عن الإرهاب ورُعاته

141

أية قوة شحن إجرامية هذه التي تستحوذ على عقول الذين يفجرون أنفسهم، ويرتكبون الجرائم ضد الأبرياء، فتعمى بصيرتهم ويسعون في الأرض فساداً؟. إن أعمار هؤلاء جميعاً لا تزيد في المتوسط عن الثلاثين سنة، وليس من بينهم كبير في السن، فهم فتية خدروا تخديراً قوياً، فصاروا يعيشون في الضلال والأوهام، ويتخيلون أنهم يحسنون صنعاً ويتقربون إلى الله بما يقترفونه من آثام ويرتكبونه من جرائم، ويفجرون مَن حولهم ويدمرون وينتحرون. ونادراً ما يكون من بين هؤلاء المجرمين الذين يمارسون الإرهاب، مَن نال حظاً من التعليم الشرعي الصحيح، فهم في غالبيتهم، أنصاف متعلمين، أو أميون لا يفقهون شيئاً من دينهم أو دنياهم، ويتحركون تحت الراية السوداء التي تعبر عن سواد الأفكار التي شُحنوا بها، حتى وإن كانت تحمل كلمات الشهادة على سبيل التضليل.

أية علاقة بين المجرمين الإرهابيين الثلاثة الذين فجروا مطار اسطنبول الدولي، وبين الشعار الذي كانوا يحملونه في دواخلهم، والذي عُلم بعد إعلان تنظيم ما يسمى الدولة الإسلامية عن تبنّيه تفجيرات أكبر مطار في تركيا؟. أحد هؤلاء من داغستان التي هي إحدى جمهوريات روسيا الاتحادية، وآخران من أوزبكستان ومن قيرغيزستان، وهما الجمهوريتان المستقلتان عن الاتحاد السوفياتي المنهار. فماذا يجمع بين هؤلاء القتلة المجرمين؟. وما هي القوة أو القوى التي جمعتهم ووظفتهم للقيام بهذه الجريمة البشعة؟.

والانتحاريون الإرهابيون الذين فجروا في منطقة الكرادة في بغداد وقتلوا ودمروا، أي إسلام يدّعون وما فعلوه هو جريمة نكراء يحرّمها الإسلام ويجرّم مرتكبها؟.

ثم كيف يقدم شخص، يدعي أنه مسلم، على ارتكاب جريمة شنعاء بجوار المسجد النبوي الشريف عند ساعة الإفطار، ثم يفجر نفسه ويقتل الصائمين المرابطين؟. هل يمكن أن يكون هذا الشخص من المسلمين الذين يراعون حرمة الدماء المعصومة؟. وهل مَن وجّهه إلى ارتكاب تلك الجريمة هو من المسلمين الذين يخشون الله ويتقونه؟. وذاك الباكستاني المقيم في المملكة العربية السعودية منذ أكثر من عشرة أعوام، الذي فجر نفسه بالقرب من مسجد في جدة، هل كان يفقه شيئاً من مدلول كلمات الشهادة التي يخدع بها تنظيم داعش العالم ويجعلها عنواناً له ليضل به مَن يستقطبه ويجنده لمصلحته؟. وهذا الإرهابي المجرم الذي فجر نفسه قرب مسجد آخر في القطيف، هل هو من زمرة المسلمين؟. أليس هو إرهابي مجرم قاتل وأبعد ما يكون عن الإسلام؟. أليس هؤلاء الإرهابيون وسائط يستخدمها المتربصون بالعالم الإسلامي، وهم كثر، للإساءة إلى الدين الحنيف، ولتشويه صورته في العالم، ولإثارة الاضطرابات والفتن وزعزعة الاستقرار والإضرار بالأمن والسلم، تحقيقاً لمصالح قوى إقليمية ودولية منخرطة في التآمر على دول المنطقة؟.

