سورية: الطابور الروسي الخامس
منذ بسط النظام السوري وروسيا سيطرتهما الكاملة على الجنوب السوري، طفت على المشهد هناك عناوين لم تكن مألوفة سابقاً، من “محاربة الإرهاب بدل النظام”، إلى “العودة إلى حضن الوطن”، و”الطابور الخامس”، وغيرها. أما العنوان الأبرز فبقي “الفيلق الخامس”، الذي تعيش محافظة درعا تجربة خاصة معه، منذ الاتفاقيات التي وقّعها قادة فصائل عسكرية مع النظام وروسيا، ليضعوا أنفسهم فعلياً مع عناصرهم، تحت قيادة نظام بشار الأسد وموسكو، فيما غادر آخرون درعا، رافضين الرضوخ لواقعٍ فرضته التفاهمات السياسية للدول النافذة. اليوم وبعد نحو ثلاثة أشهر على سيطرة النظام وموسكو على درعا، يعود ملف “الفيلق الخامس” إلى الواجهة، فما الذي يحصل، وكيف تم استقطاب شباب درعا لتجنيدهم، ونقل عدد منهم إلى جبهات إدلب، وقتل المئات منهم نتيجة انقلاب روسيا على التفاهمات التي كانت تنص على حصر “خدمة” عناصر الفيلق في مناطقهم، أي في محافظة درعا؟ وكيف غُرر بمقاتلي الفصائل المنضوين في الفيلق الخامس، من قبل قادتهم المتعاملين مع الروس، وما الذي عجّل قبل ذلك، بحسم ملف الجنوب لصالح النظام والروس، وكيف تهاوت البلدات والمدن التي تُسيطر عليها المعارضة، بوتيرةٍ دفعت الروس ليتفاخروا بـ”إنجاز درعا” الذي لم يكلف الكثير من المعارك على خلاف الغوطة وشرق حلب مثلاً؟
انقلاب على التعهدات
منذ أيامٍ، وتحديداً مع تصاعد احتمالات بدء المعركة التي كان يأمل النظام فتحها بعد موافقة الروس في إدلب، قبل أن يُقوض اتفاق سوتشي بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، آمال الأسد بـ”فجر إدلب”، رشحت أنباء عن رفع قاعدة حميميم الروسية يدها عن الجناح الغربي لـ”الفيلق الخامس” في درعا، غداة فشل أحد قياديي المعارضة سابقاً، و”التسويات” حالياً، محمود البردان، بجمع مئات المقاتلين السابقين في الجيش الحر، ممن انضموا إلى “المصالحات”، كي يتوجهوا من غرب درعا إلى جبهات إدلب، في مقابل نجاح قائد “شباب السنّة” أحمد العودة، بإقناع المئات من عناصره شرق درعا، بالتوجه إلى جبهات المواجهة مع المعارضة في إدلب وريف حماة الشمالي.
وعلى الرغم من عدم إجماع كل الروايات التي استقصتها “العربي الجديد”، من قياديين في الجيش الحر وناشطين مطلعين على تفاصيل الواقع الحالي في درعا، حول واقعة حلّ الروس “الفيلق الخامس” غرب درعا، من عدمه، فإن غالبية الروايات، أكدت على الأقل أن للفيلق في درعا جناحين؛ شرقي وهو الأقوى، يقوده أحمد العودة، الذي تربطه علاقة مصاهرة مع رجل الأعمال السوري المدعوم إماراتياً، وعضو “هيئة التفاوض العليا” خالد المحاميد، وجناح غربي يُعتبر القيادي السابق في “جيش الثورة” محمود البردان من أهم ركائزه.
يقول ناشط ميداني، يقيم حالياً في درعا، وهو بقي في محافظته غداة المعارك و”المصالحات” و”التهجير” منذ يونيو/حزيران الماضي وبعده، لـ”العربي الجديد”، إن “الروس رفعوا أيديهم فعلاً عن المجموعات والأفراد الذين دخلوا عمليات التسوية، بعد فشل ضباط حميميم وأعوانهم في درعا، بإقناع هؤلاء بضرورة التوجّه نحو جبهات إدلب وحماة”، قائلاً إن “شباب الريف الغربي الذين رفضوا هذه الأوامر، تمسكوا بأحد بنود التسوية، وهو أن يقاتلوا بقايا تنظيم داعش في درعا حصراً، وألا يتم إجبارهم على الالتحاق بجبهات القتال خارج محافظتهم”.
