رئيس حزب سوريا المستقبل إبراهيم القفطان: الأسد غير مؤمن بالحوار وهدفه الأساسي العودة إلى ما قبل 2011.. ولن يكون هناك حل في سورية إلا بمشاركة كافة الأطراف الفاعلة
كادت سوريا أن تصبح صومالاً جديداً، مركزا للصراعات والتجاذبات الدولية والإقليمية، وكانت ثرواتها مقصدا وهدفا للطامعين الذين أغلقوا سُبل الحوار والانتقال السلمي للسلطة، وأضحت دمشق كمسلسل يُشاهد أبناؤه حلقاته المؤلمة يوميا، ليبقى حلم السلام أمل كل سوري بقطع النظر عن تعدد الاختلافات الأيديولوجية والسياسية والإثنية والعرقية.
إبراهيم القفطان رئيس حزب سوريا المستقبل، يتحدث في حوار مع المرصد السوري لحقوق الإنسان، عن رؤية حزبه لمآلات الأزمة السورية وخاصة في ظل منعطف هام تمر به الأزمة السورية، وعن سبل حلّ سوري- سوري.
س- عمّقت التمركزات الأجنبية الداعمة للنظام من جانب والمعارضة من جانب آخر(تركيا مثالا )الأزمة، وساهمت في خلق صراع أكبر قسّم الشعب السوري إلى إيديولوجيات مختلفة.. كيف يمكن اليوم تجاوز نتائج أخطاء المعارضة المشتّتة للمضي نحو حل ينهي الحرب ويلم شمل شعب اتّحدت ضده قوى إقليمية وخارجية؟
ج-لاشك في إن القوى الداعمة لكافة الأطراف لها دور في تعميق الأزمة، وخاصة تركيا وبذلك تحولت سورية إلى ساحة للصراع الإقليمي والدولي وتحول الصراع داخل سورية على أساس أيديولوجي.. وخطأ المعارضة يتمثّل أساسا في انعدام وجود مشروع وطني يحل المشكلة السورية بل راحت إلى البحث عن كيفية الإطاحة بالنظام واستبداله بنظام هي تؤسس له، فاعتمدت على تركيا وغيرها من الداعمين الدوليين، ولكن إذا أردنا إنهاء الحرب ولمّ شمل الشعب السوري فلن يتم ذلك إلا من خلال مشروع وطني يتوافق عليه كافة السوريين وبالاعتماد على القرارات الأممية وخاصة القرار 2245.
س- سيد إبراهيم.. حمّلت في أحد حواراتك الصحفية مؤخرا، الحكومة التركية مسؤولية تصدير أزماتها الداخلية للخارج، باستخدام المرتزقة السوريين الذين يقاتلون في ليبيا وأذربيجان، في ظل مساعي القوى الداخلية السورية إلى إرساء الأمن والاستقرار، وإيجاد مخرج للأزمة السورية.. أي قوى تحديدا تقصد؟ وهل تركيا هي من تعطّل الحوار السوري- السوري وتقف سدّا أمام تحقيق الحلول السياسية السلمية؟
ج- من يتابع الوضع التركي سيدرك مانقوله عن تركيا وتصدير أزماتها الداخلية واستنزاف الموارد في التدخلات العسكرية بدل الالتفات إلى أزماتها، والكل يعلم أن أردوغان بات حملا ثقيلا على الشارع التركي الذي سينتفض عاجلا أم آجلا، باعتباره يجازف بمستقبل شعبه وأمن بلاده من أجل طموحاته الواهية، ولا يزال يقحم بلاده في حروب لا طائل منها مستخدما المرتزقة السوريين في حروب مدفوعة بأطماع استعمارية وبحثا عن طموحات شخصية وتنفيذا لأجندة التمكين لجماعات الإسلام السياسي، ما عمّق عزلة تركيا إقليميا ودوليا في السنوات الأخيرة ،إلى جانب خسارته لحلفائه التقليديين من الخليج إلى أوروبا، في حين ينهار الإقتصاد وتتفاقم معدلات البطالة تزامنا مع انتشار وباء كورونا وتداعياته.
