“عشر دقائق ويرجع”.. عائلة من مدينة الرقة تروي قصة اعتقال أحد أبناءها على يد تنظيم “الدولة الإسلامية” وتناشد للكشف عن مصيره 

78

“أوصيكم بابنة أخي يمامة وشجرة الزيتون”، هذه كانت الوصية الأخيرة للمغيب قسرياً في سجون تنظيم”الدولة الإسلامية” قتيبة صالح الإبراهيم” “37 عاماً” قبل أن يقتاده عناصر” الحسبة” من داخل منزله في مدينة الرقة إبان سيطرة التنظيم عليها منذ نحو ست سنوات.
وفي شهادتها للمرصد السوري لحقوق الإنسان، تروي السيدة “أم قتيبة” ” 43 عاماً” وهي شقيقة الشاب المعتقل قصة اعتقاله من داخل المنزل دون أي سبب أو تهمة وجهت له، تقول، بأن شقيقها لم يكن لديه أي علاقة بالعمل المسلح أثناء سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” على مدينة الرقة ولم يشارك في المظاهرات والاعتصامات وكان منشغلاً بتلاميذه حيث كان يعمل مدرساً لمادة اللغة الإنجليزية بعد تخرجه من جامعة حلب في العام 2010.
وتتابع، بعد سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” على المدينة توقف “قتيبة” عن التدريس واقتصر على الدروس الخصوصية لمادة اللغة الإنجليزية لتلاميذه في المنزل بشكل سري، وبحسب مصادر المرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن تنظيم “الدولة الإسلامية” وإبان سيطرته على مدينة الرقة قام بتحويل العديد من المدارس والمؤسسات الحكومية لمقرات عسكرية ودواوين وسجون، وعمد التنظيم إلى إنشاء كلية اللغات والطب والتمريض، وكانت مدة الدراسة في هذه الكلية عام واحد للغات، وعامان للطب والتمريض.
وتضيف “أم قتيبة”، أن شقيقها اضطر خلال السنوات 2014 و2015و2016 للعمل في مجال في سوق للمواشي في المدينة يسمى سوق “الماكف”، مع عدد من أقاربه بعد أن ضاقت أحواله المعيشية كما هو حال الكثير من سكان المدينة ولاسيما المدرسين الذين هاجر العديد منهم خارج المدينة لكن “قتيبة” لم تكن لديه رغبة بالخروج.
وعن بداية قصة اعتقاله تقول السيدة “أم قتيبة” أن اعتقاله كان في شهر أيلول/ سبتمبر 2016، وصادف اعتقاله يوم وقفة “عيد الأضحى”، وفي عصر ذلك اليوم طرق أحدهم الباب وخرجت لأقول من الطارق؟ فكان الجواب “مثنى مثنى” هل  قتيبة هنا؟، فأجبت نعم ولكنه نائم، ثم اختفى الصوت ولم أجد أحداً، وبعد قليل دخلت ابنة أخي لاهثة مذعورة وهي تقول “عمة عمة الحسبة وراي” فهدئتها وقمت بارتداء النقاب وإذ بالباب يقرع من جديد.
وتكمل أم قتيبة قائلة، سألت مرة أخرى من بالباب؟ فأجاب “هيثم هيثم” أريد قتيبة من أجل “ذبيحة”، فقلت هو نائم، فقال “أيقظيه ضروري”، وعلى إثر الصوت خرج “قتيبة” من الغرفة حافياً يرتدي سترة داخلية وبيجاما منزلية، فقفزوا  من الحائط متلمثين ومعهم بنادقهم وقاموا باقتياده ورميه داخل سيارة بيضاء من نوع “H1″، وقام أحدهم بإطلاق النار في الهواء وطلب منا الهدوء، وبعد أن توسلنا لهم لمعرفة سبب اعتقاله أجاب أحدهم ” عشر دقات ونرجعه آخذينه شاهد إذا أنا علي شي هو عليه شي “، وطلبوا منا مراجعة “المكتب الأمني” الواقع في “عبارة الرياضة” بمدينة تل أبيض.
“وتؤكد مصادر المرصد السوري لحقوق الإنسان، بأن مدينة الرقة قد شهدت حملات أمنية مكثفة في العام 2016 وكان أسلوب الاعتقال مقيتاً، حيث يبدأ بالتأكد من وجود الشخص المطلوب عبر جواسيس يعملون بشكل سري لصالح التنظيم داخل المدينة.
وأقام التنظيم عدة مكاتب للمراجعة من قبل ذوي المعتقلين في “مجلس العشائر” بجانب حديقة الأطفال، ومكتب في “عبارة الرياضة” في شارع مدينة تل أبيض، ومكتب آخر في منطقة “الأماسي” ومكتب في “شارع الوادي”.
ومرت الأيام والشهور على اعتقال”قتيبة” وعاش ذويه على أمل أن يصلهم خبر يطمئنهم عنه أو يعرفوا مصيره، وعن ذلك تقول السيدة “أم قتيبة”، في شهر كانون الأول/ ديسمبر 2017 تلقينا اتصالاً هاتفياً يقول بأن “قتيبة” سيخرج هذا المساء، فجهزنا المنزل وجلسنا ننتظر وبعد طول انتظار طرق الباب وإذا بشاب يفاجئنا بقوله” أنا أزوركم قبل أن أذهب لأهلي لقد كنت مسجوناً مع “قتيبة” بنفس المهجع وهو يطمئنكم وسيخرج قريباً ولا يوجد عليه أي تهمة، لكن الأيام مرت دون أن يصل أي خبر عنه ثم ظهرت شائعة انهيار “سد الفرات” ونزحنا من مدينة الرقة مع العديد من العائلات الأخرى.
وبعد مرور هذه المدة من الاعتقال استطاع ابن شقيقة “قتيبة”، الذي كان يعمل في مجال الصحافة الوصول لمعلومات تفيد بنقله من مدينة الرقة إلى سجن “الباغوز”، وهذا ما أكده له أحد أمراء التنظيم الملقب “أبو عاتكة”، وتستمر عائلة “قتيبة” بالبحث عن مصيره المجهول على أمل أن يصلهم خبر عنه وقد مضى على غيابه نحو ست سنوات دون التأكد من كونه قد قتل أم لا يزال على قيد الحياة.
ويؤكد نشطاء المرصد السوري لحقوق الإنسان، بأن العديد من العائلات ضمن مدينة الرقة لا تزال على قناعة ويقين أن أبناءهم المعتقلين والمغيبين قسرياً في سجون تنظيم “الدولة الإسلامية” لا زالوا على قيد الحياة، وفق متابعات وتواصل وأن التنظيم عندما يقوم “بالقصاص” فإنه يصدر أشرطة مصورة “إصدارات” وصور بمن قام بتصفيتهم، وتلك هي مشكاة يقين العائلات.