في الذكرى الـ 16 لاغتيال الشيخ محمد معشوق الخزنوي.. نجله الشيخ مرشد للمرصد السوري: المجرم ماهر الأسد شقيق الطاغية بشار هو من أمر وأشرف على اعتقال واستشهاد الوالد

63

يطلق عليه “أيقونة الانتفاضة الكردية”، تلك الانتفاضة التي كلفت الأكراد في الحسكة عشرات الضحايا والجرحى والمعتقلين، وزادت من تضييق النظام عليهم منذ تلك الحقبة، وهي من أقوى التجارب السورية في الاحتجاج ضد النظام الذي حكم أكثر من 50 عاما، حيث تحل اليوم الذكرى الـ 16 لاغتيال الشيخ معشوق الخزنوي، وسط مطالبات بالكشف عن مرتكبي هذه الجريمة ومحاسبتهم .

وفي هذا الإطار تحدّث الشيخ مرشد الخزنوي نجل الراحل، في حوار مع المرصد السوري لحقوق الإنسان، عن تفاصيل اختفاء والده الشيخ معشوق الخزنوي الذي قتل في سجون أجهزة النظام الأمنية، متّهما ماهر الأسد بتصفية والده.

س-بعد الانتفاضة الكبيرة التي قام بها الشعب الكردي في القامشلي عام 2004 ضد النظام البعثي أخذ الشيخ الراحل معشوق الخزنوي على عاتقه مسؤولية إيقاظ الكرد من خلال الخطب التي كان يلقيها في الجوامع والندوات وغيرها.. هل دفع والدك حياته ثمنا لإنقاذ الكرد من الاضطهاد و سياسة الإقصاء؟

ج-بكل تأكيد، لأن الشيخ الشهيد كان ينطلق من أسس رسالة الإسلام الداعية إلى العدل والقسط، وهو لب رسالة الأنبياء جميعا عليهم الصلاة والسلام، وفي ذلك يقول الله تعالى (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ ) ومعلوم أن العلماء ورثة الأنبياء، من هنا كانت انطلاقة الشيخ الشهيد، وكثيرا ما كان يقول على منبره: تصيبني القشعريرة عندما أتحدث عن عدالة الإسلام، وعن أخوة المسلمين، وعن المساواة في الإسلام.. كان يقول: أستشعر الكردي الجالس تحت المنبر وهو يصرخ في وجهي أين عدالة الإسلام لما لا تشملني؟.. أين أخوّة الإسلام لما تشملني، أين المساواة في الإسلام لما تقف عند حدودي؟
-من هنا أخذ الشيخ الشهيد على عاتقه مظلومية شعبه الكردي المضطهد وما يمارس عليه من تهميش وإقصاء، ولم يكن يألو جهدا في إيصال هذه المظلومية سواء في المؤتمرات الإسلامية أو العالمية أو لقاءاته مع سفارات العالم واستضافتهم في مكتبه، وصولا إلى استنهاض الشعب الكردي والجماهير الشابة للانتفاضة والثورة على هذا النظام الشوفيني الذي للأسف لا يزال جاثيا على صدور الشعب السوري عامة.. عندما خاطب الجماهير لكي تنتفض فإنه كان يدرك أن الحقوق لا يتصدق بها أحد بل تؤخذ بالقوة، واستنهض الشباب عندما خاطبهم قائلا: من أراد منكم أن تشتموا أهلكم فابصقوا في وجوههم.

س-من تتّهمون باغتياله؟ وهل تتابعون دوليا القضية التي أثارت الرأي العام العالمي لمحاسبة الجناة، خاصة أن هناك كثيرا من القضايا رُفعت ضد عائلة الأسد ولاعتبار أن قضية الشيخ تخص شعبا بأكمله لا لمجرد أنه إنسان عادي؟

ج-منذ لحظة الاختطاف والاعتقال وصولا بعد عشرين يوما إلى لحظة الاستشهاد كانت الأمور واضحة لدينا، وكانت خيوط القضية مجمعة بأدلتها على أن المجرم ماهر الأسد شقيق الطاغية بشار هو من أمر وأشرف على اعتقال واستشهاد الوالد، وتنفيذا لهذا الأمر المشين شاركت عدة أدوات سواء رسمية كالمخابرات الجوية ومن بعدها مشفى تشرين العسكري أو غير رسمية لتنفيذ الجريمة.
ومنذ يوم الاستشهاد أعلنا ذلك رسميا تحت خيمة العزاء عبر بيان رسمي من العائلة، وتقدمنا إلى قاضي التحقيق الأول في دمشق لإقامة الدعوى على ماهر الأسد، لكنهم للأسف وكما هو معلوم للجميع لم يسمحوا لنا بإقامة هذه الدعوى كما لم يسمحوا لمجموعة محامي العائلة بالاطلاع على القضية أو على ملفها إلى هذه اللحظة.
كما لم يسلمونا إلى هذه اللحظة متعلقات الشيخ من عمامته ، جبته ، هواتفه ، هويته ، مسبحته ، ساعته …….

