«ضجيج» الإنسحاب الأميركي… او مُناوَرات تُركِيا وكُرد سوريا
لم تتوقّف تداعيات إعلان انسحاب قوات الاحتلال الاميركي لمناطق في شمال وشرق سوريا الذي فاجأ ترمب العالم به في التاسع عشر من الشهر الماضي.تداعيات تصل ذروتها مع الهجمة الدبلوماسية الأميركية التي يستعّد اركان ادارة ترمب تنفيذها بدءاً من يوم غد الاثنين،التي يقودها وزير الخارجية بومبيو ومستشار الامن القومي بولتون ورئيس هيئة الاركان دانفورد,وجيمس جيفري الذي بات يجمَع بين وظيفتين:الاولى التي نهض بها وهي المبعوث الخاص لسوريا,وتلك التي أُوكلت اليه لاحقاً بعد استقالة بريت ماكغورك كمُمثل لواشنطن في التحالف الدولي الذي شكّلته بزعم محاربة الارهاب.
وإذ تبدو مواقف واشنطن من هذه المسألة التي اثارت ردود افعال متباينة,برزت خلالها مواقف ثلاث جهات اقليمية وهي تركيا واسرائيل وكرد سوريا،مُرتبِكة وغير محسومة,حتى بعد اعلان ترمب عن «تباطؤ» سحب قواته التي لا يزيد عديدها – وفق ما هو مُعلن اميركياً –عن ألفي جندي،فإن ما يجري على الارض ميدانياُ وما تشهده الاتصالات السياسية والدبلوماسية بين عواصم ذات ادوار لا تُنكر في الازمة السورية,يدعو للتساؤل عمّا يدور في دهاليز وأروقة الادارة الاميركية,التي تبدو وكأنها في صدد»استثمار»ردود افعال الاطراف ذات الصلة,لمواصَلة عرقلة ونسف اي احتمالات لانطلاق عملية سياسية,تضع حداً للازمة السورية وتطوي صفحة الحرب الفاشلة,التي أدارتها واشنطن وبعض عواصم الاقليم على الدولة السورية,بهدف إسقاطها وتعميم الفوضى والحروب الطائفية والمذهبية والإثنية فيها.
لِنبدأ من انقرة,التي ابدت نشوة كبرى وترحيباً بالقرار الاميركي,بل ونسَبَت الفضل لرئيسها اردوغان.عندما ادّعت انه هو مَن»أقنَع»ترمب بهذه الخطوة،ولم يكن ذلك دقيقاً,اللهم إلاّ إذا كانت ثمة صفقة او سيناريو لم تتكشف تفاصيله حتى الان،بدليل التناقُض في المواقف بين واشنطن وانقرة أقلّه في التصريح المُفاجِئ واللافِت الذي أطلقه رئيس الدبلوماسية الاميركية بومبيو,عندما حذّر من قيام تركيا بـ»قتل الأكراد»,ما أثار غصب انقرة التي ندّدت بتصريحاته واعتبرتها نَقصاً مُقلِقاً في المعلومات.
وإذ يهبط جون بولتون في انقرة كما تل ابيب,وتتواتر انباء عن زيارته للقوات الاميركية المُحتلّة في شرق وشمال سوريا,فإن ما ستُسفر عنه تلك الزيارة المُترافِقة مع جولة شرق اوسطية مُوسعة لمايك بومبيو،ستعكس بين أمور اخرى,محاولة اميركية لترميم الدبلوماسية الاميركية التي يبدو انها اثارَت قلَقاً كبيراً لدى حلفاء واشنطن في المنطقة,بعد سلسلة قرارات وخطوات وإجراءات بدت وكأنها تؤسس لـ»فراغ»لا يملك هؤلاء القدرة او الامكانات او الموارد لملئه،ما بالك حين تبدو انقرة كرابح أكبر حتى الان من القرار الاميركي بالانسحاب؟وإن كان ذلك الاستنتاج غير واقعي او مُتسرعاً,بدليل ان الحشود العسكرية التركية الضخمة على وداخل الحدود السورية لم تُترجِم تهديدات اردوغان باجتياح مدينة منبج,بعد ما بدأ يرشح عن تراجُع تركي عن خطوة كهذه,إثر تفاهمات – لم تُؤكّد بعد – مع موسكو,فيما الاخيرة لم تحسِم امرها بَعد من «نية» اردوغان إرسال قواته الى شرق الفرات.وهي أمور قد تتضّح بعد زيارة بولتون لانقرة التي ستكون»كاشِفة» للمستوى والكيفية التي باتت علاقاتهما الثنائية عليه،بعد الضخ الإعلامي التُركي المُتواصِل,عن «نجاح» سياسي ودبلوماسي احرزهما اردوغان,بـ»إقناع» ترمب بسحب قواته.وجاءت تصريحات بومبيو لتُخيِّب آماله أقلّه في ما هو مُعلَن.
