روسيا وتركيا.. شراكة غير متكافئة

61

“معاهدة غير متكافئة” هو الاسم الذي أطلقته الصين على سلسلة من الاتفاقات التي أُجبرت على توقيعها مع الدول الغربية وروسيا واليابان في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. باتت الاتفاقيات رمزا للعلاقات التي تُضطر فيها دولة واحدة إلى تقديم تنازلات مهينة لقوى أجنبية.

ومنذ أن أسقطت الطائرات التركية طائرة حربية روسية فوق الحدود السورية في عام 2015، اتبعت العلاقات الثنائية بين تركيا وروسيا نمطا مماثلا. تمارس روسيا الآن الوصاية على تركيا، الأمر الذي يؤثر حتى على السياسة الداخلية في تركيا. خلال أربع سنوات، أصبحت روسيا أحد أصحاب المصلحة الرئيسيين في مجالات حاسمة في السياسة الخارجية التركية، من القضية الكردية إلى الدفاع الوطني.

قامت طائرة مقاتلة روسية من طراز سو – 35 برحلات تجريبية فوق إسطنبول هذا الشهر، في واقعة رمزية. وعلى الرغم من أن الطلعة الجوية كانت جزءا من معرض جوي، فقد قدمها الجانبان التركي والروسي على أنها تحمل أهمية رمزية كبيرة.

ونقلت وكالة “تاس” الروسية للأنباء عن متحدث باسم الهيئة الاتحادية الروسية للتعاون الفني العسكري قوله إن البلدين يتفاوضان بشأن بيع محتمل للطائرات المقاتلة الروسية. كما لم يستبعد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إمكانية شراء الطائرات الروسية بدلا من طائرات أف – 35 الأميركية الصنع.

كانت الولايات المتحدة قد استبعدت تركيا من برنامج بناء وتشغيل طائرات أف – 35 في يوليو بعد أن تسلمت صواريخ الدفاع الجوي الروسية أس – 400. وعلى الرغم من الانتقادات المتزايدة من حلفائها الغربيين، إلا أنه لا يبدو أن تركيا ستتخلى عن شراء منتجات الدفاع الروسية.

وعلى الرغم من أن أردوغان يبدو عازما على الاستفادة من الورقة الروسية، إلا أن ثمة مشكلة كبيرة في علاقاته مع روسيا، إذ تجاهلت موسكو استراتيجية تركيا ضد الرئيس السوري بشار الأسد. كما اكتسبت روسيا نفوذا في قضية أكراد سوريا.

وأصبحت تركيا، وهي إحدى الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، تدريجيا جزءا من شبكة معقدة من العلاقات تُعد فيها روسيا القوة المهيمنة. هذه مفارقة كبرى في سياسة أردوغان الخارجية: لقد حاولت تركيا إقامة تحالف جديد مع روسيا، تلك الدولة التي دمّرت هدفها القائم على الإطاحة بحكومة الأسد.

كما أن الطبيعة غير المتكافئة لعلاقات تركيا مع روسيا ملحوظة في مجالات أخرى، مثل نظام التأشيرات بين البلدين أو صادرات تركيا. وفي كل حالة، لدى موسكو القول الفصل. لكن من المدهش أنه على الرغم من الموجة القومية في الداخل، فإن أردوغان لا يشعر بالقلق من نفوذ روسيا المتزايد. ومن المثير للاهتمام، أن المشاعر القومية الإسلامية في تركيا إما صامتة بشأن روسيا وإما إيجابية. ولا ينتقد أردوغان أو حلفاؤه المتطرفون في حزب الحركة القومية روسيا.

لكن الأمر لا يقتصر فقط على أن أردوغان وراء تقارب تركيا مع روسيا. فوزير الدفاع خلوصي أكار، الذي كان يشغل منصب رئيس أركان الجيش خلال محاولة الانقلاب الفاشلة في عام 2016، يشكل أيضا الاستراتيجية التركية بشأن روسيا. يرى أكار أن شراء صواريخ أس – 400 الروسية مسألة تتعلق بالسيادة والاستقلال. ولدى قادة أتراك آخرين الرأي نفسه. فقد قال وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو إن جوهر المشكلة التي فشلت الولايات المتحدة في فهمها هو أن تركيا لم تعد خاضعة لنفوذها.

من وجهة نظر روسيا، يبدو أن استراتيجية الرئيس فلاديمير بوتين تجاه تركيا تمثل على الأرجح واحدة من أكبر نجاحاته في السياسة الخارجية. لقد قام بوتين بتحويل تركيا من حليفة رئيسية للولايات المتحدة، إلى جرح نازف داخل حلف الناتو.

لكن بالنسبة لبوتين، فإن إبقاء تركيا داخل حلف الناتو قد يكون أفضل من رؤيتها تنسحب بالكامل من التحالف الغربي. الرئيس الروسي ذكي بما فيه الكفاية ليدرك أن إبقاء تركيا في مأزق بين روسيا والغرب في صالحه.