على جبهة القتال في منبج شمالي سوريا

44

سافرنا على الطريق إلى منبج، البلدة السورية الواقعة شمال البلاد، والتي أصبحت جبهة القتال لتنظيم “الدولة الإسلامية”.

وتقع منبج على تقاطع الطرق الذي يصل بين مدينة الرقة، التي يسيطر عليها تنظيم “الدولة الإسلامية”، والحدود التركية، وغيرها من المناطق التي يسيطر عليها التنظيم في حلب.

وأصبحت الطرق أمرا هاما لقدرة التنظيم على تحريك المقاتلين والأسلحة والمؤن من وإلى سوريا.

وفي يوم 31 مايو/آيار، بدأت عملية تنفذها “قوات سوريا الديمقراطية”، وهي تحالف من مقاتلين عرب وأكراد بدعم من الولايات المتحدة، بهدف استعادة منبج وقطع طرق وصول الدعم إلى التنظيم.

وبعد قتال عنيف، نجحت القوات في تطويق وحصار منبج، وقطع كل الإمدادات عنها مطلع هذا الشهر.

“على البوابات”

وفي الطريق إلى منبج، انحرفنا عن الطرق الرئيسية الممهدة للمدينة، إذ حذرنا الدليل المصاحب لنا من أن التنظيم زرع ألغام وقنابل على جانب الطريق، فاتجهنا إلى الطرق الترابية الموازية.

وفي الطريق، مررنا بمدينة عين العرب (كوباني)، وهي بلدة على الحدود التركية، استعاد الأكراد السيطرة عليها في يناير/كانون الثاني 2015، بعد معارك استمرت لأربعة أشهر.

وتحولت الكثير من المناطق في عين العرب إلى حطام، وتنتشر على بقايا المباني صور المقاتلين الأكراد، رجال ونساء، الذين قتلوا في المعارك ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”.

ومع اقترابنا من الجبهة قرب منبج، على بعد حوالي 55 كيلومتر نحو الجنوب الشرقي، رأينا المئات من المدنيين الذين فروا من بيوتهم منذ بدء القتال. وكان أغلبهم من القرويين العرب، وقد خيموا على جانبي الطريق ورفعوا أعلام بيضاء.

وعندما رأى المخيمون سيارة قوات سوريا الديمقراطية، تقدموا نحوها طلبا للطعام والماء. وقال أحد المقاتلين العرب “نحن الآن على بوابات منبج. بإذن الله سننهي ظلم تنظيم الدولة الإسلامية في منبج ونحرر عائلاتنا ومدينتنا”.

القوة الجوية

وذهبنا إلى موقع لقاعدة تابعة لتنظيم “الدولة الإسلامية”، دُمرت مؤخرا بعد غارة جوية لقوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة.

وكانت جثامين مقاتلي التنظيم ما زالت في أرض المعركة.

وأشار المقاتلون الأكراد إلى جثة أحد المقاتلين الذي بدا وكأنه سوداني، كما قالوا إن آخر كان شيشانيا.

وكانت جثة أحد مقاتلي التنظيم ما زالت تحمل حزاما ناسفا، وتيبست أصابعة على مقربة من زر التفجير، إذ يتضح أنه حاول تفجير الحزام قبل مقتله.

وتحققت أغلب انتصارات قوات سوريا الديمقراطية بفضل الغارات الجوية للتحالف الأمريكي، وكنا نسمع أصوات الطائرات وهي تحلق فوق رؤوسنا.

ويوجه مجموعة من أفراد القوات الخاصة الأجنبية الطائرات إلى مواقع القصف، ورأينا مجموعة منهم بأنفسنا قرب جبهة القتال، وبدا أن الأفراد كانوا فرنسيين وأمريكيين، وطلبوا مننا التوقف عن التصوير.

وقال لنا المقاتلون الأكراد إن قوات خاصة بريطانية تعمل في المنطقة.

ورغم أن الغارات الجوية تكون حاسمة، إلا أن لها تكلفة أخرى.

وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، وهو جهة معارضة مقرها المملكة المتحدة، فإن 49 مدنيا قتلوا في الغارات الجوية منذ بدء عملية منبج.

وعادة ما يعلق المدنيون في تبادل إطلاق النار على الأرض أيضا.

ومررنا بمجموعة من العائلات تجمعت للاحتماء في حقل خلف جبهة القتال.

وفجأة، بدأ إطلاق النار في كل مكان، واضطر الجميع للجري والاختباء، واكتشفنا أن القرية التي أتت منها الأسر، والتي ممرنا من خلالها منذ عشر دقائق، كانت تتعرض لهجوم، وكنا محظوظين لتمكننا من الهرب.

“عار”

وفي موقع متقدم شرقا، كان مجموعة من المقاتلين العرب يرصدون المشهد من فوق مبنى يطل على مدينة منبج، وفجأة صاحوا “داعش! داعش!”، بعد رؤيتهم لصف من الناس يخرج من المدينة.

وبدأ المقاتلون العرب إطلاق النار، واستعدوا لإطلاق صاروخ، حتى صاح أحدهم مؤكدا أنهم مدنيون، وليسوا من مقاتلي تنظيم “الدولة الإسلامية”.

وجاء سكان منبج الفارين في سيارات وجرارات وسيرا على الأقدام، وتقدموا ببطء خارج المدينة، ولم يتأذ أي منهم من إطلاق النار.

وتحدثنا إليهم، فقال رجل مسن، يُدعى داباهان ويلاد: “تنظيم “الدولة الإسلامية” قتلنا وقتل أطفالنا، وأجبرونا على إطلاق لحانا، وفرضوا زيا علينا وكان يتوجب على النساء أن يغطين أنفسهن. فليعنا الله!”

وقال الفارون إن منبج تعاني من انقطاع الماء والطاقة. وأصبح الطعام باهظا جدا، ويستعد مقاتلو تنظيم “الدولة الإسلامية” للقتال.

وصرخت امرأة تجلس في خلفية جرار “إنه عار معنا أطفال ومسنون واضطررنا لجمعهم في سيارات والهرب بهم”.

ويقول المرصد السوري إن 19 مدنيا قتلوا منذ بدأ القتال في منبج.

“خط أحمر”

ويشارك حوالي ثمانية آلاف مقاتل في قوات سوريا الديمقراطية في المعارك الدائرة حول منبج.

وتقول الولايات المتحدة إن المقاتلين العرب يقودون العملية، لكن في الحقيقة، يتولى القادة الأكراد من وحدات الحماية الشعبية قيادة العملية، وهو أمر شديد الحساسية بالنسبة للأتراك على الجانب الآخر من الحدود.

وأعلن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، من قبل إنه لا يفرق بين وحدات الحماية الشعبية الكردية في سوريا، وبين حزب العمال الكردستاني الذي تعتبره تركيا منظمة إرهابية.

وطلب أردوغان من الولايات المتحدة أن تتوقف عن دعم الأكراد، وحذر الولايات المتحدة العام الماضي من تجاوز “الخط الأحمر” لنهر الفرات الذي يمر بين منبج وعين العرب.

لكن مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية تجاوزوا هذا الخط تماما، ويسيطر المقاتلون الأكراد وحلفاؤهم العرب حاليا على أكثر من 500 كيلومتر بطول الحدود التركية- السورية.

ويطلق الأكراد على هذه المنطقة “غرب كردستان”، ولا يخفون نواياهم في الاستيلاء على باقي المدن الواقعة تحت سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” على الحدود السورية.

وبذلك، ستصبح الحدود التركية السورية بالكامل تقريبا تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، فيما عدا بلدة “أعزاز” التي تسيطر عليها قوات العرب المقاتلين في الغرب.

لكن هذا الأمر غير مرجح الآن فمنبج محاصرة، والعملية ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” أقرب إلى الفشل.

وقالت لنا قوات سوريا الديمقراطية إنه رغم وصولهم إلى حواف المدينة، إلا أنه من غير المتوقع استمرارهم في التقدم بسبب الضغط التركي والأمريكي.

 

المصدر: بي بي سي