روسيا بين أيلولين
في ايلول 2015 كانت المهمة العاجلة لروسيا في سوريا هي إنقاذ النظام من السقوط يوم كان “جيش الفتح” المدعوم من تركيا ودول الخليج العربية والذي يمتلك سلاحاً أميركياً نوعياً، يتوغل في اللاذقية بعدما سيطر على كامل ادلب باستثناء بلدتي الفوعة وكفريا. وقد وفر التدخل الروسي العسكري للجيش السوري الانتقال من الدفاع الى الهجوم.
اليوم الجيش السوري يحاصر حلب بما يعنيه ذلك من معادلات ميدانية باتت صعبة على المعارضة بكل صنوفها من جهادية و”معتدلة” إذ يمكن ان تحدث فيها خرقاً نوعياً. وها هي الولايات المتحدة تستدعي تركيا الى سوريا براً للوقوف في وجه المعادلة التي فرضها محور موسكو – طهران، علما ان استدعاء تركيا فيه تضحية من الولايات المتحدة بأكراد سوريا الذين كانوا يقتربون من اعلان الكيان السياسي الخاص بهم على امتداد الشريط الحدودي للشمال السوري. اليوم بات هذا المشروع موضع شك بعد توغل الدبابات التركية؛ التي يستحيل في الحسابات الكبرى للدول ان تكون موجهة ضد “داعش” وحده.
في المفهوم الاستراتيجي تركيا في سوريا هي للحد من النفوذ الروسي على رغم كل الدفء الذي دب في أوصال العلاقات التركية – الروسية أخيراً.
وعندما تجري أميركا جردة حساب للمكاسب التي حققتها روسيا في سوريا خلال سنة من تدخلها العسكري، فهي تجد ان موسكو باتت القوة الأكثر تأثيراً في الساحة السورية. وأقر الرئيس الاميركي باراك اوباما على نحو غير مباشر بهذه الحقيقة على هامش مشاركته في قمة مجموعة الدول العشرين في مدينة هانغتشو الصينية في وقت سابق من الاسبوع الجاري، إذ قال في معرض انتقاد دور روسيا في سوريا، إنه لا يمكن ايجاد حل في سوريا من دون التعاون مع موسكو. طبعاً هذا الكلام موجه الى الرؤوس الحامية في الداخل الاميركي التي تدعو الى اعتماد أميركا خيارات في سوريا بعيداً من موسكو.
بعد سنة من التدخل العسكري في سوريا، بات الدور الروسي في المنطقة أكبر بكثير الى درجة تثير قلقاً في واشنطن. فروسيا موجودة اليوم حيث فشلت أميركا. والدعوة الروسية الى قمة فلسطينية – اسرائيلية في موسكو لإعادة اطلاق المفاوضات على المسار الفلسطيني، لا تسعد صانعي القرار في الولايات المتحدة. وعندما تتمكن موسكو من الاتفاق مع السعودية على خطوات لمعالجة تدهور أسعار النفط، فإن ذلك لا يشكل نبأ ساراً للبيت الابيض. فالروسي يلعب الآن في الملعب الاميركي عندما يتولى ملف الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي، وعندما يتمكن من اقناع السعودية بضرورة وضع آلية لكبح تدهور اسعار النفط.
لا شك في ان روسيا بعد سوريا، هي غير روسيا قبل 30 أيلول 2015.
سميح صعب
المصدر: النهار