– كل ذلك جعل حزب العدالة والتنمية يتآكل في ظلّ استمرار نزيف الإستقالات والإنشقاقات في صفوف أبرز مؤسسيه وقياداته ، علاوة على خسارته بالإنتخابات البلدية في أبرز معاقله في أنقرة وإسطنبول .. في المقابل هناك قوى سياسية تسعى إلى إرساء الأمن والسلام في المنطقة وخاصة مناطق شمال وشرق سوريا والبحث عن بوابة للحل في سورية عبر الحوار مع كافة الأطراف السورية والإقليمية والدولية بما فيها المعارضة المدعومة من تركيا والحكومة السورية ضمن القرارات الأممية والقرار 2254 ، بَيْدَ أن تركيا هي من تقف عائقا أمام الحل وحالة الإستقرار في سورية.. وكما رأينا في عام 2019،وبرغم كل العهود والإتفاقات قامت باجتياح تل أبيض وسري كانيه وإدخال القوى الإرهابية إلى هذه المناطق المحررة من داعش، وهم الآن يعيثون فسادا في البلاد من قتل وتشريد وتهجير، وكان أحد ضحاياهم الأمين العام لحزب سورية المستقبل، الرفيقة هفرين خلف.
س-كنتم قد تحدثتم كثيرا عن الإنتهاكات والتجاوزات التركية شمال سورية خاصة، وعن قضايا الخطف والإغتصاب والقتل والتهجير والإغتيال.. كيف يمكن التصدّي لهذه الممارسات، ولماذا لم يتم الإتّجاه حتى الآن إلى مقاضاة هذا المحتل، دوليا، خاصة بعد جريمة اغتيال الناشطة السياسية هفرين خلف؟
ج-نحن لم ولن نفكر في العداء تجاه أي طرف داخليا كان أو خارجيا، سوريا أو إقليميا، وإنما نفكر كيف نستطيع أن نتعايش مع كافة الأطراف عبر الحوار برغم أننا ندرك ونعلم ونقولها دائما بأن الدولة التركية محتلة ومغتصبة لأراضي سورية وتستخدم أبناء سورية في حروبها وتوسعها العثماني، أما بخصوص مقاضاة الدولة التركية دوليا فيعود العائق إلى مصالح الدول مع تركيا .. نعم اغتيال هفرين ليس مجرد اتهام بل هو حقيقة وهذا ما ارتكبته ميليشياتها ضمن ما يسمى الجيش الوطني وبغطاء تركي، ولا نزال نكرّر مانقوله عن اغتيال الشهيدة هفرين خلف إن تركيا هي من قامت باغتيالها ونحمل وزارة الدفاع التركية والرئيس التركي بصفته الشخصية مسؤولية وقوع الجريمة، ونحن لازلنا نتابع عبر الأمم المتحدة والجنايات الدولية لمحاكمة وزارة الدفاع والرئيس التركي والميليشيات.
س- ما رؤية حزب سورية المستقبل في مآلات الأزمة السورية وخاصة بعد وصول اللجنة الدستورية إلى طريق مسدودة؟
ج- يجب أن يكون الحل سورياً سلمياً وبإرادة وطنية حرة، وهو الأكثر أهمية وإلحاحاً من أي وقت مضى، فالسوريون هم الأحق والأكثر قدرة على صياغة مستقبل بلدهم، ووضع رؤية شاملة تكون بمثابة مشروع وطني يحظى بقبول الشعب السوري بكافة مكوناته وأطيافه وانتماءاته وأن لا تقتصر على أطراف دون أخرى ، بحيث تصبح تلك الرؤية المحرك والدافع الرئيسي لشحذ الجهود الدولية والإقليمية من أجل وقف العنف والتدخلات الإقليمية والدولية وإنفاذ الحل السياسي ضمن وثيقة جنيف والقرار 2254، وكما ذكرتم خاصة بعد وصول اللجنة الدستورية إلى طريق مسدودة،علما أن اللجنة الدستورية بالأصل كانت التفافا على قرارات جنيف وتجميدا للعملية السياسية وتصعيدا للحالة العسكرية وأصبحت أكثر جذباً للجهود والإمكانيات الدولية والإقليمية على حساب التسوية السياسية،وكذلك فشل اللجنة الدستورية لعدم مشاركة كل الأطراف السورية ومن ضمنها شمال وشرق سورية.
