رحلة «جيش الإسلام» إلى الشمال السوري ومستقبله
غادر مسلحو جيش الإسلام الغوطة الشرقية بعد اتفاق مع الجانب الروسي رعته المخابرات المصرية بوساطة القيادي في المعارضة السورية أحمد الجربا في 18 نيسان/ابريل الماضي، وهو الاتفاق الذي اعتبرته الحكومة السورية انتصارا للجيش والقوات الحليفة.
لكن السؤال بات أكثر إلحاحا لمعرفة مستقبل جيش الإسلام الذي كان في يوم ما يُعد من أكبر الفصائل السورية المسلحة عدة وعددا وتمويلا، وهو الأكثر خطورة على النظام لانتشاره على تخوم العاصمة دمشق.
اعتاد مقاتلو جيش الإسلام على نمط عسكري امتاز بدقة التنظيم ووحدة القيادة ومركزيتها والتماسك إلى حد ما قياسا إلى الفصائل الأخرى، إلى جانب الالتفاف حول قياداتهم ما يدعو لرفض احتمالات القبول بخيار الذوبان في الجيش الوطني واحتمالات الالتحاق به مع الحفاظ على هيكلة تنظيمية خاصة به ككيان عسكري متماسك ضمن تحالف واسع من فصائل عدة يتشكل منها الجيش الوطني.
وسادت أوساط جيش الإسلام في فترات متفاوتة حالة من الانقسام وتعدد الأجنحة وتناقض بعضها مع البعض الآخر في جوانب تتعلق بالتنافس على النفوذ والخلافات العقدية بين أهم جناحين يمثل أحدهما عبد الرحمن كعكة، والمحسوب على الجناح المتشدد في مقابل الجناح الأقل تشددا الذي يقوده عصام بويضاني القائد العسكري العام للجيش.
نظم جيش الإسلام استعراضا عسكريا كبيرا في مدينة دوما في الغوطة الشرفية عام 2015 كنقطة انطلاق لشن هجمات «مفترضة» على العاصمة التي لا تبعد عنه سوى عدة كيلومترات، لكن الجيش وبحلول اذار/مارس الماضي لم يكن أمامه خيارات يناور بينها فكان عليه اختيار الاستسلام والخروج من الغوطة بعد تسليم أسلحته ومعداته، أو القتال حتى النهاية في الدفاع عن معقله الأخير بمواجهة طيران النظام والطيران الروسي المكثف الذي استهدف المدينة بشكل عشوائي.
لم تكن رحلة جيش الإسلام إلى الشمال السوري مرحبا بها من قبل معظم الفصائل الأخرى التي سبق ان دخل معها بقتال في أكثر من مكان خلال سنوات الثورة، وتعرض مسلحوه المهجرون قسريا في مناطق فصائل درع الفرات في ريف حلب الشمالي الشرقي لضغوط ومضايقات كبيرة منذ بداية وصولهم في الأول من نيسان/ابريل الماضي في قوافل أقلت مسلحين ومدنيين رفضت فصائل درع الفرات دخولهم إلى مناطق سيطرتها وعدم السماح لها بمغادرة معبر أبو الزندين قرب مدينة الباب التي تسيطر عليها فصائل درع الفرات الحليفة للقوات التركية إلا بشروط معينة.
ونقل ناشطون عبر وسائل التواصل الاجتماعي في روايات متطابقة تعرض مهجري دوما عموما لإهانات وشتائم من قبل عناصر قوات النظام في معبر أبو الزندين الفاصل بين سيطرتها وسيطرة فصائل درع الفرات، أدت هذه المضايقات لقبول قادة جيش الإسلام بشروط فصائل درع الفرات بغية السماح للمهجرين بمغادرة مناطق سيطرة النظام والدخول إلى مناطق سيطرة فصائل درع الفرات التي تذرعت بدواع أمنية أجلت الموافقة على دخول المهجرين.
لكن لم تكن ذريعة الدواعي الأمنية أو كثرة أعداد المهجرين وعدم كفاية الاستعدادات لاستقبالهم مقنعة للأهالي والناشطين في مناطق درع الفرات الذين خرجوا في تظاهرات طالبت بدخول قوافل المهجرين واقتسام المأكل والمأوى معهم.
استقالة محمد علوش
وفي اتصال بـ «القدس العربي» توقع مصدر خاص قال انه كان في بدايات الثورة السورية مستشارا عسكريا وأمنيا لجيش الإسلام، ومن مؤسسي الجهاز الأمني فيه، ان «مستقبل جيش الإسلام سيكون بلا دور قيادي، ولن يكون له ثقل في الساحة السورية بعد ان أقدم على اغضاب السعودية الجهة الراعية له بعد مفاوضات تسليم الغوطة الشرقية في صفقة روسية رعتها المخابرات المصرية وأحمد الجربا، من خلال القيادي في جيش الإسلام محمد علوش، حيث ان ذلك كان خلاف الرغبة السعودية في ذهاب جيش الإسلام بعيدا في علاقاته وتنسيقه مع روسيا».
