ظاهرة العثور على أطفال مجهولي النسب تتسع بشكل كبير في الشمال السوري.. والمرصد السوري يوثّق نحو 70 حالة منذ مطلع العام الفائت

78

ازدادت في الآونة الأخيرة حالات رمي الأطفال حديثي الولادة في منطقة إدلب وريفها، إذ يتم العثور على أطفال لاتتجاوز أعمارهم أيام قليلة أو ساعات وهم ملقون على قارعة الطريق أو على أبواب المساجد والمشافي وبعض المباني مثل منظمات إنسانية أو حتى منازل للمدنيين

وفي حديثه للمرصد السوري تحدث أحد النشطاء من مدينة سراقب في ريف إدلب الجنوبي ويقيم شمال إدلب، عن هذه الظاهرة ويقول: أخذت على عاتقي منذ أكثر من عامين مسؤولية توثيق هذا النوع من الظواهر التي باتت تنتشر في الشمال السوري، حيث تقدر أعداد الأطفال حديثي الولادة الذين تم العثور عليهم خلال العام الفائت 2020 حوالي أكثر من 50 طفل، بمعدل من 3 إلى 4 حالات شهرياً، ومع دخول العام الجديد2021 لم نلاحظ توقف هذه الظاهرة بل تم العثور على طفلين في الشهر الأول من العام، إذ تم العثور على طفل رضيع مرمي على قارعة الطريق في حي القصور بمدينة إدلب وذلك بتاريخ 19/1 من العام الجاري 2021، كما سبقه عثور أحد المدنيين على طفل آخر مرمي على أحد الأرصفة في مدينة أريحا، بتاريخ 12 /1 من العام الجاري أيضا، وعن الأسباب التي تساهم في انتشار هذه الظاهرة يقول: يعد الفقر الشديد هو المسبب الرئيس لاتساع هذه الظاهرة، ثم يأتي بعد ذلك غياب الوعي والقدرة على التعامل مع الأطفال لدى الأهالي، كما أن انتشار العلاقات الغير شرعية يلعب دوراً هاماً في انتشار هذه الظاهرة، أو حتى الزواج المبكر وحالات الانفصال أيضاً، ويختم: فمن المهم جداً تسليط الضوء بشكل دقيق على هذه الظاهرة وأسبابها وسلبياتها وآثارها عالمجتمع بشكل عام، وهذا الأمر يقع على عاتق بعض المنظمات المعنية بالدعم النفسي للبحث أكثر عن حول لهذه الظاهرة التي تعتبر من أبشع الظواهر السلبية التي خلفتها سنوات الحرب في سوريا

كما تحدث أحد أهالي بلدة معرة مصرين في ريف إدلب الشمالي عن انتشار هذه الظاهرة في البلدة والمناطق المجاورة لها، قائلا: لا يكاد يمر شهر أو شهرين دون العثور على طفل رضيع على أحد أبواب المساجد في البلدة أو في أماكن أخرى، يقوم بعض الأشخاص أحياناً بأخذ الطفل والتكفل بتربيته، وقد أخذت هذه الظاهرة بالانتشار مؤخراً بشكل لافت، هذه الظاهرة تقريباً لم تكن موجودة قبل بداية الأحداث في سوريا عام 2011، وحتى بعد مرور عدة أعوام من دخولها، وكانت عبارة عن حالات نادرة جداً وتكاد تكون غير موجودة، لكن أرى أن الوضع الراهن يعد أحد أبرز الأسباب، بعد الاكتظاظ السكاني في الشمال السوري وتردي الأحوال المعيشية لدى العائلات وخصوصاً النازحين، حتى أن الكثير من الشباب يمتنعون عن فكرة الزواج بسبب أحوالهم المادية الضيقة، وعدم قدرتهم على تحمل مسؤولية تربية الأطفال، مع كل ذلك لا أرى أن هذا يعد مبرراً كافياً لتخلي الأب أو الأم عن أحد أطفالهم، ومن المهم إيجاد حلول تحد من انتشار هذه الظاهرة بشكل كامل، قبل أن نجد أنفسنا أمام الكثير من الأطفال مجهولي النسب

بدوره تحدث “ن.ض” وهو مرشد نفسي وتربوي للمرصد السوري عن تلك الظاهرة وقال: أولاً مع انتشار هذه الظاهرة واتساعها فنحن هنا لا نتحدث عن فرضيات بل نتحدث عن أمر واقع ويجب التعامل معه بشكل دقيق، فبغض النظر عن الأسباب الداعية للأبوين لرمي أحد أطفالهم أو إن كان ذلك بطريقة غير شرعية، فلا بد من التركيز على الطفل وتقديم الرعاية الصحية له أولاً، وبعد نضوجه يجب أن يتمتع بحقوقه بشكل كامل، وهذا يأتي عن طريق سن قوانين خاصة بمثل هذه الحالات، فهو ليس له أي ذنب كونه “مجهول النسب” ، وفي محاولة لردع هذه الظاهرة فلا يجب النظر لها بشكل منفرد، بل العمل على تحسين الواقع حتى تتلاشى مثل هذه الظواهر السلبية والتي تولد أثناء الحروب والأزمات الاقتصادية بشكل طبيعي، يجب القيام بعقد ندوات ولقاءات مع الكثير من الفئات لزيادة التوعية بهذا الجانب، كما يجب توفير رعاية صحية وغذائية بشكل كامل للعائلات التي تعاني من الفقر بسبب النزوح والتشرد الذي خلفته آلة الحرب في سوريا

يذكر أن المرصد السوري لحقوق الإنسان رصد خلال العام الفائت 2020 قرابة 70 حالة عثور على أطفال حديثي الولادة “مجهولي النسب” في العديد من المناطق في إدلب وريفها، كان من بين نسبة تصل إلى 40% في مدينة إدلب، وتوزعت باقي الحالات على عدة بلدات وقرى، من أهمها بلدات معصرة مصرين وسلقين في ريف إدلب الشمالي وبلدة أريحا في ريف إدلب الجنوبي، وعدة بلدات أخرى، وغالبية هؤلاء الأطفال تم العثور عليهم امام أبواب “المساجد” وأرصفة الطرقات الرئيسية.