قبيل انسحابها.. الميليشيات الإيرانية نقلت أسلحة وذخائر إلى مناطق انتشار تنظيم داعش في بادية دير الزور

ما بعد انسحابها من سورية.. العلاقة بين الميليشيات الإيرانية وتنظيم "الدولة الإسلامية" إلى أين

1٬531

بعد انسحاب الميليشيات الإيرانية من الأراضي السورية عقب سقوط نظام بشار الأسد، عادت العلاقة الخاصة بين تنظيم “الدولة الإسلامية” والميليشيات إلى الواجهة من جديد، في ظل الأحداث التي شهدتها ديرالزور قبيل الانسحاب، وما بعد سقوط النظام، واستمرارًا منه بمتابعة ملف العلاقة بين الطرفين وتأثيرها على المنطقة، يقدم المرصد السوري لحقوق الإنسان تقريراً يتناول آخر التطورات في هذا الملف.

 

تحركات عسكرية واجتماعات في البادية قبيل الانسحاب
في الآونة الأخيرة وقبل انسحاب الميليشيات التابعة لإيران من سورية، شهدت بادية معيزيلة في دير الزور، حيث ينشط تنظيم “الدولة الإسلامية”، تحركات مكثفة لتلك الميليشيات على مستوى القيادة والعناصر الغير سوريين، لاسيما فاطميون الأفغانية وزينبيون الباكستانية والحرس الثوري الإيراني، التحركات شملت نقل شاحنات محملة بالأسلحة والذخائر التي يتم تهريبها من العراق عبر طرق غير شرعية، تحت غطاء شحنات تجارية مثل الأغنام أو المواد الغذائية، ووفقاً لمصادر المرصد السوري فإن السلاح شمل رشاشات ثقيلة، بنادق كلاشنكوف، وذخائر متنوعة، إضافة إلى كميات كبيرة من مادة TNT شديدة الانفجار، التي استخدمها التنظيم سابقاً في عملياته ضد أهداف متعددة.

بالإضافة لذلك، شهدت المنطقة اجتماعات سرية بين قيادة الجانبين، دون الوصول إلى معلومات واضحة عما جرى ضمنها لكن المعلومات تشير لتفاهمات بين الطرفين لخلف حالة من الفوضى في مناطق متفرقة من سورية لاسيما في دير الزور.

وفي ظل التغاضي المريب عن تواجد التنظيم ضمن البادية السورية أثناء فترة حكم نظام الأسد، ظهرت تساؤلات عديدة حول طبيعة العلاقة بين الميليشيات الإيرانية و”التنظيم”، ولطالما سلط المرصد السوري الضوء عليها وعن حقيقة العلاقة بين الطرفين، حيث كانت أرتال التنظيم تتجول بحرية في البادية دون أن تتعرض لأي استهداف أو اعتراض من النقاط الإيرانية المنتشرة هناك والعكس صحيح، هذه النقاط، التي كانت تشكل طوقاً محكمًا حول المدن والبلدات، لم تُسجل ضدها أي هجمات تُذكر من خلايا “التنظيم” المنتشرة في المنطقة، مما أثار الشكوك حول طبيعة هذا “التعايش” غير المعلن.

 

شهادات محلية تعبر عن قلقها من العلاقة بين الميليشيات والتنظيم

ومن بين التساؤلات التي أُثيرت كان كيفية حصول عناصر “التنظيم” على الإمدادات الضرورية، مثل مياه الشرب والطعام والذخائر والأسلحة، رغم الانتشار الكثيف لنقاط الميليشيات أضف إلى ذلك دلائل مثيرة للريبة، مثل الهجمات التي استهدفت رعاة الأغنام، حيث أفادت شهادات محلية للمرصد السوري بأن مجموعات تستقل آليات تحمل راية “التنظيم” قامت بسلب قطعان الأغنام وقتل بعض الرعاة، والمثير في الأمر أيضاً أن هذه القطعان كانت تُرصد بعد فترة وجيزة داخل نقاط الميليشيات الإيرانية، حيث عُرضت للبيع من قبل أفراد مقربين منها.

