سيناريو روسي للحل السوري
يشهد الحديث عن التوتر الراهن في العلاقات الروسية الإيرانية في سوريا تصعيداً ملحوظاً في خطاب الإعلام الروسي في الفترة الأخيرة. وإذا استثنينا الخطاب الليبرالي المعارض للنظام، والذي لا يبرز سوى في وسائل التواصل الاجتماعي ـ تقريباً، يمكن، بشكل عام، رصد ثلاثة اتجاهات في هذا الخطاب، تتداخل في ما بينها، وتنضوي جميعها تحت سقف التوجه العام للكرملين. الإعلام المباشر للكرملين، وهو الذي يتولى التصعيد الراهن تجاه إيران، بدأ “يحصد الإنتصارات” منذ اندلاع هذا الإشتباك، إثر المطالبة الروسية بانسحاب إيران والميليشيات التابعة لها من الجنوب السوري. الإتجاه الآخر، وهو الغالب، تطغى عليه مقاربة الإشتباك الروسي الإيراني، بما يخدم تعزيز التفاهم الروسي الإسرائيلي بشأن سوريا، ويشيد بالجيش الإسرائيلي ورجالاته وقدراته، كما في صحيفة “NG” منذ أيام. الإتجاه الأخير، وهذا ليس ترتيباً بالتأكيد، وهو المتمثل بخطاب القوميين الروس المتشددين، الذي يتميز بمقاربته “الإيرانية” لهذا النزاع، ويذهب إلى حد اتهام روسيا “بخيانة إيران” لصالح إسرائيل والولايات المتحدة، حسب صحيفة “SP” الروسية المتشددة منذ أيام.
منذ أيام، في 17 من الجاري، نشرت صحيفة الكرملين”vzgliad” كلاماً، نسبته إلى أحد مراكز البحث الروسية المعروفة، تحت عنوان رئيسي “أعمال القوات الإيرانية في سوريا أثارت الإستياء في روسيا”، أتبعته بعنوان فرعي “بدأت التناقضات بين روسيا والقوات الإيرانية تتعمم على الجيش السوري”. وقالت، بأن روسيا، التي تؤيد انسحاب “حزب الله” والوحدات الإيرانية من الجولان، مستاءة من أنه ليس جميع هذه الوحدات قد انسحب من هناك. فقد استبدلت بعض الوحدات الشيعية ملابسها بملابس الجيش السوري من فرقة المدرعات الرابعة، التي يقودها ماهر الأسد، لكي تواصل العمليات العسكرية، الأمر الذي جعل روسيا تسعى إلى “تعزيز إشرافها على قيادة الجيش السوري”، حيث بدأ الضباط الروس القيام بعمليات تفتيش للقواعد العسكرية السورية.
لكن صحيفة “NG” الروسية تقول إن مقاتلي “حزب الله” والفصائل الموالية لإيران يحتشدون بمحاذاة الجولان المحتل، وهم يرتدون ملابس “قوات النمر” في الجيش السوري. وفي مقالة لها في 19 من الجاري، تحت عنوان “إيران تجاهلت مطالب روسيا في سوريا”، تقول الصحيفة أن القوات الموالية لإيران تجاهلت “مطالبة الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل” لها بمغادرة المناطق الجنوبية من سوريا، بل هي تعمد إلى حشد قوات إضافية في هذه المناطق.
وتنقل الصحيفة عن نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف قوله، أن روسيا تبحث مصير المناطق الجنوبية من سوريا، ليس مع إسرائيل فقط، بل ومع إيران أيضاً والولايات المتحدة والأردن والمعارضة السورية كذلك. وكانت روسيا قد تعهدت لإسرائيل، في إطار التوافقات السرية، على الإشراف على سحب المقاتلين الإيرانيين ووحدات “حزب الله” من المناطق السورية الجنوبية، مقابل تعهد الدولة اليهودية بالموافقة على انتقال هذه المناطق، مع مقاتلي المعارضة فيها، إلى سيطرة القوات السورية الرسمية. وفي إطار البحث بمصير هذه التوافقات، قام قائد الشرطة العسكرية الروسية في وزارة الدفاع الروسية فلاديمير إيفانوفسكي نهاية الأسبوع المنصرم بزيارة إلى إسرائيل، التقى خلالها عددا من المسؤولين وبحث معهم ايضاً في أمر الهجوم، الذي تعد له القوات الرسمية السورية على الجنوب، وفق الصحيفة.
وكانت الصحيفة عينها قد كتبت منذ أيام، أن روسيا، وعلى الرغم من تنامي قدراتها العسكرية، إلا أنها عاجزة عن تحقيق مصالحها الجيوبوليتيكية في الشرق الأوسط. وقالت بأن الحملة العسكرية الروسية المكلفة في سوريا عجزت عن تحقيق مخططات الشركات النفطية الروسية الكبرى في هذا البلد. وأشارت إلى أن موسكو تعتبر أنقرة حليفتها في مسائل تسوية الوضع في سوريا، التي تبقى، في الواقع، مقسمة إلى مناطق احتلال تدور فيها عمليات عسكرية بين مختلف المجموعات، بما فيها الموالية لتركيا.
في ظل هذا الوضع لا يتبقى امام روسيا سوى القليل من الإمكانيات للتأثير على الوضع في سوريا بالوسائل العسكرية، ولهذا يتم التركيز من قبلها على خلق الشروط السلمية لتسوية النزاع السوري، حسب الصحيفة. وتنقل عن الخبير التركي في مركز أبحاث الشرق الأوسط الإستراتيجية أويتان أورهان قوله “أن نهر الفرات قد أصبح في الواقع خط الفصل بين القوات الموالية للولايات المتحدة وبين أنصار الأسد”. وإذا ما رغبت دمشق في مواصلة العمليات العسكرية هناك، فسوف تصطدم بمواجهة التحالف بقيادة الولايات المتحدة. ويقول هذا الخبير، أنه إذا ما قررت روسيا مساندة عمليات دمشق هذه “فسوف ينالها نصيب هي أيضاً”.
من جانب آخر كانت صحيفة الكرملين قد توقعت في 13 من الشهر الجاري “صيفاً حاراً” في الحرب السورية ترتسم على إثره ملامح “السلام القادم” في سوريا. وقالت الصحيفة، أن الهدوء النسبي، الذي يسود في سوريا منذ بعض الوقت، يحول كل عملية صغيرة للجهاديين إلى حدث إعلامي كبير، يجري تضخيمه وتصويره لاحقاً، بأنه “هجوم كبير”. لكن في الحقيقة لا يجري ما هو جدي قبل “الصيف الحار”، بل تتم إعادة تجميع القوى وتحليل نتائج أحداث الشتاء والربيع المنصرمين. وتقول الصحيفة، أن جميع المهمات، التي أعلن عنها قائد الأركان الروسية فاليري غيراسيموف في أواسط الشتاء الماضي، قد جرى تنفيذها بنجاح.
وتبشر الصحيفة بسيناريو كامل للسلام في سوريا، وتقول بأنه صحيح أن الحرب لن تنتهي حتى نهاية السنة الحالية، لكن سوف ترتسم خلالها ملامح السلام القادم في هذا الصراع متعدد المستويات والأطراف المشاركة فيه. وإذا ما جرى كل شئ، كما يجري الآن، فسوف نشهد في العام 2019 القادم وقفاً شاملاً للعمليات العسكرية على كافة الأراضي السورية، لكن مع بعض التعديلات، التي قد يحملها “تبدل الرياح”.
بسام مقداد
المصدر: المدن