كيف يرى الروس مهمّة قوّاتهم في سوريّة؟
في ظل التصعيد العسكري الروسي الراهن في سورية تتجه أنظار مراقبين ومعلقين في موسكو الى نيويورك حيث يلقي الرئيس الروسي غداً الاثنين خطاباً مكرساً، وفقاً لوكالة «تاس» الروسية الرسمية للأنباء، لـ «النضال المشترك ضد الإرهاب»، متوقعين، أو لعل ذلك من باب التمنيات، انه قد يطرح رؤية جديدة للكرملين تؤشر الى مزيد من التحدي الروسي لنظام القطب الواحد الذي همّش دور موسكو إثر انهيار الإتحاد السوفياتي. بعض هؤلاء المتحمسين يمضي الى حد التبشير عبر وسائل إعلام روسية بأن خطاب بوتين سيكون بمثابة إعلان العودة الفعلية إلى نظام القطبين!
الوجود العسكري الروسي في سورية ليس جديداً لكنه كان محدوداً، فيما التصعيد الحالي لهذا الوجود ربما ينطوي على نية لامتداد عسكري استراتيجي يتجاوز حدود سورية. روسيا كانت تتمتع بتسهيلات صيانة لسفن بحرية في ميناء طرطوس. لكن الآن يجري توسيع مدرج المطار في اللاذقية الى الضعف لتمكين هبوط طائرات نقل ثقيلة من نوع «أنطونوف» وقاذفات قنابل قتالية فيما ستعزز وسائل الدفاع ضد الجو وتنشر مدرعات ثقيلة. الى ذلك سيزود سلاح الجو السوري بصواريخ جو – أرض. وفي مقال نشر حديثاً (ألمونيتور 11/9/2015) للباحث الأكاديمي الروسي الخبير في شؤون الشرق الأوسط فلاديمير ناومكين، وهو من مستشاري وزارة الخارجية في بلاده والمنسق لاجتماعات جماعات سورية معارضةعقدت في موسكو، نقل معلومات عن الصحافة الروسية مفادها أن زيادة ملحوظة لسفن حربية روسية عبر البحر الأسود حصلت خلال آب (أغسطس) الماضي وأيلول (سبتمير) الجاري، وأنها نقلت أسلحة ومعدات وذخيرة حربية اضافة الى مدربين ومستشارين عسكريين الى سورية.
الى ذلك أشار ناومكين بصورة خاصة الى تزويد سورية ست مقاتلات اعتراضية تفوق سرعتها سرعة الصوت من نوع «ميغ – 31»، لكنه أوضح ان خصائص هذه الطائرات لا تجعلها قابلة للإستخدام في قتال «داعش»، بل انها مؤهلة لحماية الأجواء السورية من انتهاكات خارجية محتملة والسيطرة على خطوط أمامية تمتد الى 800 – 900 كيلومتر. في السياق ذاته يرى ان خبراء روساً يعتبرون ان تأهيل السوريين لاستخدام أي سلاح جديد متطور تكنولوجياً يمكن ان يُنجز بسرعة نسبية لأن الجيش السوري مارس على مدى عقود تدريباً وتأهيلاً متواصلاً على أيدي الخبراء العسكريين الروس في الاتحاد السوفياتي السابق وروسيا لاحقاً وكذلك داخل سورية نفسها.
وتؤكد موسكو أن هدف توسعها العسكري هو «دعم الحكومة السورية في جهودها لمواجهة العدوان الارهابي»، بحسب الرئيس بوتين في كلمة له خلال قمة أمنية مع طاجكستان عقدت في 15 الشهر الجاري. وتضيف أن دحر «داعش» والجماعات الاسلامية الأخرى أهم من إطاحة الرئيس بشار الأسد، لذا يتعين ان يكون النظام السوري جزءاً من أي تحالف ضد هذه الجماعات. وتؤيد موسكو في هذا الصدد تصريحاً للأسد الى صحافيين روس بأن الجيش السوري «أكبر قوة فاعلة على الأرض» داعياً كل «المتمردين» السوريين الى الانضمام اليه في هذا القتال. لكن هذه الدعوة تناقضها تصريحات روسية أخرى بعدم وجود معارضة «معتدلة» وأن «الجيش السوري الحر لا وجود له»، كما قال السفير الروسي لدى المنظمات الدولية في جنيف أليكسي بورودافكين.