س- سيّد إبراهيم، ماهي سبل حل الأزمة السورية داخليا وخارجيا حتى تكون سورية لكل السوريين بعيدا عن صراع الإيديولوجيات؟
ج-سبل الحل من خلال مشروع يعتمد على الوطنية والمواطنة وهي بوابة للحل وليس الدين أو القومية وبذلك نستطيع التخلص من أي مشروع أيديولوجي، وأن يكون لكل الأطراف السورية دور في إدارة شؤونها بذاتها كما هو الحال في شمال وشرق سوريا من خلال الإدارة الذاتية.
س- قلت سابقا يمكن أن تكون مصر قبلة حل أزمات المنطقة العربية، ما هي العوامل التي تجعلها كذلك وقادرة على حلحلة الأزمة؟
-ج- نحن دائما نعول على الموقف العربي في حل الأزمة السورية ومن خلال تعويلنا على الموقف العربي وعلى مصر بالذات الممثلة بالجامعة العربية، وهي الدولة الوحيدة عربيا، نظرا لثقلها في المنطقة وعلاقاتها الدولية، التي تستطيع الوقوف في مواجهة تركيا برغم تغيبها طوال هذه الفترة عن شأن الأزمة السورية، ولا ننكر أن منصة القاهرة كان لها دور كبير في طرح حلول على لسان وزير خارجيتها سامح شكري، الذي أكد أن لا حلّ في سورية إلا بمشاركة كافة الأطراف الفاعلة وتركز طرحه على عشر نقاط يمكن الإعتماد عليها لحل الأزمة السورية ومن خلال قرارات جنيف.
س- هل تمدّون أيديكم للحوار مع الحكومة السورية من أجل استشراف حلول للأزمة، وما هي شروطكم؟
ج- نحن نمد أيدينا إلى كافة السوريين إن كانت الحكومة السورية أو المعارضة، لاعتقادنا أنه لن يكون هناك حل إلا بمشاركة كافة الأطراف الفاعلة، ونقول دائما من حيث المشكلة يكون الحل .. أما بخصوص الشروط فنرى أهمية صياغة دستور لسورية بأيدي سوريين وبمشاركة كافة الأطراف وأن يتضمن حقوق كافة مكونات الشعب السوري من عرب وكرد وتركمان.
س- لماذا فشلت المعارضة السورية في لمّ شتاتها وشملها من أجل التأسيس لمشروع وطني ديمقراطي ينهي الحرب ؟ ماهي معوقات ذلك؟
ج-نحن ما نراه هو أن المعارضة لم يكن لديها مشروع وطني بل كان مشروعها هو إزالة الأسد والجلوس مكانه، لذلك لجأت إلى عسكرة الثورة عبر الدعم الخليجي والتركي ولن تستطيع لم شتاتها لأنها بالأصل أصبحت مرهونة لدول ولم تكن مرهونة للقضية السورية وهذا ما رأيناه من خلال ارتهان الشباب السوري في حروب ليس لنا فيها ناقة ولا جمل . وتستطيع المعارضة التخلص من ذلك من خلال إيمانها بأن الحل لن يكون عبر البوابة التركية أو الإستعانة بالخارج، بل يجب أن تؤمن بأنه لا حل إلا من خلال الحوار مع الأطراف السورية والجلوس على طاولة الحوار السوري السوري.
