لافروف: أيام «حظر الكيماوي» قد تكون معدودة إذا لم يلغ قرار توسيع الصلاحيات
قدم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف رؤية بلاده لأسباب اندلاع الأزمة السورية، وقال إنها نتيجة «أخطاء ارتكبتها كل الأطراف» بما فيها القيادة السورية، لكنه رأى أن الرئيس بشار الأسد «منع رسم خرائط جديدة في الشرق الأوسط وواجه الإرهاب». ولوح بتدابير ستتخذها روسيا ضد منظمة حظر السلاح الكيماوي إذا لم تدخل تعديلات على قرار توسيع صلاحياتها مهددا بأن أيام المنظمة «قد تكون معدودة».
وسعى لافروف في مقابلة مع القناة الرابعة البريطانية إلى تبرير مواقف بلاده في سوريا، وقال إن موسكو دعمت رئيس الأسد «ليس لأنه يعجبها بل لكونه خاض معركة للدفاع عن سيادة سوريا والمنطقة برمتها من الإرهاب». وزاد أن موسكو «لا تتعاطف مع أحد، ولا يستخدم في الدبلوماسية والسياسة مبدأ يعجب أو لا يعجب، هذا المصطلح يتناسب فقط في العلاقات بين الأشخاص»، موضحا أن علاقاتها مع الأسد تحددت بسبب تطورات الموقف و«الأسد يدافع عن سيادة بلاده وأراضيها وبعبارات أوسع كل المنطقة من الإرهاب، الذي كان في سبتمبر (أيلول) عام 2015 على بعد أسبوعين من السيطرة على دمشق». وشدد لافروف على أن مسألة بقاء الأسد في السلطة «من الضروري أن يحلها الشعب السوري»، لافتا إلى أن «عددا متزايدا من البلدان بات يشاطر روسيا هذا الموقف، بعدما لقي رفضا خلال فترة معينة بعد بدء الأزمة السورية». وأوضح أن «هذا الموقف لا يعود إلى روسيا وإنما إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ومفاده أن مستقبل سوريا يجب أن يقرره الشعب السوري بنفسه»، مشددا على أن قرارات المجلس نصت على صياغة دستور جديد ويجب أن تجري على أساسه انتخابات تحت إشراف مراقبين مستقلين من الأمم المتحدة، ومن الضروري أن يشارك في التصويت جميع السوريين أينما كانوا.
وردا على سؤال حول احتمالات انسحاب روسيا من سوريا قبل حلول نهاية العام قال لافروف: «لا». وزاد أن موسكو «لا تحدد مواعيد مصطنعة للانسحاب، لكننا نقلص وجودنا في سوريا بشكل تدرجي، ونفذ التقليص الأخير منذ عدة أيام فقط، وأعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، عن عودة أكثر من ألف عسكري إلى وطنهم، بالإضافة إلى سحب جزء من الطائرات والمعدات العسكرية الأخرى».
وشدد لافروف على أن مسار تقليص القوات الروسية من سوريا «يتوقف على مجريات الأحداث على الأرض». وقال إن بلاده لا تملك قواعد عسكرية متكاملة في سوريا، بل تملك «موقعين فيهما سفن وطائرات روسية، وبقاؤهما هناك يمكن أن يفيد لفترة ما».
وتطرق إلى وجهة النظر الروسية في أسباب الصراع في سوريا، ورأى أن السبب الأساسي يكمن في التدخل الخارجي من جانب بعض البلدان التي سعت إلى إعادة رسم خريطة المنطقة. لكنه حمل القيادة السورية جانبا من المسؤولية عن اندلاع النزاع.
ورأى وزير الخارجية الروسي أن «هذه الحرب بدأت من أخطاء تم ارتكابها من قبل جميع الأطراف، بما في ذلك القيادة السورية، وأنا مقتنع بأن هذه الاضطرابات كان من الممكن تسويتها عن طريق سياسي في المرحلة المبدئية». مستدركا أن «ما نشهده حاليا هو نتيجة لمحاولات بعض القوى الخارجية الاستفادة من هذا الوضع لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عبر الدخول إلى سوريا دون أي دعوة واتباع سياستها الخاصة في هذه البلاد».
وشدد لافروف في الوقت ذاته على أن السلطات السورية وافقت على المشاركة في عملية آستانة، التي تراقبها روسيا وإيران وتركيا، وتجري حاليا لقاءات دورية مع ممثلي المعارضة في إطار هذه المنصة لخلق ظروف ملائمة لتطبيق القرار رقم 2254 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
وأكد لافروف أن المغامرات التي يقدم عليها الغرب في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعود بالمنفعة «فقط على الإرهابيين». لافتا إلى أنه «بعد التدخل في العراق ولد (داعش)، فيما أسفرت الأوضاع التي تشكلت في سوريا عن ظهور وحش جديد يتمثل بـ(جبهة النصرة)، الذي يغير أسماءه دوريا لكنه ليس إلا تنظيما إرهابيا جديدا. وبالتالي كل ما يأتي به الغرب الحضاري إلى الشرق الأوسط يفيد الإرهابيين». وأضاف: «إننا لم نرغب في تكرار الأحداث المأساوية التي حصلت على مدار عدة عقود ماضية بسبب مغامرات الغرب».
على صعيد آخر، حذر لافروف من أن أيام منظمة حظر الكيماوي قد تكون معدودة إذا لم يتم إصلاح العيوب الناجمة عن قرار توسيع صلاحياتها. وقال إن المنظمة تعرضت أثناء مؤتمرها الطارئ الأخير لـ«تلاعب سافر»، بعدما صادق أعضاؤها على مشروع القرار البريطاني الذي يمنحها صلاحيات إجراء تحقيقات جنائية وقانونية.
وشدد لافروف على أن هذا القرار «ليس غير ناضج وقصير نظر فحسب بل وخطير للغاية»، موضحا أنه، إذا لم يتم التراجع عنه، فسيحرم المنظمة من طابعها العالمي. وقال إن معاهدة حظر الأسلحة الكيماوية تنص على ضرورة أن يزور خبراء المنظمة أماكن الهجمات المزعومة وأخذ العينات منها ونقلها شخصيا إلى المختبر، دون تسليم هذه المهمة إلى طرف ثالث، لكن ممثلي المنظمة امتنعوا عن زيارة موقع الهجوم المزعوم في بلدة خان شيخون السورية (في ريف إدلب 4 أبريل (نيسان) الماضي)، وأكدوا للطرف الروسي أنهم حصلوا على العينات من خبراء بريطانيين وفرنسيين.
ولفت لافروف إلى أن التقرير الصادر عن آلية التحقيق المشتركة للأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيماوية يستخدم كثيرا عبارات مثل «على الأرجح» و«يمكن الافتراض»، مضيفا أن موسكو ناشدت ممثلي المنظمة تسليم أي معلومات موثوق بها متوفرة لديهم إلى مجلس الأمن الدولي، لكنهم رفضوا هذه الدعوة. وقال إن الانتهاكات الصارخة التي تتعرض لها المعاهدة تستدعي القلق، مشددا على أن روسيا «تحاول إصلاح الوضع، لأن القرار النهائي بخصوص توسيع صلاحيات المنظمة يعود إلى المؤتمر الدوري لدول أعضائها المزمع عقده في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل»، في إشارة إلى أن روسيا ستسعى لإبطال مفعول قرار توسيع الصلاحيات قبل اتخاذ تدابير في حال فشلت في ذلك ضد المنظمة.
المصدر: الشرق الأوسط