لقد استُهدفت المملكة العربية السعودية منذ سنوات، من الإرهاب الذي يتستر وراء الدين، وها هي اليوم تُستهدف بهذه التفجيرات الإرهابية التي وقعت يوم الإثنين الماضي، والتي أريد بها ضرب الاستقرار الذي تنعم به، في هذه المرحلة التي هي مقبلة فيها على إحداث تغيرات في المنظومة الاقتصادية، وفتح المجال الواسع أمام الاستثمارات الكبرى في إطار «رؤية 2030». وهو الأمر الذي يتطلب الأمن الوارف والأمان المستقر، وتقوية الجبهة الداخلية، وتعزيز السلم الأهلي. وهي أهداف يضعها من يقف وراء الإرهابيين نصبَ أعينهم لضربها، ويجهدون أنفسهم ويسخرون كل إمكاناتهم، لتحقيق ما يقدرون على تحقيقه منها.

ولكن خاب الأمل الذي يدغدغ هؤلاء المجرمين الإرهابيين، سواء كانوا المخططين في الخارج أم كانوا العناصر الموظّفة لهذا الغرض من الداخل. فليست هذه هي المرة الأولى التي يضرب الإرهاب المملكة، ولربما لن تكون الأخيرة، ما دامت المنطقة واقعة تحت مطارق الإرهاب على تعدد أشكاله، ومادامت أطراف إقليمية وأخرى دولية، تعمل، بالتنسيق في ما بينها أو بغير تنسيق، من أجل تنفيذ مخططاتها الإرهابية الرامية إلى تعميم حالة الفوضى الهدامة حتى تغطي المنطقة بكاملها، تمهيداً لتغيير الخرائط وإنشاء كيانات جديدة وفق تخطيط القوى الكبرى ولتكون في خدمتها.

نحن اليوم إزاء جولة جديدة من الإرهاب الذي لا يراعي حرمة للدين ولا للدماء، ولا للزمان وللمكان. والذين يستفيدون من هذا الإرهاب الكاسح، لن يترددوا عن التصعيد في وتيرة مؤامراتهم، لإيجاد المناخ المناسب لتفجير المنطقة أكثر مما هي مفجرة اليوم. فالتفجيرات الإرهابية التي وقعت في جدة والمدينة المنورة والقطيف يوم الإثنين 4 تموز (يوليو) الجاري، لا يمكن فصلها عن التفجيرات التي وقعت في مطار اسطنبول الدولي قبلها بأيام، ولا عن التفجيرات التي وقعت في منطقة الكرادة ببغداد بعد ذلك، ولا عن الخلايا الإرهابية التي تم كشفها في الكويت أخيراً. فهذه خريطة جديدة للإرهاب الذي يظهر أنه دخل المرحلة الأكثر خطورة. ولا بد من ربط هذه الأعمال الإرهابية بالتهديدات التي صدرت عن جهات طائفية في إيران والعراق ولبنان، تتوعد المملكة والمنطقة برمتها وتهددها بزعزعة أمنها، وها هي فعلت.

لقد دق ناقوس الخطر بعنف شديد، وتبينت الحقائق لكل ذي بصر وبصيرة، وحانت ساعة مواجهة من يتربص بقلب العالم الإسلامي الدوائر، ويعمل بكل خبث ومكر، على إثارة الفتن ونشر الدمار والطائفية في المنطقة برمتها. وقد كثر اللغط من قِبَل مَن يريدون صرف الانتباه عن مصدر الخطر الحقيقي إلى تدليسات تافهة وتحامل كريه على الأسس الراسخة التي يقوم عليها كيان الوطن، والذي بها تتميز خصوصيته ووسطيته واستقامة عقيدته. وفي مثل هذه الأجواء الملبدة بغيوم المكر والغدر والتآمر، يتعين اتخاذ الموقف الحازم والرأي الرشيد والقرار الصائب لحماية الوطن ورد كل أشكال العدوان عليه.

عبد العزيز التويجري

المصدر: الحياة