السكان المحليون، الذين يعيشون في حالة من القلق والخوف من عودة نشاط التنظيم بمنطقة غرب الفرات بتنسيق مع خلايا الميليشيات الإيرانية من المحليين، أحد سكان قرية الصالحية بريف دير الزور الذي رفض ذكر اسمه لدواعٍ أمنية تحدث للمرصد السوري فقال: انسحاب الميليشيات الإيرانية يعني نهاية الضغط على منطقتنا، لكننا شاهدنا بأن قسم من القيادات المحلية التي كانت تعمل مع الميليشيات باتوا ضمن مناطق انتشار التنظيم في البادية مع نقل سلاح وذخائر لهناك بالإضافة لوجود قسم آخر منهم داخل مناطقنا وهو ما يثير قلقنا من استغلال الحالة العامة في البلاد والمرحلة الانتقالية وعودة نشاط المليشيات والتنظيم لزعزعة أمن المنطقة، وذلك لمحاولة إيران بالظهور على أنها كانت تحمي تلك المناطق وانسحابها أدى للفوضى لتلميع صورتها التي اهتزت أمام جمهورها.

وبحسب شهادة أبو عبدالله وهو أحد أبناء مدينة الميادين في محافظة دير الزور، فإن الميليشيات الإيرانية في بادية الميادين تركت كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر في مواقعها قبل انسحابها، دون أن تقوم بنقلها إلى العراق أو إتلافها. وأشار أبو عبدالعزيز إلى أنه رصد آليات تابعة لخلايا “التنظيم” تدخل تلك النقاط بعد ساعات قليلة فقط من انسحاب الميليشيات الإيرانية، حيث قامت بتحميل الأسلحة والذخائر والتوجه بها إلى عمق البادية باتجاه الحدود الإدارية بين باديتي دير الزور وحمص.

وأكد أبو عبدالعزيز أن السرعة التي تحرك بها “التنظيم” للوصول إلى هذه المواقع ومعرفته المسبقة بمكان وجود الأسلحة، إضافة إلى عدم قيام الميليشيات بتدميرها أو نقلها، تشير بشكل واضح إلى وجود تنسيق مسبق بين الميليشيات الإيرانية وتنظيم داعش لضمان وصول هذه الإمدادات إلى التنظيم.

 

اعتراف من التنظيم بالتعاون مع الميليشيات
وفي إطار متابعة ملف العلاقة بين تنظيم داعش والميليشيات الإيرانية تمكنت مصادر المرصد السوري من الوصول إلى أحد العناصر السابقين لدى التنظيم في البادية ويدعى أبو يامن سوسة (اسم وهمي) حيث أشار إلى أن الميليشيات الإيرانية لا تهتم بمن تتعامل معه طالما أن ذلك يخدم مصالحها الخاصة، قدموا لنا أسلحة وذخائر، وطلبوا منا تنفيذ عمليات محددة ضد شخصيات وأهداف معينة ومن ثم يقومون بحملات أمنية للظهور الإعلامي وتبني رواية مكافحة الإرهاب، لكن في المقابل، كان لنا حرية كاملة باستخدام بعض الطرق لتهريب الأسلحة والأموال بتنسيق كامل بيننا، العلاقة معهم كانت واضحة كل طرف يخدم الآخر لتحقيق أهدافه.”

 

تحليل العلاقة وتأثيرها على مستقبل المنطقة
تشير المعطيات إلى استمرار العلاقة بين التنظيم والميليشيات الإيرانية على رغم من انسحاب الأخيرة من سوريا، ويشكل هذا التعاون تهديداً مباشراً لاستقرار دير الزور والمنطقة الشرقية بشكل عام، فلا يخفى على أحد صعوبة تقبل قيادة الميليشيات لفكرة الهزيمة بهذه السهولة، بل ستسعى لتنفيذ أجندتها اعتماداً على خلاياها وعلاقتها مع داعش، مستغلة المرحلة الانتقالية في سوريا، وهنا يكمن الدور بمحاربة التنظيم وملاحقته في البادية والقضاء عليه، وفي نفس الوقت العمل على إعادة تأهيل العناصر المحلية التي كانت تعمل مكرهة ومجبرة بحكم الظروف المعيشية مع الميليشيات ونزع أفكارها منهم ومن بقية شرائح المجتمع التي سعت الميليشيات لتجنيدهم فكرياً وعسكرياً على مدار سنوات.