سوء الأحوال المعيشية والتضييق الأمني.. أسباب عديدة تدفع الشباب السوري للهجرة بعد عقد من الحرب في سوريا
أسهمت الحرب المستمرة منذ ما يزيد عن عقد من الزمن في سوريا إلى تغيير مستقبل فئة كبيرة من الشباب، ووضعت أمامهم العديد من العراقيل والتحديات فكانت الهجرة لخارج البلاد ملاذاً لهم للبحث عن مستقبل أفضل.
وبدت مناطق سوريا تشهد في الآونة الأخيرة موجة هجرة جماعية للكثير من الشباب من جميع مناطق سوريا وعلى اختلاف جهات السيطرة، للهروب من الواقع المعاش من انهيار الاقتصاد وتردي الأوضاع المعيشية، وخوفاً من الحالة الأمنية وانعدام سبل الحياة الكريمة التي يتطلع إليها الشباب ويرسموا فيها ملامح مستقبلهم.
وتتنوع أسباب الهجرة بين كل منطقة في سوريا على اختلاف جهات السيطرة من مناطق سيطرة النظام والميليشيات المساندة له ومناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية ومناطق سيطرة الفصائل الموالية لتركيا وكذلك مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام.
ويبقى هناك أسباب مشتركة ومن أهمها تردي الأوضاع المعيشية والتضييق الأمني، ففي مناطق سيطرة النظام تزداد نسبة الطلب على جوازات السفر والتأشيرات في الدوائر الحكومية للسفر إلى دول مختلفة من أبرزها مصر التي تسهل حركة دخول السوريين وتستقبلهم وبسبب المعاملة الحسنة التي يتعامل بها الشعب المصري مع اللاجئين السوريين ومشاركتهم بسوق العمل.
كما شهدت الآونة الأخيرة تزايداً في عمليات الخروج من مناطق سيطرة النظام باتجاه الشمال السوري عبر طرق التهريب بتكاليف باهظة، هرباً من الواقع المعاش من غلاء المعيشة والتضييق الأمني لاسيما التجنيد الإلزامي الذي يلاحق الشباب، ويكمل العديد منهم طريقه بعد وصوله لمناطق سيطرة فصائل المعارضة في شمال غرب سورية باتجاه تركيا ومنها إلى دول أوروبية، وتشهد الحدود السورية التركية حركة هروب مستمرة وبشكل يومي لمدنيين لاسيما من فئة الشباب للدخول إلى تركيا.
وتختلف طرق الخروج من المناطق السورية بحسب جهات السيطرة فيها، وتواجه الشباب العديد من العراقيل والمتاعب ليتمكنوا من الخروج.
ويواجه الشباب تحديات كبيرة تعيقه عن الهجرة، منها التكاليف الباهظة، فمن لا يستطيع السفر عبر الطرق الرسمية كالسفر عبر الطيران أو البر من مناطق سيطرة النظام يجب عليه التوجه إلى الشمال السوري عبر طرق التهريب المحفوفة بالمخاطر وبمبالغ كبيرة تصل لأكثر من 3 آلاف دولار أمريكي عن الشخص الواحد، ثم تبدأ رحلة تهريب جديدة إلى تركيا ومنها إلى دول الإتحاد الأوروبي.
الناشط (أ.خ) يتحدث لـ”المرصد السوري” عن أهم الأسباب التي تدفع الشباب السوري للهجرة خصوصاً في هذه المرحلة، قائلاً من المعلوم أن الشاب السوري يعرف بطموحاته دائماً وتطلعه لمستقبل جميل يرسم ملامحه منذ بداية المراحل الأولى من حياته، فالبحث عن هذا المستقبل وتحديد مسار لحياته هو الدافع الأكبر الذي جعل الشاب السوري يسافر من سوريا خلال هذه المرحلة بعد كل ما عانته البلاد من دمار على جميع الأصعدة.
مضيفاً، يحق لكل فرد أن يغادر المكان الذي لا يجد فيه تحقيق طموحاته وأحلامه بل ويقيده عن إنجاز أي شيء في حياته وهذا مايحدث في سوريا حقيقة، فالشاب أصبح الزواج بالنسبة له هاجس بسبب عدم توفر المال، وأصبحت الدراسة ليست بالمستوى المطلوب وخصوصاً فيا يتعلق بالجامعات في الشمال السوري التي لا تحظى باعتراف دولي، وأصبح العمل والوظيفة حلم بالنسبة للشاب السوري، ناهيك عن التضييق الأمني والملاحقة والنزوح الداخلي لآلاف الشباب.
موضحاً، أن هذه البيئة بشكلها الحالي ليست بالبيئة المناسبة ليكمل فيها الشاب حياته بشكل جيد ويعيش حياة كريمة تتماشى مع تطلعاته، فكانت الهجرة الحل الأمثل لهؤلاء الشباب خصوصاً مع توفير بعض الدول أساسيات عيش مناسبة وإتاحة الفرص للعمل والدراسة وتحصيل المال وسبل التأقلم بشكل سريع مع شعوب هذه الدول خصوصاً ألمانيا والسويد والنرويج وبعض الدول العربية مثل مصر .