ماذا تريد روسيا اذاً؟ مهما حاولت موسكو فإن زعمها ان دحر «داعش» يهمها أكثر من إطاحة الأسد ليس مقنعاً. فحماية نظامه يحتل أولوية في أجندتها. ولعلها تأمل في أن يتمكن تحركها العسكري المكثف في سورية من ان يحمل واشنطن وحلفاءها على قبول اتفاق بالعمل المشترك لهزم «داعش» ثم الاتفاق بعد ذلك على ازاحة الأسد أو تحجيمه مع بقاء مؤسسات النظام قائمة. لكن هذا الطرح لا يتعين هضمه مع قليل من الملح. فلا عاقل يقبل أن خروج الأسد من حرب «داعش» منتصراً سيجعله أكثر تقبلاً للتخلي عن السلطة. مارك بيريني، وهو سفير للإتحاد الاوروبي عمل في دول المنطقة بما فيها تركيا، يرى في مقال له نشرته الاسبوع الماضي صحيفة «حريت ديلي نيوز» التركية الصادرة بالانكليزية، التالي: «بوتين يريد ان ينسف السيناريو الكابوسي الغربي لتدخل محتمل على غرار تدخله في ليبيا في 2011 ورؤية الأسد يواجه مصيراً شبيهاً لمصير (الزعيم الليبي السابق) معمر القذافي»، مضيفاً انه بعد التحرك الروسي الحالي «لم يعد ممكناً لسلاح الجو التركي انتهاك أجواء الرئيس الأسد كما فعل في حزيران (يونيو) 2012»، ناهيك عن أمل أنقرة بإنشاء منطقة حظر جوي على حدودها.
التصعيد العسكري الروسي المستمر بكثافة في سورية يرجّح ان موسكو تنوي البقاء هناك لمدى بعيد، وبناء على «معارك» قريبة خاضتها مع الغرب في أوكرانيا يرجح انها ليست في وارد التراجع خشية مواجهة محتملة مع الولايات المتحدة. في هذا الصدد يقول فيودور لوكيانوف، المطلع على تفكير الكرملين والخبير في العلاقات الخارجية والذي يرأس مجلس السياسات الخارجية والدفاعية، وهو أحد مراكز الفكر في موسكو، إن بوتين استطاع حتى الآن أن يغيّر بصورة جذرية وضعاً كان يعتقد انه غير قابل للتغيير، على رغم ان الأمر لا يخلو من مخاطرة وقوع حوادث من نوع ما تعرض له الطيار الأردني معاذ الكساسبي الذي أسره تنظيم «داعش» وقتله ببشاعة. لكن روسيا ليست الأردن، يضيف لوكيانوف، فهي لن تترك حادثاً كهذا يمر من دون رد. لكنه يتساءل: هل الرأي العام الروسي، الذي لم يظهر حتى الآن أي نفور من سياسة بوتين الشرق أوسطية، يمكنه ان يتقبل أمراً كهذا؟
ويختتم لوكيانوف بأن تخبط الغرب في تعامله مع الأزمة السورية لعب دوره في تغيير قواعد اللعبة، وسمح لموسكو بأن تكشف قدرتها على تخريب خططه في سورية. فالسياسات الدولية تفضل تقليدياً الأفعال على الأقوال لأن الأعمال وحدها تستطيع ان تكسب النقاط وترفع هيبة القائمين بها. لكن الأفعال يمكنها أيضاً أن تؤدي الى نتائج عكسية، بحسب تعبير لوكيانوف.
كامران قرة داغي
المصدر : الحياة