فواحش «داعش»

53
لا يحتاج أي إنسان عاقل إلى برهان لتأكيد همجية وانحراف «داعش»، أو أي من تنظيمات الإرهاب التي انتشرت ونشرت معها الخراب والدمار؛ ففي كل مشاهد القتل التي بثها المنتسبون لهذه الحركات سواء في باكستان أو في سوريا أو العراق أو في أوروبا، كان واضحا أن العقلية التي تقف خلف هذه الممارسات هي عقلية غير سوية، مجردة من الإنسانية، وبعيدة كل البعد عن سماحة الإسلام.
الطريقة المروعة التي قتل بها تنظيم داعش الطيار الأردني معاذ الكساسبة تؤكد إجرامية العقول المنفذة والمخططة، وتدل على أن هؤلاء يتلذذون بممارساتهم مثلهم مثل كل مجرم منحرف وقاتل محترف. فمثل هذا العمل لا يتم تلقائيا، بل كان واضحا أن منفذيه فكروا فيه، وأعدوا المسرح لجريمتهم، وجهزوا معداتهم بما فيها كاميرات التصوير، وبيانات أعدت بدقة، وقرئت بإتقان؛ فهؤلاء لا يتلذذون بالقتل فقط، وإن كانوا يطورون في أساليبه كل مرة، بل يتباهون بعرض جرمهم بكل بشاعته أمام العالم كله، متوهمين أن ذلك يكسبهم هيبة وقوة.
طريقة قتل الكساسبة والرهائن اليابانيين والغربيين تكشف أن «داعش» يطور في كل مرة أساليبه في القتل لتكون صادمة أكثر، لأن رسالته هي الرعب، ومنطقه هو الترهيب، ولا سلاح في جعبته غير ذلك.
«داعش» ذهب أبعد هذه المرة ونشر مع فيديو فعلته الفاحشة صور وأسماء وعناوين طيارين أردنيين، قال إنهم يشاركون في الغارات الدولية على مواقعه، وزعم أنه رصد مكافأة مالية لكل من يقتل من اعتبرهم مطلوبين لديه. فالتنظيم الإرهابي يحاول إعطاء انطباع أن دولته المزعومة كيان له قدرات استخباراتية مع أن المعلومات التي أوردها قد لا تكون دقيقة، وحتى إذا كانت صحيحة، فإنه قد يكون حصل عليها من تعذيب الطيار الكساسبة.
الرد الأردني جاء سريعا تنفيذا لما أعلنه مباشرة بعد نشر فيديو قتل طياره الأسير من أنه سيرد بشكل «حازم ومزلزل وقوي»، إذ تم تنفيذ حكم الإعدام بحق ساجدة الريشاوي المدانة بجرم الإرهاب والتي كان «داعش» يطالب بإطلاق سراحها. وأعدم معها في الوقت ذاته مدانا آخر بارتكاب جرائم إرهابية هو العراقي زياد الكربولي، علما بأن الأردن ظل يؤجل تنفيذ هذه الأحكام منذ 8 أعوام أو أكثر في حالة الريشاوي التي صدر الحكم بإعدامها عام 2006 بعد إدانتها بالاشتراك في الهجمات الإرهابية على 3 فنادق في عمان ومقتل 56 شخصا.
السلطات الأردنية أعلنت أن «داعش» قتل الكساسبة منذ الثالث من يناير (كانون الثاني) الماضي، أي بعد أيام قليلة من أسره، مما يعني أن التنظيم كان يكذب ويخادع عندما زعم أنه مستعد لإطلاق الطيار الرهينة مقابل الإفراج عن الريشاوي. هذا الأمر يؤكد أنه لا يمكن أبدا الركون إلى كلام أو وعود مخططي الإرهاب، ولا مجال أو اطمئنان للتفاوض معهم؛ فالعقول التي تقف وراء الإرهاب هي عقول مريضة تتسلح بفكر ضال لا حل معه إلا بمحاربته بلا هوادة، ودحر تنظيماته.
جريمة قتل الكساسبة والطريقة الوحشية التي تمت بها قد تكون نقطة تحول في الحرب ضد «داعش»؛ لأن الصدمة الواسعة التي أحدثتها جعلت الناس أكثر نفورا من مثل هذه التنظيمات وممارساتها، وبالتالي أكثر تقبلا للحرب التي تشن لاجتثاثها. كما أن الجريمة تبعث برسالة أخرى إلى العالم بأن المسلمين هم أيضا ضحايا للإرهاب، وأنه عندما يقتل مواطنون غربيون أو آسيويون يقتل مثلهم بل وأكثر منهم من المسلمين، وأنه عندما يقتل 17 شخصا بيد الإرهابيين في باريس، فلا بد أن يتذكر العالم أن معتنقي هذا الفكر الإرهابي قتلوا قبل أسابيع قليلة من فعلتهم تلك 150 شخصا بينهم 134 طفلا في مجزرة مدرسة بيشاور. جرائم الإرهاب تحصد يوميا مسلمين في مصر والعراق وسوريا والصومال، وإن طالت عمليات الإرهاب دولا غربية، فإنه لم تسلم منها غالبية الدول العربية والإسلامية.
محاربة الإرهاب تتطلب جهدا دوليا لا يقتصر فقط على العمليات العسكرية والأمنية، بل يشمل محاربة الفكر الضال الذي يقف وراءه، وملاحقة منظريه، وتجفيف مصادر تمويله، ومتابعته في كل مكان. فالإرهاب لن يهزم إذا ركز العالم جهوده على «داعش» في العراق أو سوريا، وغض النظر عما يجري في ليبيا، وسكت عما يرتكبه الإرهابيون في مصر. كما أنه لن يدحر إذا استمر الهجوم على الإسلام الذي يستفز غالبية المسلمين من المعتدلين، ويجعل بعضهم يتعاطفون أو يسكتون أحيانا عن ممارسات المتطرفين والإرهابيين، مثلما أنه يمنح شيوخ الإرهاب ومنظريه سلاحا يستخدمونه لاستقطاب شباب يشعر بالغبن أو التهميش. حرب الإرهاب تتطلب تعاونا دوليا أوسع، وفرزا واضحا بين قلة من الإرهابيين ودين يعتنقه أكثر من مليار ونصف المليار إنسان تدين الغالبية العظمى منها فكر الإرهاب، وتتبرأ من فواحش «داعش» وأمثاله.
عقمان ميرجني 
المصدر : الشرق الاوسط