ويشير أن السنوات الأولى للثورة السورية كانت تحتم على الكثير من الشباب البقاء في سوريا بسبب الأحداث المتسارعة من مظاهرات سلمية للمطالبة بالحرية ورفض الاستبداد ثم ما تبعه من قصف ودمار وقتل ومعارك، لكن في الوقت الراهن تشهد البلاد حالة من الهدوء النسبي تزامن مع انهيار الاقتصاد وغلاء أسعار المعيشة فضلاً عن الجهات المسيطرة التي تضييق على فئة الشباب بشكل كبير من تجنيد إلزامي في مناطق سيطرة النظام وقوات سوريا الديمقراطية وانتشار ظاهرة البطالة بشكل كبير في جميع المناطق وانعدام سبل الحياة.
مؤكداً أن جميع هذه الأسباب دفعت الكثير من الشباب للهجرة في الفترة الأخيرة وخصوصاً بعد العام 2019 الذي شهد موجة نزوح كبيرة إلى الشمال السوري.
ومع هجرة آلاف الشباب السوريين خارج البلاد يبقى مشروع الهجرة غاية وهدف يطمح إليه الكثير ممن لازالوا في الداخل السوري، وفي شهادته لـ”المرصد السوري” يتحدث الشاب(م.أ) وهو نازح من ريف حماة الغربي ويقطن في بلدة كفرتخاريم في ريف إدلب الشمالي قائلاً، لم يعد هناك ما يشجع على البقاء في سوريا ومتى ما توفر لدي المال فلن أبقى هنا للحظة واحدة، فكل شيء بحاجة إلى إعادة تأهيل وترميم لتصبح الحياة كريمة وتتناسب مع تطلعات الشاب السوري.
مضيفاً، أصبح السفر لتركيا أو أي دولة أوروبية هو سقف أحلام الشاب السوري ليتمكن من تأمين مستقبله بعد سنوات الحرب المدمرة التي عاينها ولعدم وجود بوادر أو أمل بِحل قريب يمكن التعلق به للبقاء، ففي الشمال السوري يوجد مئات الشباب الخريجين وبكافة الاختصاصات لكن الوظيفة باتت بالمحسوبية ولا أحد ينظر للكفاءة العلمية، فالشاب الذي قد تزوج منذ سنتين أو ثلاث وقد رزق بطفل وبدأ يتحمل المسؤوليات يتحتم عليه البحث عن عمل يضمن به معيشة كريمة.
كما يؤكد بدوره أن الوقت الحالي يشهد موجة هجرة كبيرة جداً للشباب السوريين من كافة المناطق السورية وتزداد بشكل مستمر ولو أن الإمكانيات المادية متوفرة لشهدنا موجة هجرة بشكل أوسع أو لو كان هناك تسهيلات من قبل دول الجوار مثل لبنان والأردن من جهة مناطق النظام وتركيا من جهة الشمال، ومع وجود الصعوبات إلا أن هناك هجرة مستمرة مع كل أسف.
ويوضح أخيراً أنه لا أحد يرغب بترك بلده ومسقط رأسه فلو كانت الظروف ملائمة لما اختار الشباب الهجرة وتحمل مشاق الغربة لكن هناك ضغوطات ومسؤوليات تجبرهم على ذلك.
مواقع التواصل الإجتماعي تعج بالبوستات التي ينشرها أشخاص يعملون في مجال التهريب لتركيا ومن مناطق سيطرة النظام للشمال السوري ويتهافت عليها العشرات للاستفسار عن طرق التهريب والأسعار، وفي حديثه لـ”المرصد السوري” يوضح (ع.م) وهو أحد الذين يعملون في مجال تهريب المدنيين لاسيما الشباب من مناطق سيطرة النظام للشمال السوري وتركيا، أنه وفي الآونة الأخيرة شهدت حركة هجرة كبيرة خصوصاً من مناطق سيطرة النظام بسبب الأوضاع المعيشية هناك.
مضيفاً، رغم أن تكلفة التهريب مرتفعة بسبب ضرورة اقتطاع جزء من التكلفة لضباط ومتنفذين في النظام ثم إتاوات للفصائل في الشمال، إلا أن الكثير من المدنيين في مناطق سيطرة النظام يتواصلون يومياً للهروب من مناطقهم وهناك الكثير منهم يفضل عدم البقاء في الشمال السوري بعد وصوله والتوجه لتركيا أو دول أوروبية.
وعن التكاليف التي يدفعا الشاب السوري للخروج من سوريا يقول، تتراوح تكلفة نقل المدنيين وتهريبهم من مناطق سيطرة النظام إلى الشمال السوري ما بين 2500 إلى 3500 دولار أمريكي، ثم إلى تركيا بتكلفة تبدأ بمبلغ 600 دولار أمريكي ولا تنتهي بـ 3000 دولار أمريكي، أما إلى دول أوروبية فهناك طرق تهريب مختلفة فقد تبلغ بشكل متوسط 3500 دولار أمريكي، أما تهريب المدنيين الموجودين في الشمال السوري فتعد أقل كلفة.