س-ألم تخدم الثورة السورية قضية والدك في الكشف عن حقائق تخص اختطافه ثم اغتياله؟

ج-على صعيد القضية ليس كثيرا، على اعتبار أننا قبل الثورة السورية استطعنا تجميع ما يمكن من الأدلة على من أشرفوا على الجريمة كما أشرت في السؤال السابق.. الشيء الذي يمكن الإشارة إليه بعد الثورة السورية هو تصديق المجتمع العالمي ومَن كنا على تواصل معهم على أن هذا النظام مجرم بعد قيامه بالعديد والعديد من المجازر بحق السوريين.

س-كان النظام السوري قد روّج قصة على إحدى قنواته التلفزيونية لمحاولة خلق وزرع الفتنة بين أبناء عائلة الخزنوي من خلال الترويج والادّعاء بأنّ الشيخ قد خالف الطريقة الخزنوية.. ما تعليقك شيخ مرشد وماردكم ولو بعد كل هذه السنوات؟

ج-لقد تم الرد على مسرحية النظام مباشرة بدقائق بعد عرضها على التلفزيون في اليوم الثاني من استشهاد الوالد وأصدرنا بيانا رسميا بذلك.
-خلافنا المادي أو الفكري مع بعض أطراف العائلة لم يكن مستجدا بل هو قبل 34 عاما أي قبل استشهاد الوالد بـ 18 عاما ولم يكن الأمر يستدعي ما روج له النظام، وهو كأي خلاف داخل كل عائلة ، لكن النظام استطاع ومن خلال ارتباطاته ببعض أطراف الطريقة أن يصدّر بعض الأشخاص منهم كأدوات.

س-كثر الحديث عن تعرض والدك المغدور حين اختطف إلى التعذيب القاتل وتعرض جثته فيما بعد للتنكيل، ماصحة ذلك؟.. لو تقدم بعض المعطيات حول ماحدث.

ج-هذا صحيح.. فالجسد المبارك كانت واضحة عليه آثار التعذيب الشديد من الحرق والنتف والتقطيع وآثار السياط، ولربما هذا ما حدا بالنظام المجرم وعبر أدواته إلى أن يقول إنهم حاولوا تذويب جسد الشيخ بالأسيد لكنهم لم ينجحوا.

هذا إضافة إلى شهادة الطبيب الذي أشرف على إسعاف الشيخ معشوق الخزنوي في مشفى تشرين العسكري بدمشق وشهادته بأن الشيخ غادر المشفى برفقة العناصر الأمنية وهو في حالة يرثى لها من التعذيب لكنه غادر المشفى وهو على قيد الحياة.

س-“الشيخ معشوق، كان يدرك أن النظام يحيك مؤامرة اغتياله”.. هكذا صرحتم سابقا، لماذا لم تتم حمايته وتهريبه إلى بلد آخر تكون حياته فيها محمية ويواصل رعاية رسالته السلمية؟

ج-صحيح، ولكن الشيخ كان يرفض رفضا قاطعا مغادرة الوطن والعيش في المنافي ، وقد عُرض عليه البقاء في أوروبا قبل استشهاده بأشهر قليلة خصوصا وأن الشيخ كان يتمتع بعلاقات طيبة مع الكثير من الشخصيات الأوروبية وقد كان في زيارة للملكة النرويجية بصحبة السفير النرويجي بدمشق ضيفا على الحكومة النرويجية ، لكنه كان يرى أن قوة الرسالة ومصداقيتها تكمن في أن تعيشها ، وكان يرى أن العيش في المنفى كمن يناضل بعيدا عن الساحة.
اليوم ومن بعد الشيخ الشهيد جربت العيش في المنافي منذ 16 سنة.. أنا أؤمن بأن الشيخ كان صائبا في أن لا قيمة لنضال من خارج الحدود، ومهما أؤتي الإنسان من قوة شخصية أو علمية أو سياسية لن يكون مؤثرا كمن يعيش الوجع في الداخل.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى وبخصوص الحماية، كان الشيخ حريصا على نوع من الحماية الذاتية لكن كان يعتقد أنه مهما كانت قوة الحماية التي يتمتع بها الناشط في سورية البعث فإنه تحت أعين مخابراتها وأعوانها ولا يستطيع مقاومتها في النهاية.