وبعيد خروج مقاتلي جيش الإسلام وتهجيرهم إلى الشمال السوري، قدم رئيس المكتب السياسي محمد علوش استقالته من الجيش.
وكان علوش قد ذكر في بيان استقالته انها جاءت لإفساح المجال أمام الطاقات الجديدة لتأخذ دورها في العمل الثوري والسياسي الذي يرى ناشطون مهجرون من الغوطة الشرقية انه انتهى «بتهجيرنا من أرضنا، وان جيش الإسلام لن يعود إلى قوته رغم كل محاولات الإنعاش» التي يقوم بها قادته.
ويرى مراقبون ان استقالة القيادي في جيش الإسلام محمد علوش من منصبه مؤشر مهم على مستقبل الجيش مع انتهاء دوره الموصوف بانه «عرّاب المصالحات» مع روسيا.
وجاءت استقالته في ظل واقع ميداني يشير إلى تهجير جيش الإسلام من معاقله في الغوطة الشرقية والقلمون الشرقي وبلدات في جنوب العاصمة من خلال اتفاقات مع قوات النظام لعبت أطراف عدة دور الوسيط بضمانات روسية.
في عدد من جولات مفاوضات استانة قاد علوش وفد قوى الثورة والمعارضة السورية مع وفد النظام السوري، وهي المفاوضات التي بدأت مطلع عام 2017 بعد أسابيع من خسارة المعارضة المسلحة مدينة حلب برعاية روسيا ومشاركة إيران كطرف ضامن للنظام وتركيا كطرف ضامن لفصائل المعارضة المسلحة.
وتحدث المصدر عن ان «العلاقات بين قائد الجيش زهران علوش، الذي اغتيل فيما بعد والقيادي فيه محمد علوش، هي من أجل الدعم المالي الذي يحصل عليه علوش من الشيخ عدنان العرعور» ووصف «المصدر» محمد علوش بانه «الصبي المدلل للعرعور والمخابرات السعودية».
ويذكر المصدر ان زهران علوش في المراحل الأخيرة من قيادته للجيش قبل مقتله «أبعد محمد علوش عن المكتب السياسي وظل فترة لا بأس بها مطرودا من الجيش ولا تربطه أي صلة تنظيمية بالجيش».
وكان مقتل زهران علوش فرصة مؤاتية لمحمد علوش الذي عاد ليرأس المكتب السياسي مرة أخرى «لأن قيادات الجيش تدرك ان محمد علوش هو من أهم بوابات استدراج الدعم المالي لارتباطه الوثيق بالشيخ عدنان العرعور الذي يعد من أهم ممولي الفصائل السورية وحلقة الوصل بينها والجهات والدول الداعمة» على حد قول المصدر الخاص الذي يؤكد ان «محمد علوش لم يكن له أي دور تشاوري في الشأن السياسي مع القيادات الميدانية رغم ترؤسه المكتب السياسي، بل انه كان على غير توافق معهم في معظم المواقف السياسية».
وفي مرحلة متأخرة من عام 2016 «تعرض الشيخ عدنان العرعور لضغوط أو شحة في الأموال لسبب أو لآخر» كما قال المصدر الذي رآى ان «محمد علوش أصبح في وضع لا يحسد عليه بسبب مناقشات داخل قيادات الصف الأول للجيش تدور حول ضرورة استبعاده لانتفاء الحاجة إليه».
لكن علوش «نجح» وفقا للمصدر، في «تجاوز هذه المعضلة بالانفتاح على القيادي في المعارضة السورية أحمد الجربا الذي يمثل منصة القاهرة الموالية للجانب الروسي والذي تفاهم مع علوش بعد اجتماعات مشتركة في القاهرة تلقى بعدها علوش دعما تشير معلومات من داخل الجيش إلى انها عشرة ملايين كجزء من مبلغ تسلمه الجربا من إحدى دول محور النظام».
ويجد المصدر ان استقالة محمد علوش بعد خسارة الغوطة الشرقية «تعد أمرا طبيعيا ومتوقعا بعد حملات شنها ناشطون من جيش الإسلام في مواقع التواصل الاجتماعي بلغت حد اتهامه بخيانة الثورة السورية وجيش الإسلام».
وتأتي استقالته أو «إقالته من قيادة الجيش بشكل مهذب» كما يصفها المصدر الخاص، لتجنب تداعيات «حملات التسقيط التي تعرض لها واحتمالات انعكاسها على جيش الإسلام وقياداته وسمعته بين مؤيديه».
وفي حال تسلم جيش الإسلام إدارة مدينة الرقة بتفاهمات دولية، كما تتحدث بعض التقارير، فإن ذلك يعني، حسب المصدر، «تمهيدا لتسليمها بشكل رسمي للنظام السوري».
ويختم المصدر لـ «القدس العربي» باحتمالات «تكليف جيش الإسلام بدور مرحلي إذا نفذت الولايات المتحدة فكرة إرسال قوات عربية إلى سوريا ليكون مقاتلو الجيش قوة رديفة أو بديلة عن المساهمة السعودية المفترضة في القوة العربية».
