كبير الباحثين في معهد ويلسون لـ«الرياض»: الانقسامات الأميركية حول الانسحاب من سورية تؤجل التنفيذ
على الرغم من أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب قال: إنه لم يرَ في سورية سوى “الرمال والموت”، إلا أن قراره بالانسحاب المفاجئ منها بات مصدرا لأكبر موجة انقسامات في صفوف إدارته، حيث استقال وزير الدفاع جيم ماتيس احتجاجاً على قرار الانسحاب، كما سارع مسؤول الخارجية الأميركية عن الحملة لمقاتلة داعش إلى مغادرة منصبه احتجاجاً، ليتراجع الرئيس نفسه عن قطعية الانسحاب السريع من سورية، حيث قال الرئيس ترمب يوم الأحد: “قلت سننسحب ولكن لم أقل سريعاً”.
وبحسب ديفيد اوتاواي، كبير الباحثين في معهد الرئيس ويلسون في واشنطن، فإن هذا التراجع التدريجي من الإدارة يأتي بسبب الذعر من تبعات الانسحاب التي يحذر منها معظم المستشارين الفاهمين للوضع عن كثب، حيث رأينا الإدارة تضع جدولا زمنيا للانسحاب مدته أربعة أشهر، ثم تتراجع عنه مرة أخرى معلنة عن عدم وجود جدول زمني محدد للانسحاب.
وفي حديث لـ”الرياض” يقول اوتاوي: إن أكثر ما يثير هذا التردد حول الانسحاب هو أن المنطقة التي تسيطر عليها أميركا شاسعة ومضبوطة بعشرات الآلاف من مقاتلي قوات سورية الديموقراطية التي أخذت هذه المنطقة منذ وقت ليس بطويل من تنظيم داعش الإرهابي، وبالتالي هذا الانسحاب المفاجئ والسريع أربك كل اللاعبين بمن في ذلك تركيا التي لا تمتلك قوات مناسبة وكافية لتغطية تلك المنطقة الحساسة والتي انطلقت منها أبشع التنظيمات التي بثت الإرهاب الفكري العابر للحدود وهو تنظيم داعش. ويرى أوتاوي أن الإدارة الأميركية لا ترغب برؤية قوات النظام السوري تتقدم في تلك المنطقة التي قالت الإدارة مراراً وتكراراً إنها فيها لئلا تستفيد ميليشيات إيران من مواردها وبالتالي عملية تبديل مباشرة بين القوات الأميركية وقوات الأسد وإيران ستكون ضربا من العبث.
وفي تراجع واضح من الرئيس ترمب عن وعده الكبير بانسحاب شامل وفوري من سورية أكد الأحد: “نحن ننسحب من سورية، ولكن لن ننسحب حتى تختفي داعش نهائياً”، ويحرص ترمب الذي يعتنق نوعا من الانعزالية السياسية على تفكيك مغامرات الولايات المتحدة العسكرية التي يراها باهظة الثمن وبلا جدوى في أماكن مختلفة حول العالم، إلا أن الانعزالية تواجه بغضب كبير داخل أوساط صناعة القرار في أميركا لا سيما أن أكبر التحديات التي يراها القائمون على حماية الأمن القومي الأميركي اليوم هي منع روسيا والصين من الاستحواذ على المزيد من النفوذ في مناطق تعد ضمن النفوذ الأميركي تاريخياً.
وبينما لا تزال شريحة ضمن قاعدة الحزب الجمهوري في واشنطن، وإن كانت أقلية، تؤمن بضرورة استخدام القوة الأميركية لفرض المزيد من الحريات والعدالة والديموقراطية في العالم، مثل أعضاء مجلس الشيوخ ليندسي غراهام وماركو روبيو الذين دفعوا خلال السنوات الماضية لفرض ضغوطات أميركية تؤدي إلى خلع بشار الأسد من السلطة، إلا أن المناخ العام للناخبين في أميركا بات بعيدا عن هذه الرؤى، فيتراوح المناخ الانتخابي بين يمين منكفئ يشبه قاعدة ترمب التي لا ترى أنه من ضمن مهام أميركا فرض قوانين تجعل العالم أكثر عدالة وبين يسار أقرب إلى الاشتراكية يمثله ناخبو الرئيس السابق أوباما، يرون في حروب أميركا من فيتنام إلى أفغانستان والعراق عبثا وإجراما وعارا لَحِق بأميركا لا بد من التراجع عنه؛ لأنه استنفد موارد أميركا وشوه سمعتها دون طائل، كما يردد الداعون إلى الانعزالية من اليمين واليسار الأميركي وهم اليوم أكثرية، بأن أميركا لا يجب أن تكون شرطي العالم بعد الآن.
وترجمت هذه السياسة الانعزالية غير الآبهة بالقيم، في قمة الرئيس ترمب مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، حيث كان ترمب أول من يقدم على الجلوس مع زعيم تصفه أميركا بالأكثر استبداداً بالعالم، كما أذهل الرئيس ترمب صناع القرار في واشنطن حين رفض تقديم أي مطالب أو نصح للزعيم الكوري الشمالي حول إخراج معتقلين سياسيين أو دفع كوريا الشمالية للتخلص من الاستبداد حيث يرى الرئيس ترمب أن ما يجب أن تأخذه وتعطيه أميركا للدول هو المصالح فقط بعيداً عن المزاودات الأخلاقية التي يرى أنها تجعل أميركا تخسر الكثير من مصالحها.
وبالتزامن مع إعلان الإدارة عن تمهلها في الانسحاب من سورية، بدأ بومبيو في رحلة إلى الشرق الأوسط للتأكيد على حشد الجهود لإنجاح الاستراتيجية الأميركية لمواجهة إيران، وفي تصريحات له في مجلس نيوز ماكس الخميس قال: “مستمرون بالحملة ضد إيران وسنفعل كل ما يتطلبه الأمر لهزيمة نظامها حتى لو غادرنا سورية”.
ميدانيا قتل عشرات المقاتلين في هجمات مضادة دامية شنها تنظيم داعش ضد قوات سورية الديموقراطية، تحالف فصائل عربية – كردية، في شرق سورية، كما أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان الثلاثاء. وقال المرصد: إن الهجمات المضادة التي أطلقها تنظيم داعش مساء الأحد مستفيدا من عاصفة رملية وسوء الأحوال الجوية أدت إلى مصرع 23 مقاتلا من قوات سورية الديموقراطية فيما قتل تسعة إرهابيين عند شنهم هذه الهجمات.
المصدر: الرياض