ويكشف الناشط الميداني، وهو مقرب من قياديين سابقين بالجيش الحر في درعا، وطلب عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، أن الروس أبلغوا البردان ومن معه من قياديين سابقين في الجيش الحر قرروا البقاء في درعا بعد “تسوية” وضعهم بحسب “اتفاق المصالحة”، بأن المئات من شباب ريف درعا الغربي، هم الآن خارج الحماية الروسية، وأن عليهم أن يلتحقوا بإحدى تشكيلات قوات النظام، بعد انقضاء مهلة الستة أشهر التي أعطيت لهم ضمن “اتفاقيات المصالحة” في درعا، في يوليو/تموز الماضي.
ويختلف المشهد في ما يتعلق بالجناح الشرقي لـ”الفيلق الخامس”، الذي يقوده أحمد العودة، إذ إن الأخير بدا طيّعاً بيد الروس، وأرسل المئات من عناصره بالفعل إلى جبهات إدلب، وهو ما أكدته معلوماتٌ حصلت عليها “العربي الجديد” من مصادر عدة في درعا، أو لها اتصالات مع ناشطين وسكانٍ محليين هناك وقادة عسكريين. وبعد تسرب المعلومات عن إرسال أحمد العودة (المدعوم إماراتياً، ويحظى بحماية روسية في درعا)، مئاتٍ من عناصره إلى إدلب، خرج الأخير بتسجيلٍ مصورٍ، قال فيه إن هذه المعلومات غير دقيقة. ولكنه لم يأتِ إطلاقاً على ذكر النظام أو الروس في تسجيله، مكتفياً بالقول إن عناصره يقاتلون فقط “التنظيمات الإرهابية التكفيرية، أو المليشيات المرتزقة التي جاءت بحثاً عن مشاريع تحققها على أرض سورية… قاتلنا الإرهاب وسنقاتله حتى تتطهر أرض سورية من هذا الفكر المريض، وقاتلنا المليشيات الطائفية. ولن نلين حتى ندحرهم إلى جحورهم خاسئين”.
ويرى عضو وفد المعارضة إلى محادثات أستانة، أيمن العاسمي، وهو يتحدر من محافظة درعا، أن “الفيلق الخامس لم ينجح في الريف الغربي بسبب رفض الناس له”، موضحاً في حديث لـ”العربي الجديد” أنه في ما يتعلق بالريف الشرقي “يوجد فصيل واحد متحكّم هو شباب السنّة، وبالتالي فإن أي قرار يتخذه هذا الفصيل سيكون له تأثيره”، وهو ما ساهم في نجاح “الفيلق الخامس” شرق درعا على حد تعبير العاسمي، مضيفاً: “أما في الريف الغربي، فيوجد عدد كبير من الفصائل وبالتالي القرار موزع وليس مركزياً، ومحمود البردان حاول أن يجمع الشباب في الفيلق الخامس، ولكنه فشل لأنه لا يقود فصيلاً كبيراً وسط وجود مجموعة فصائل أخرى. وبالتالي البردان لا يملك إمكانيات أحمد العودة”.
ويشير العاسمي إلى أن “الروس كانوا يعتقدون أنهم سينجحون في جمع 15 ألف مقاتل من درعا و40 ألفاً من السويداء، في التسويات، لكنهم فشلوا ولم ينجحوا إلا بجمع 3 آلاف شخص من درعا”، مؤكداً أن بعضهم توجّه فعلاً للقتال إلى جانب قوات النظام في شمال غربي سورية. ويكشف أن عدد العناصر الذين قُتلوا ممن التحقوا بالفيلق الخامس، بلغ نحو 140 عنصراً بسبب زجّهم في الخطوط الأولى للجبهات، فيما تم إعدام ثمانية أشخاص في مدينة إنخل بسبب رفضهم تنفيذ الأوامر العسكرية بالالتحاق بجبهات قتال خارج حدود المحافظة.
