سوريا العظيمة.. يا خسارة!!
بغض النظر عن المواقف القديمة والجديدة من هذا النظام السوري، إنْ في عهد الأب حافظ الأسد وإن في عهد ابنه بشار، فإنه بمثابة جرح في القلب أن نرى سوريا العروبة حقاًّ يتناهشها الطامعون وأن يكون القرار فيها للغرباء والوافدين من الخارج أولاً الإيرانيون وثانياً الروس وثالثاً «رجب طيب أردوغان» وثالثاً ورابعاً لكل ما هب ودب وللأميركيين والفرنسيين وأيضاً وللإسرائيليين وغيرهم.. للأسف.
لا تزال حسرة اقتطاع لواء الإسكندرون العربي وإلحاقه في عام 1939 بتركيا تملأ قلوب العرب الغيورين وبالطبع تملأ قلوب أبناء الشعب السوري العظيم ولعل الأكثر إيلاماً هو أن حافظ الأسد قد اضطر تحت ضغط الجنرالات الأتراك على التسليم لهم بضم هذا الجزء العزيز من سوريا إلى بلدهم وأن خَلَفهُ قد وافق عملياًّ على تلك الاتفاقية التي كان وقعها والده في عام 1987.
الآن يطالب رجب طيب أردوغان بشريط حدودي في منطقة إدلب بعمق ثلاثين كيلومتراً داخل الأراضي السورية والواضح أن الروس قد يوافقون على هذا الطلب إذا كان الثمن تسوية الكثير من الأمور العالقة تاريخياً بينهم وبين تركيا وهذا ينطبق أيضاً على إيران إن هي حصلت على موافقة تركية بوصولها إلى شواطىء البحر الأبيض المتوسط وهو قد ينطبق على الأميركيين مادام أنهم لا يدفعون من جيوبهم كما يقال ومادام أنه ستكون لهم حصة مجزية في بلد بات يتناهشه الأعداء والغرباء وينطبق أيضاً على الإسرائيليين والفرنسيين وغيرهم.
ثم وفوق هذا كله فإن الواضح أنَّ حل بعض مشاكل الأكراد، الذين لهم الحق في أن تكون لهم دولتهم القومية المستقلة أولاً وقبل كل شيء في تركيا وفي إيران، سيكون في سوريا وعلى حسابها ومع العلم أن هؤلاء بقوا في هذا البلد متساوون مع إخوتهم العرب في الحقوق والواجبات وأن خمسة من رموزهم قد أصبحوا رؤساء للدولة السورية وأن بعضهم قد احتل مواقع قيادية حتى في حزب البعث الذي هو حزب قومي.
في كل الحالات ومع أنَّ أكراد السوريين من حقهم هم أيضاً أن يكونوا جزءاً من دولتهم القومية المنشودة فإنه كان على بشار الأسد ومعه الجنرالات المحيطون به أن يدرك، عندما انفجرت الأوضاع في بلده عام 2011، أن كل هذا الذي حصل سوف يحصل وإنّ عليه أن يتفاهم مع شعبه وأن يتوصل معه إلى حلول معقولة ومقبولة وذلك على غرار ما حصل في تونس وبالطريقة التي عالج فيها الملك الهاشمي عبدالله الثاني ابن الحسين الأمور في بدايات ما سمي «الربيع العربي» الذي كانت زيارته للأردن زيارة هادئة وسلمية.
وهكذا فإنه محزن أن تصبح أوضاع سوريا هي هذه الأوضاع المرعبة والمخيفة والمشكلة هنا تكمن في أن نظامها لا يزال يتمسك بأساليبه وممارساته السابقة وأنه يصر على عدم إدراك أن بلده بات يتناهشه الأعداء كما تتناهش الذئاب فريستها وإن عليه من أجل تجنب الطامة الكبرى أن يأخذ بالتسوية السياسية المطروحة وفقاً لـ «جنيف1» وللقرار 2254.
صالح القلاب
المصدر: الرأي
الآراء المنشورة في هذه المادة تعبر عن راي صاحبها ، و لاتعبر بالضرورة عن رأي المرصد.