إعادة ترتيب أم تحالفات جديدة؟
خرج جيش الإسلام بعد تسليم أسلحته الثقيلة والمتوسطة لقوات النظام ما يجعل دوره القتالي في حال أعاد ترتيب صفوفه أو دخل في تحالفات مع فصائل أخرى أقل فاعلية وأدنى مستوى في مراكز القرار التي عادة ما يتبوأها الذين لديهم العدد الأكبر من المقاتلين وسلاح متوسط وثقيل أكثر من غيرهم، إلى جانب العلاقات الخارجية والتمويل والدعم الخارجي، وقد تكون هذه الورقة هي الوحيدة التي تجعل التحالف مع جيش الإسلام مقبولا من فصائل أخرى هي بالأساس ليست على وفاق مع الجيش لكنها الضرورة المكانية التي اقتضت ان يتواجد جيش الإسلام في جغرافية أعداء الأمس وخصومه، مثل فيلق الرحمن وفصائل درع الفرات.
ورأى الناشط السوري الأكاديمي عمار المصري في رده على سؤال «القدس العربي» عن تداعيات انتقال عناصر الجيش وقياداته إلى الشمال السوري، ان مستقبل «جيش الإسلام ومصيره سيكون مشابها لمصير فصائل الاتحاد الإسلامي وفيلق الرحمن التي ارتبط وجودها وبرنامجها بأسس مناطقية ضيقة لا تتناسب مع سعة أفق الثورة السورية التي تنظر إلى كل الأراضي السورية بذات النظرة إلى مناطق سيطرتها ونفوذها».
وتحدثت احصائيات عن ان 10408 أشخاص دخلوا إلى مناطق درع الفرات في الدفعة الأولى بينهم 1000 مسلح تم نزع أسلحتهم التي اصطحبوها من الغوطة، وهي خفيفة، ويقدر عدد المسلحين الذين غادروا الغوطة بنحو 10 آلاف مسلح إلى جانب عشرات آلاف المدنيين تم تهجيرهم إلى الشمال السوري.
خيارات مستقبلية
بدت الخيارات المستقبلية لجيش الإسلام تحتكم إلى معطيات جديدة تفرض عليه قطع صلاته بالممولين الذين هم على علاقات غير ودية مع الجهات الراعية لفصائل درع الفرات، والانخراط أو التخلي عن مسماه وهيكله التنظيمي والذوبان بالجيش الوطني السوري الذي تتشكل نواته من فصائل درع الفرات الحليفة لتركيا وخوض معارك هذا الفصيل مستقبلا، وهي معارك قد لا يجد جيش الإسلام في أهدافها ما يتوافق مع أهدافه سواء في المكاسب المتحققة أو الفصائل التي سيخوض مقاتلو الجيش القتال ضدها، وبعضها من الفصائل التي لم يسبق للجيش ان دخل معارك معها وهي لم تكن ذات يوم ضمن نقاط تماسه، مثل قوات سوريا الديمقراطية التي تتلقى دعما من الولايات المتحدة والدول الحليفة التي هي ذاتها التي كانت تمول جيش الإسلام.
في 26 نيسان/نيسان أجرى قادة جيش الإسلام جولة تفقدية في مخيمات إيواء المهجرين والمقاتلين قرب مدينة الباب وقرب مدينة جرابلس ومدينة اعزاز ضمن نطاق سيطرة فصائل درع الفرات في ريف حلب لطمأنة عناصره وتوضيح رؤية القادة لمستقبل الجيش ومقاتليه، واحتمالات الاندماج مع الفصائل الأخرى ضمن تشكيل الجيش الوطني السوري.
سيكون على جيش الإسلام إعادة البحث عن موارد مالية لديمومة ما يؤمن لعناصره تكاليف مترتبة على الانتقال إلى مناطق جديدة بعد ان خسر مصادر تمويل مثل إيرادات الانفاق والرسوم التي يستوفيها الجيش، وفقا لتقارير، على السلع المارة عبرها لكسر حصار قوات النظام على مناطق سيطرة الجيش.
لكن استقالة محمد علوش وإخراجه من الغوطة الشرقية بشكل نهائي «ربما يعني اقرارا رسميا بان هذا التشكيل لم يعد موجودا بشكل فعلي وقادر على ان يكون رقما في معادلة الفصائل والمشهد العسكري بشكل عام» كما يقول المصري الذي أرجع ذلك إلى «ارتباط وجود الجيش عضويا بمناطق ريف دمشق التي حاول التوسع منها شمالا والتي باءت بالفشل نتيجة الموقف السلبي لرفاق دربه الأوائل في جبهة تحرير الشام».
ويرسم المصري، صورة لمستقبل جيش الإسلام بانه «سيذوب ضمن فصائل الشمال».
ورغم ان هيكلة الجيش الوطني في الشمال السوري لم يتم الإعلان عنها، بل «لم تتبلور فكرته باتجاه خطوات عملية»، كما قال المصري إلا أنّ «الجميع بانتظار ظهور هذا الجيش الوطني الذي ستكون عناصر وقيادات فصائل الشمال السوري هي الغالبية في بنية المكون الجديد».
رائد الحامد
المصدر: القدس العربي