نزع الأقنعة
حكاية أحمد العودة، بدأت فصولها تتكشف منذ ما قبل بدء حملة النظام وروسيا في درعا، إذ اتهمه قياديون في الجيش الحر، بأنه انتظر اللحظة المناسبة لـ”نزع قناعه”، والارتماء في حضن الروس، وهو الذي كان يقود فصيلاً عسكرياً، قُدّمت له أسلحة نوعية، لم تُستخدم في المعارك الفاصلة ضد قوات النظام. ففي أوج المعارك، والحملة العسكرية الشرسة للنظام والطيران الروسي في درعا، وبعد تشكيل أكبر فصائل الجيش الحر هناك “غرفة العمليات العسكرية في الجنوب”، و”فريق إدارة الأزمة” لتنسيق وتوحيد الجهود العسكرية والسياسية في درعا، دخل العودة منفرداً مع فصيله “شباب السنّة”، في “المصالحات”، وسلّم لاحقاً مناطق وكميات كبيرة من الأسلحة الثقيلة والنوعية، التي منع استخدامها في المعارك الأخيرة ضد النظام في درعا. وزعم أحمد العودة حينها في تسجيلاتٍ صوتية، بثها ناشطون على الإنترنت، أنه أبرم الاتفاق مع الروس، لكن “نحن لم نقم بإدخال الجيش (قوات النظام) ولن يدخل الجيش، ولن نسمح له أن يدخل وفينا واحد يتنفس، لكن (توصلنا للاتفاق) أفضل من أن يدخل الجيش بالغصب”.
واعتبر عدد كبير من ناشطي محافظة درعا حينها، أن عراب اتفاق أحمد العودة مع الروس في بصرى الشام (معقل فصيل العودة) هو صهره خالد المحاميد، الذي وصفوه مع قريبه بأنهما “خلايا من الطابور الخامس الذي يعمل على شق صف غرفة العمليات المركزية في الجنوب”. كما فنّدوا رده بفيديوهات توثّق حلقات دبكة مؤيدة للنظام ضمن مناطق سيطرة فصيله يشارك فيها عناصر من فصيله “شباب السنّة” الموعودين من قبل الروس بأن يكون لهم دور في أمن المنطقة بعد المصالحة مع النظام ضمن جهاز الشرطة.
وعلمت “العربي الجديد”، حينها أيضاً، من مصادر خاصة في درعا، أن أحد عرابي الاتفاق في بلدة بصرى الشام، هو هيثم مناع، الذي يقود “التيار الوطني الديمقراطي السوري”، والذي يتحدر أساساً من محافظة درعا، وله علاقاتٌ ببعض الشخصيات في المحافظة، فضلاً عن كونه شخصية تقاربت مع “منصة موسكو”، ومع “تيار الغد” الذي يرأسه أحمد الجربا. وأرسلت في ذاك الوقت، تلك الجهات الثلاث، قائمة موحّدة بأسماء شخصياتٍ لتمثلها في “اللجنة الدستورية”، وهو ما يؤكد التقارب بين هذه الجهات، التي شاركت بفعالية في مؤتمر سوتشي، وهي متهمة من قبل المعارضة بأنها تتماهى مع وجهة النظر الروسية في سورية.
صناعة قادة “المصالحات”
يقول رئيس المكتب السياسي لـ”جيش اليرموك”(أبرز فصائل الجيش الحر في درعا)، والعضو المستقيل من “هيئة التفاوض العليا”، بشار الزعبي، لـ”العربي الجديد”، إن “أحمد العودة كان عنصراً لديّ في جيش اليرموك منذ نحو أربع سنوات، قبل أن ينهال عليه دعم كبير، ليصعد شيئاً فشيئاً، ويؤسس فصيله الذي تلقّى دعماً مادياً كبيراً، وسلاحاً نوعياً”، مضيفاً أن “الدعم المادي المُقدّم للعودة مكّنه من استرضاء واستقطاب فصائل أخرى، بينما منع استخدام مضادات الدبابات التي كان يملكها بكثافة في المعارك الأخيرة ضد النظام، وهو أول من بدأ بتسليم سلاحه مع بدء المعارك الكبيرة الأخيرة”.