س- حديث بشار الأسد لوكالة”روسيا سيغودينا” مؤخرا، يحتمل أكثر من معنى حيال قضايا نهاية الحرب من تواصلها، فهو خالف الموقف الروسي، الذي أعلنه سيرغي لافروف، في ما يخصّ الوضع العام القتالي في سورية، حيث أعلن لافروف أن الحرب في سورية انتهت، وأن العمل ينصبّ على مفاوضات اللجنة الدستورية.. ما حقيقة المشهد؟
ج-لا شك في أن الأسد والحكومة السورية غير مؤمنين بالحوار وهدفهم الأساسي هو العودة إلى ما قبل 2011، عبر إعادة المناطق قاطبة بالقوة العسكرية ،لذلك يرى أن الحرب في سورية لم تنتهِ ..وقد طالبنا الحكومة السورية بالحوار وعودة كافة المناطق التي تدار من قبل الإدارة الذاتية إلى الدولة السورية عبر شرط لامركزية الدولة، ويعلم الجميع أنه عند اجتياح الإحتلال التركي طالبنا الحكومة السورية بأن تغطي هذه المناطق بالقوات السورية .. أما سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي فهو ينظر إلى مناطق الشمال السوري على أنها مستقرة ويمكن إعادتها عبر بوابة الدستور، أما المليشيات الموالية لتركيا فالعالم برمته يصنفها جماعات إرهابية ويجب محاربتها .. وهذا هو أحد أسباب الخلاف بين الرأي الروسي ورأي الحكومة السورية .
س-ما تعليقك سيد إبراهيم، على دعوة الأسد الأمريكيين والأتراك إلى الخروج من البلاد، وتشديده على أن وجودهم سيؤدي إلى المقاومة الشعبية؟.. ولماذا لم يتم التطرق إلى التدخل الروسي أيضا؟
ج- من حيث الظاهر هو طلب شرعي، لكن هل الحكومة السورية استطاعت حماية هذه المناطق من الإرهاب الداعشي الذي عاث فسادا في أمن المنطقة لأكثر من أربع سنوات وهو يقتل أبناء المناطق التي استولى عليها الإرهابي؟ تمدد الإرهاب الداعشي هو ما دعا التحالف الدولي إلى الدخول إلى سورية، ليس على صعيد سورية فحسب بل على صعيدالمنطقة والعالم، وأصبح هناك تحالف مابين قوات سورياة الديمقراطية والتحالف الدولي لمحاربة الإرهاب وسبب ذلك عجز الحكومة السورية عن مجابهة قوى الإرهاب، والكل يعلم بأن مبعوث أمريكا إلى سورية أكد خروج القوات الأمريكية من سورية ضمن شروط وهي إنهاء الإرهاب في المنطقة وخروج إيران والتسوية السياسي، ولم يتمّ التطرق إلى القوات الروسية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، لكن تركيا تختلف عن التحالف الدولي لأنها دولة محتلة وهي الآن تتعامل مع المناطق التي تسيطر عليها على أنها جزء من الأراضي التركية من خلال رفع العلم التركي وتدريس اللغة التركية والتعامل بالعملة التركية، ونحن بدورنا نؤكد على خروج القوات التركية من المناطق المحتلة وأيضا كافة القوى الأخرى ..أما عدم تطرقه إلى روسيا فلأن حضورها جاء بناءً على طلب من الحكومة السورية ويعتبرونه طلبا شرعيا لكونه حليفا لسوريا منذ الستينيات.
س- كيف يمكن تصور الوصول إلى أرضية مشتركة والتوافق على حل يرضي كافة الأطراف في واقع تراكم الأزمات ؟
ج-أن يكون هناك ضغط جماهيري جديد في مناطق الحكومة السورية وخاصة بعد العقوبات الإقتصادية من خلال قانون قيصر وهي إحدى الوسائل الملزمة للحكومة السورية للسعي نحو حلّ الأزمة والجلوس على طاولة الحوار، إلى جانب تحركات شعبية في كامل سورية في رسالة إلى كل القوى الإقليمية والدولية بضرورة احترام إرادة الشعب السوري وتطلعاته بعيدا عن الهيمنة.