س-اليوم بعد 10 سنوات من الثورة كيف تقيم دور المعارضة السورية ، وما تعليقك على من يصفها بأنها شبيهة بالنظام ؟

ج-منذ اللحظة الأولى لشرارة الثورة كنت بجانبها ، ولربما لا أبالغ إن قلت إنني أول رجل دين انحاز وشارك في دعم الثورة السورية منذ لحظتها الأولى وحتى قبلها، وقد شاركت في جميع المؤتمرات واللقاءات التي نظمت من أجل دعم الثورة وكنت من المؤسسين للمجلس الوطني السوري ،وكنت أعول خيرا على المعارضة، خصوصا وأننا منذ سنوات كنا نتواصل مع أطراف المعارضة في الداخل والخارج ونستمع لأطروحاتهم، لكن للأسف كانت تلك الأطروحات نظرية، وعندما حانت الفرصة للتطبيق العملي صدمت.
واستمريت مع المعارضة إلى مؤتمر الجامعة العربية الذي عقد بالقاهرة في 2012 حينها كانت لي كلمتي المشهورة التي بثت عبر قناة الجزيرة والتي لامني وقتها الكثير من الأصدقاء ، لكنني اليوم وبعد مرور 10 سنوات لم أندم على موقفي حينما قلت: ” إذا كانت هكذا هي المعارضة فمرحبا ببشار”.
ولكن أردت فقط التعبير عن أن معارضتنا لا تقل عن بشار، الفارق بينهما أن بشار كان يمتلك القوة والسلطة لتنفيذ إجرامه، بينما معارضتنا كانت تحارب لامتلاك تلك القوة والسلطة لممارسة ذات الاجرام، ولا يخفى على أي مراقب كمية السرقات والفضائح والارتهان لاستخبارات عالمية التي حصلت عبر عشر سنوات.

-هذا في المجمل وهذا يشمل كل الكيانات والمنظمات المعارضة، لكن في نفس الوقت لا يزال هنا شخصيات لها كل التقدير والاحترام، أما ككيانات فهم أسوأ من النظام.

س- منذ انتقال الأزمة السورية من سلمية إلى مسلحة وظهور منظمات راديكالية ومجاميع مسلحة، أخذت الأزمة في سورية منحى آخر، ولم يعد الملف السوري في يد السوريين بل أصبح يتقاذف وفق المصالح الدولية والإقليمية وبالأخص بين المصالح الأمريكية والروسية، ما تقييمكم للوضع اليوم؟

ج-كما أشرت آنفا خلال السنتين الأولى من بداية الثورة كنت موجودا في كل مؤتمراتها ولقاءاتها، للأسف منذ اللحظة الأولى كان مندوبو السفارات العالمية والاستخبارات الدولية يتوافدون إلى كل مؤتمر وقد نجحوا للأسف، وبالتالي خرج الملف السوري من أيدي السوريين في أشهر الثورة الأولى، ولا يزال السوري إلى اليوم بنظامه وبمعارضته أحجار شطرنج يُتلاعَب بها وفقا لمصالح الدول المؤثرة، وعملية تجاذب لمصالحها، وبالتالي قناعتي أنه لم يحن الوقت بعد لإنهاء الأزمة في سورية، وأن أمريكا وروسيا لا زالتا بحاجة إلى مزيد من الوقت للوصول إلى اتفاقيات بشأن مصالحها العالمية في أكثر من بقعة من العالم.

س- هل تتابعون الحوار الكردي-الكردي؟ ثم ألا ترون أن الخطاب الكردي الموحد بعيدا عن التجاذبات الحاصلة اليوم قد طرق حل القضية الكردية في سورية؟

ج-للأسف الحركة السياسية الكردية هي أيضا أصابها التمزق ضمن أجندة الدول المؤثرة في العالم عموما وفي سورية خصوصا، واستطاعوا أن يجعلوا من الأطراف الكردية أعداءً لبعضهم البعض وهذا هو للأسف الذي يُفشل حل القضية الكردية كما فشلت منذ اتفاقية سايكس بيكو ولوزان، وهي نفس الخديعة بأدوار وحركات مختلفة لإجهاض أي حل .. وفي المنظور القريب أو البعيد لا حل للقضية الكردية إلا بتوحيد الرؤى العامة بين أطراف الحركة الكردية ، واتفاقها على الخطوط العامة التي لا ينبغي أن تختلف فيه، والتي لن يغفر التاريخ والأجيال القادمة لها هذا التشرذم