالنسبة الى تنظيم الدولة الاسلامية. وكان مجلس الامن حذر في موافقته على الاتفاق الذي توصلت اليه الولايات المتحدة وموسكو على اثر فشل الرئيس الاميركي باراك اوباما في الوفاء بالتزامه اتخاذ اجراءات في حال تخطي الخط الاحمر الذي كان رسمه لاستخدام النظام السوري الاسلحة الكيماوية ضد شعبه من انه في حال عدم الالتزام وحصل نقل غير مرخص لمواد كيماوية او اي استخدام لاسلحة كيماوية من اي طرف في سوريا فانه سيفرض اجراءات تقع تحت الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة نتيجة خرق ثلاثة قرارات للمجلس على الاقل هي القرارات 2118 و2209 و2235. وفيما رمت واشنطن الكرة في ملعب مجلس الامن من اجل اتخاذ الموقف المناسب، فان المجلس الذي سيناقش التقرير في 30 من الجاري قد يجد نفسه امام معضلة استمرار دفاع روسيا عن النظام وعدم القدرة على اتخاذ اي اجراءات عقابية جدية ضد النظام باعتبار ان العقوبات اسهل ازاء تنظيم الدولة الاسلامية. هذه الخلاصة تفتح بابا اضافيا امام محاسبة النظام راهنا او لاحقا امام المحكمة الجنائية الدولية والتي قد تتولاه دول او منظمات او اشخاص تضرروا من لجوء النظام الى استخدام الاسلحة الكيماوية ضد شعبه.
روزانا بومنصف
النهار