كرد سوريا باتوا كما هو معلوم للجميع في وضع الخاسر الاكبر,بعد انهيار رهاناتهم الساذَجة على الحليف الاميركي,الذي لا يبني استراتيجياته على الوفاء بوعوده لدول قائمة– كبيرها والصغير– بل وِفق ما تعود عليه بالفائدة,ما بالك مع منظمات ومجموعات عميلة قام بتمويلها وتشغيلها وتظاهَر بدعم مطالبها أو خطابها او شعاراتها؟وعندما استنفدت تلك المجموعات ادوارها…ركَلَها ولفظها وتركَها لمصيرها.
فهل ثمة ما تبقى من الاوراق كي يوظفها كرد سوريا في»حواراتهم»المُؤكّد بعضها وتلك التي تدخل في باب الشائعات مع دمشق؟ وبخاصة قولهم:أنهم مُختلِفون على مستقبل سوريا,وليس على سوريا وحدودها ووحدتها,وانهم مُستعدّون لتسليم الحدود(مع تركيا) مقابِل قبول دمشق»إدارة مَحلِّية»للكرد بضمانة»روسِيّة»؟
كان يمكن لمطالِب كهذه,ان تُناقَش قبل ان يتم رفع الغطاء الاميركي على قوات حماية الشعب الكردية،وكان لها ان تكون ذات أهمية قبل اجتياح عفرين وتدميرها من قبل الغزاة الاتراك,لو لم يتشدّد قادتهم,شعوراً واهماً ومزيّفاً منهم بفائض قوة,واطمئناناً ساذجاً الى وعود «الحليف» الاميركي الذي تركَهم الان…في العراء.
«قَطْع الطريق على الغزو التركي»كما نُقِل على لسان سيبان حمّو قائد قوات حماية الشعب الكردية «YPG»,في ما وُصِف بالعرض»السِرِّي» على دمشق (بوساطة روسِية كما رشَحَ),وقيام الجيش السوري بـ»ملء الفراغ»الناتج عن الانسحاب الاميركي (إن تمَّ),جاء متأخراً وإن كان يُمكِن استدراك الأمور,إذا ما جنَح كرد سوريا الى المُرونة وتخلّو عن شروط وأوهام لم يعد بمقدورهم التقرير في شأنها,لانهم باتوا في وضعٍ لا يسمح لهم بإملاء الشروط, وبخاصة في ظل الحديث عن»شريط أمني»تُطالِب تركيا به داخل الاراضي السورية,وبِعمق يصل الى 20 – 30 كيلومتراً.وهو امر ترفضه دمشق بالتأكيد,ولن تُساوِم عليه حتى لو عادت انقرة للحديث عن»اتفاق أضَنَة»الذي تم توقيعه في العام 1998.لأن المشهد بأكملِه,اختلَف حدود الإنقلاب او الإختفاء,بعد ان أطاحت تركيا كل بنوده واستباحت الاراضي السورية,وتعمل الآن على»تتريك»ما احتلّته من مُدن وبلدات وأرياف.
محمد خروب
المصدر: الرأي