الزعبي، الذي استقال أخيراً من “هيئة التفاوض العليا”، يشير إلى أنه حاول لأكثر من شهر، أن يقنع الهيئة بطرد العودة منها، “لكونه بات جزءاً من قوات النظام وبإشراف وحماية روسية، لكن بعض أعضاء الهيئة رفضوا طرد العودة”، الذي شارك في أحد اجتماعات الهيئة أخيراً عبر تطبيق “سكايب”. ويوضح الزعبي أن العودة وخلال مشاركته في الاجتماع، ذكر حرفياً أنه يعتبر نفسه “جزءاً من الجيش العربي السوري”، وقال: “أنا أدافع عن أعراض الناس في درعا، وجلست مع الروس، ونزلت إلى دمشق وجلست مع أعلى الضباط وجلبت تسوية من الفرقة الرابعة لكل عناصري، أنا الآن المسؤول في كل المنطقة الجنوبية”. ويرى الزعبي أن أحمد العودة “خائن وعميل، وكان ينسق في السابق مع الروس، وجاء دوره بتسليم المحافظة بناء على هذا التنسيق”، لافتاً إلى أن محمود البردان اقتصر دوره على اتخاذ قرار التعاون مع الروس بعد أن أصبحوا أمراً واقعاً على المحافظة.
وعن “الفيلق الخامس”، يشرح الزعبي أنه تشكّل “في الريف الغربي على أساس قتال داعش، وهذا التشكيل كان من 450 عنصراً، وبعد الانتهاء من قتال التنظيم، تمت مطالبة هؤلاء العناصر بالتوجه إلى إدلب، فرفضوا، حينها خيّرهم الروس إما بالالتحاق بالفرقة الرابعة أو أن يلتحقوا بشُعب التجنيد ليصار إلى فرزهم لاحقاً ضمن ثكنات النظام العسكرية”.
ويذهب أيمن العاسمي، في الاتجاه نفسه، قائلاً إن شخصية أحمد العودة “تمت صناعتها وإغراقها بالدعم لسنوات، حتى تؤدي دورها الحقيقي في الوقت الحاسم، وهو من الأشخاص الأساسيين الذين ساهموا في نجاح خطط روسيا والنظام في درعا”. ويشير العاسمي في حديثه لـ”العربي الجديد”، إلى أن في “هيئة التفاوض العليا”، كانت “توجد شخصيات مثل خالد المحاميد، همها الأول كان ينصبّ على إنهاء العمل العسكري، معتقدة أنه حان الوقت للعمل السياسي”، مضيفاً: “برأيي كانت هذه الشخصيات تنفذ تعليمات دول معينة، وفي الوقت نفسه كان هناك تواطؤ معها من قبل عدد من قيادات الجبهة الجنوبية”.
“الفيلق الخامس”: ظروف تأسيس الجناح الروسي في جيش الأسد(2/2)
عبسي سميسم
العربي الجديد:27/9/2018
وجد شباب المحافظات السورية التي أخضعها الروس ونظام بشار الأسد بحملات عسكرية انتهت الكثير منها عبر فرض “اتفاقات مصالحة”، أنفسهم بين خيارات صعبة أحلاها مرّ؛ فإما ركوب حافلات التهجير نحو الشمال، أو البقاء في مناطقهم بشرط الخضوع للروس والنظام. ومع فرض اتفاقيات تهجير في مناطق تخفيف التصعيد، وفرض مصالحات على من تبقّى من سكانها وعلى أهل بعض المناطق الأخرى، بدأت تنشط حملات ترويج لـ”الفيلق الخامس” كـ”منقذ” للشبان الذين بقوا في تلك المناطق من الملاحقات الأمنية، وكمصدر لتأمين دخل لعائلاتهم.
ترويج وحملات دعائية
بدأ الحديث عن “الفيلق الخامس” في سورية، منذ أواخر عام 2016، وروّجت له وسائل إعلام النظام الرسمية، بحملةٍ دعائية كبيرة، إذ كان الهدف حينها تجنيد أكبر عددٍ من الشبان السوريين، سواء الذين أدوا الخدمة الإلزامية أو كانوا متخلفين عنها، وحتى الموظفين ضمن القطاع العام الحكومي من دون أن يخسروا ميزاتهم الوظيفية، وكذلك بهدف لملمة المليشيات السورية الداعمة للنظام، والتي تكاثرت في السنوات القليلة الماضية، ضمن جسمٍ عسكريٍ واحد روسي الولاء. وأنتجت وزارة الدفاع في حكومة النظام تسجيلاتٍ مصورة ترويجية تدعو للانضمام إلى هذا الفيلق، كما أرسلت شركتا اتصالات الهواتف المحمولة (سيريتل وإم تي إن)، رسائل لمشتركيها تدعو للانضمام إلى “الفيلق الخامس – اقتحام”.