ويشير أن هناك أيضاً تهريب من مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، وقد قام مؤخراً بجلب عائلة كاملة من مدينة القامشلي إلى مدينة الباب في ريف حلب الشمالي، وهي تتجهز للذهاب إلى تركيا.
بدوره يتحدث ( ر.ع) لـ”المرصد السوري” وهو شاب من منطقة جبل شحشبو في ريف حماة الغربي وصل إلى ألمانيا لينضم إلى شقيقه الذي سافر منذ سنوات، قائلاً، أنه وصل لألمانيا مطلع العام الفائت 2019 ، ليبدأ بتعلم اللغة الألمانية ويحاول الآن إكمال دراسته والتأقلم أكثر هناك بعد معاناته في سوريا جراء الحرب وتجربته لفترة قصيرة بالانصمام لإحدى الفصائل ثم تركها والتوجه إلى تركيا.
ويضيف، أنه عاش صراع مع نفسه بعد أن أحس بضياع مستقبله حينما انضم للفصيل المسلح وبدأ يكرس كل وقته فيه، فبدأ يشعر بحاجته لتكوين مستقبل أفضل وترك الفصائل التي أصبح عملها فقط هو الصراع على النفوذ، ويعتمد الآن على مبلغ مالي يقدم له، ويقطن في أحد مراكز الجاليات العربية في ألمانيا ويهدف قريباً للاستقرار والزواج وتكوين أسرة.
ويعبر عن أسفه لكونه خارج بلده لكن الظروف الحالية أصبحت عبء كبير أثر على حياة السوريين، وتأثرت فئة الشباب من فتيات وشبان بشكل خاص.
وبالنسبة للهجرة عبر الطرق الرسمية فقد تداول ناشطون عبر مواقع التواصل الإجتماعي في 28 آب/ أغسطس الفائت صورة تظهر حجم الازدحام الشديد في مطار دمشق الدولي وبالأخص للمسافرين عبر بوابة المغادرة حيث يتجمع عشرات المدنيين لانتظار دورهم في انطلاق الرحلات الجوية والسفر خارج سوريا، ونفت بدورها إدارة المطار في بيان لها صحة الإزدحام وأوضحت أن الصورة تعود لما قبل عام 2011.
وفي سياق متصل نشرت العديد من الصحف والمواقع الإعلامية التابعة للنظام مطلع الشهر أيلول/ سبتمبر الجاري خبراً مفاده أن مديرية الهجرة والجوازات في العاصمة السورية دمشق تشهد إقبالاً كبيراً من قبل المدنيين الراغبين باستخراج جوازات السفر، الأمر الذي أدى لتأخر تسليم الجوازات ما أثار حالة استياء بين أوساط الراغبين بالسفرة والهجرة من سوريا.
وعن الأسباب التي تدعو الشباب ضمن مناطق سيطرة النظام للتفكير بالهجرة فإنه إلى جانب سوء الأوضاع المعيشية العديد من الأسباب والعوامل الأخرى من بين أبرزها هي الخدمة الإلزامية التي يفرضها النظام وما تتبعه من زج الشباب في المعارك وجبهات القتال.
ويرى (ع.ش) من مدينة حماة وهو والد لشابين وصل أحدهما لسن الخدمة الإلزامية بينما انشق الآخر بعد أقل من عام على التحاقه في حديثه لـ”المرصد السوري” أنه اختار الهجرة إلى تركيا برفقة أولاده بعد أن تمكن الابن الأكبر من الانشقاق عن طريق استخراج إجازة رسمية، وذلك منتصف العام 2011.
مضيفاً، أنه توجه بجميع أفراد العائلة للشمال السوري ثم إلى تركيا ويقطن فيها منذ نحو 10 سنوات، خوفاً على أولاده من الالتحاق بقوات جيش النظام وزجهم في المعارك، وبعد أن استقر في تركيا بدأ يعمل هو وأولاده ويحسن من حالته المعيشية.
مشيراً أن واقعه المعيشي تحسن بشكل كبير مقارنة بالسابق فقد اشترى منزل في مدينة الريحانية التركية إضافة لسيارة ويعمل أولاده في مجال معامل الخضار، مؤكداً بأن فكرة الهجرة كانت لصالح أولاده بعد أن لاحقهم شبح التجنيد الإجباري.
وتفرض حكومة النظام على الشباب الذكور البالغين 18عاماً في مناطق سيطرتها خدمة عسكرية إلزامية تسميها خدمة العلم وتبلغ مدتها الاعتيادية عاماً ونصف العام، بالإضافة إلى سنوات الاحتياط التي تحددها وزارة الدفاع.
ويجدر الذكر أن الكثير من الشباب السوريين الذين هاجروا لعدة دول عربية وأوروبية أثبتوا جدارتهم في عدة مجالات علمية وعملية في دول المهجر وتفوقوا في جامعاتها وكانوا سبباً في نهضة اقتصادية للعديد من الدول واحتلوا دوراً هاماً في سوق العمل.