ونشطت حملة إعلانية لحث الشبان على الانضمام لـ”الفيلق الخامس” في معظم مناطق سورية، خصوصاً “مناطق الأقليات” التي واجهت تهديدات من تنظيمات متطرفة، كمنطقة سلمية التي كان تنظيم “داعش” يرابط على حدودها، ونُظّمت تلك الحملات تحت شعار الحماية الذاتية. وبسبب الميزات المادية والمعنوية وحتى تلك المتعلقة بالشروط، استطاع الفيلق استقطاب عدد لا بأس به من الشبان في مناطق سيطرة النظام يُقدّر بالآلاف. كما طُرح التطوع في “الفيلق الخامس” كمخرج لقضية تخلّف شبان السويداء عن الخدمة الإلزامية، من دون النجاح في استقطابهم. وتنوعت التحليلات حينها حيال هذا الفيلق، ولو أن معظمها رجح أن يكون تأسيسه بقرارٍ من روسيا، التي كانت تريد أن توسع نطاق سيطرتها على المؤسسة العسكرية في سورية، لكون بعض تشكيلات هذه المؤسسة إيراني الولاء، ولأن موسكو تريد قوة برية لها في سورية، التي فيها مليشيات كثيرة تابعة لإيران.
تجربة الجنوب
مع إطلاق النظام بدعمٍ روسي الحملة العسكرية جنوبي سورية، في يونيو/ حزيران الماضي، ثم بدء دخول بعض المجموعات التي كانت محسوبة على المعارضة في “المصالحات”، برز اسم “الفيلق الخامس” في درعا، وظهر تنافسٌ واضح على ضم فصائل “المصالحات” بين الفرقة الرابعة التابعة مباشرة للقصر الجمهوري في سورية، ويديرها فعلياً ماهر الأسد شقيق رئيس النظام بشار الأسد، وبين “الفيلق الخامس”، الذي بدا أن الروس يشجعون على الانضمام إليه.
ومع بدء معارك الجيش الحر في الجنوب، كانت بعض الفصائل المحسوبة على المعارضة، قد دخلت في “تسويات” منفردة، في بداية يوليو/ تموز الماضي، وأخذت طابع تحسين شروط التفاوض مع الروس، ليبدو أن مصير محافظتي درعا والقنيطرة بات محسوماً للنظام وروسيا، وفق تفاهماتٍ سياسية أخرجت المعارضة السورية من حسابات الجنوب.
وفي حالة الفوضى بالنسبة لآلاف المقاتلين ضمن الجيش الحر، قرر بعضهم الانتقال إلى شمال غربي سورية، رافضين العيش تحت سلطة نظام الأسد، بينما كان آخرون ممن يتبعون لقياداتهم التي أمنت لهم دخلاً مادياً ونفوذاً محلياً، قد قرروا القبول بـ”المصالحات”، ليتحوّلوا فعلياً إلى مقاتلين في صفوف النظام. وبين هاتين الشريحتين، بقي مئات، وربما آلاف المقاتلين في الجيش الحر، والنشطاء الإعلاميين والإغاثيين وغير ذلك، أمام خيار التهجير وضريبته، أو “حضن الوطن” وضريبته، قبل أن يختار كل منهم طريقه.
يتحدث شهود من درعا لـ”العربي الجديد”، عن التنافس بين “الفيلق الخامس” و”الفرقة الرابعة” لاستقطاب مجموعات “المصالحات”، وهو ما يؤكده عضو وفد المعارضة إلى محادثات أستانة أيمن العاسمي، الذي يشرح لـ”العربي الجديد”، أن “الفرقة الرابعة تتبع لرئاسة الجمهورية بولاء إيراني، بينما مجموعات عسكرية أخرى، ومن بينها الفيلق الخامس، تتبع لرئاسة الأركان ذات الولاء الروسي”. وفيما يقدّم “الفيلق الخامس” رواتب شهرية للمقاتلين، غير متساوية للجميع، لكنها وسطياً بين 150 و250 دولاراً شهرياً، تمنح “الفرقة الرابعة” وبعض أجهزة مخابرات النظام، بينها المخابرات الجوية، بطاقات أمنية لبعض المنضمين إليها، فضلاً عن رواتب شهرية بحسب خدمات الأشخاص، وامتيازات سلطوية أخرى في محافظة درعا.
حياة في ظل الخوف
اختار (عبد القادر ع.)، المقاتل في الجيش الحر في درعا، بعد سقوط المحافظة، البقاء في المدينة بعدما وضعته الأقدار وتخاذل قادته أمام خيارات وجد أن أحلاها البقاء تحت رحمة روسيا، على الرغم من معرفته بعدم التزامها بأي من التعهدات التي قدّمتها لسكان المنطقة. يقول عبد القادر لـ”العربي الجديد”: “لم يكن أمامي إلا واحدٌ من خيارين مُرين كالعلقم، إما الخروج مع عائلتي في حافلات التهجير نحو إدلب، أو البقاء في بلدتي، والخيار الأول مُرّ لأني لا أعرف ما سيواجهني في الشمال، والثاني مر أيضاً لأني سأكون مضطراً للالتحاق بالفيلق الخامس أو الفرقة الرابعة، كي أنجو من الملاحقات الأمنية، فقررتُ أن أبقى مع عائلتي في بيتي وبلدتي، وبين أهلي وعشيرتي، على الرغم من علمي بأني سأواجه مشاكل لا حصر لها”.
يضيف عبد القادر، الشاب الثلاثيني الذي طلب عدم ذكر اسمه الكامل، والذي قاتل مع الجيش الحر ضد النظام منذ 2012 في ريف درعا الغربي، أنه عرف بأن تنازلاتٍ كثيرة سيضطر لتقديمها للنظام والروس الذين “قدّموا لنا أيام معارك درعا الأخيرة، تطمينات كثيرة جداً لكي نبقى في درعا”، متابعاً: “أدركت أنهم سينقضون لاحقاً كل العهود والتطمينات التي قدّموها، وحدث هذا جزئياً حتى الآن، لكنني لا أريد الخروج من بلدتي إلى المجهول”، معتبراً أنه “يجب التفريق بين نوعين من الذين أقدموا على التسويات، الأول هم مثلي ممن أُجبروا بحكم ظروفهم الشخصية على البقاء، والثاني هم أولئك الذين حملوا السلاح بدافع الارتزاق، وهؤلاء يبدلون ولاء بنادقهم بحسب الجهة التي تدفع لهم”.
ويرى عبد القادر أن “البقاء في درعا، يعني أن تعيش في خوف الاعتقال، ولذلك فإن عدداً كبيراً ممن قرروا البقاء، باتوا يقدّمون أنفسهم لسلطات النظام والروس على أنهم جنود أوفياء ومخلصون، كي تُطوى صفحتهم السابقة ويحموا أنفسهم من الملاحقة والاعتقال”.
نظرة النظام لجماعة “المصالحات”
يشجّع النظام رسمياً على سياسة “المصالحات” التي يسميها بـ”الوطنية”، لكن بعض المواقف التي صدرت وتصدر من موالين له، تكشف عن نظرة مختلفة من هؤلاء لـ”جماعة المصالحات”، والتي يصل بعضها إلى حد المطالبة علناً بالتخلص منهم، بالتصفية الجسدية وخلاف ذلك. فقد دعت إحدى قريبات رئيس النظام بشار الأسد، وتُدعى رداح الأسد، وتعمل مدرّسة جامعية في كلية التربية بجامعة تشرين، إلى أن تقوم أجهزة النظام الأمنية بقتل كل الذين سيخضعون لما يسميه النظام بـ”التسوية والمصالحة”، قائلة: “بالنسبة للمسلحين اللي رح يرجعوا لحضن الوطن، وأنتو مو قبلانين، مو مشكلة قوصوهن بالغلط، أو حادث مفتعل (قضاء وقدر)، أو حتى قلب عليهم شحن”، موجّهة حديثها لأجهزة مخابرات النظام: “ما بدي علمكم شغلكم”. وانهالت على منشور المدرّسة الموالية للنظام التعليقات المؤيدة لما تدعو إليه، قبل أن ينتشر المنشور على شبكة الإنترنت بين المستخدمين السوريين، وتضطر رداح الأسد لحذفه أو إخفائه لاحقاً.
كما تداول ناشطون سوريون تسجيلاتٍ صوتية، قالوا إنها لضباطٍ من جيش النظام يتحدثون فيها، قبل أسابيع، عمّا يعتبرونه “خطر جماعة المصالحات”، الذين “خانوا جماعتهم وممكن أن يخونونا بأي لحظة”، وأن “الطريقة الوحيدة والأنسب لنرتاح من خطرهم، أن ندخلهم هذه المعركة (إدلب). سندخلهم في المقدمة من أجل أن ينحرقوا فيها”.
عبسي سميسم
المصدر: العربي الجديد