“لجنة الغنائم”.. يد “هيئة تحرير الشام” لمصادرة ممتلكات الموالين للنظام والأقليات الدينية في إدلب

48

أقدمت ما تعرف باسم “لجنة الغنائم” التابعة “لهيئة تحرير الشام” بتاريخ الأربعاء 15 حزيران/ يونيو على طرد عائلة تنحدر من مدينة دمشق من منزل كانت تقطنه في حي “النسيم” الواقع في مدينة إدلب بعد أن منحته لها في وقت سابق، حيث تعود ملكيته لشخص تتهمه بموالاة النظام السوري ويقيم خارج مناطق سيطرتها، قبل أن تبادر إحدى الفرق التطوعية بتأمين مسكن للعائلة بعد طردها من المنزل المذكور.
وتفتح هذه الحادثة الباب للحديث عن ما تعرف باسم “لجنة الغنائم” وتاريخها والهدف منها، حيث تواصل “هيئة تحرير الشام” استيلاءها على الكثير من العقارات من أبنية سكنية ومنازل وأراضي زراعية بواسطة “لجنة الغنائم” التابعة لها، حيث تم تشكيل هذه اللجنة في العام 2015 إبان سيطرة ما كان يعرف باسم “جيش الفتح” على كامل منطقة إدلب وريفها بعد معارك ضد قوات النظام والميليشيات المساندة له.
وبعد إتمام السيطرة على إدلب من قبل “جيش الفتح” والذي تشكل من عدة جماعات جهادية وفصائل على رأسها “هيئة تحرير الشام” ( جبهة النصرة سابقاً) و”جند الأقصى” و”حركة أحرار الشام الإسلامية” وغيرها، تم تشكيل هذه اللجنة التي قامت بوضع يدها على مئات العقارات في مناطق إدلب وريفها والتي تعود ملكيتها لأشخاص موالون للنظام السوري، هربوا لمحافظات أخرى أثناء وقبل المعركة الأخيرة، إضافة لعقارات تعود لأبناء الديانة المسيحية وأقليات أخرى ممن فضلوا الهجرة خارج مناطق سيطرة تلك الفصائل.
وبقيت هذه العقارات تحت سيطرة “جيش الفتح” الذي قام بالاستيلاء على جزء كبير منها وفتح الباب لتأجير ممتلكات أبناء الديانة المسيحية بواسطة أقارب أو أصدقاء لهم ضمن المنطقة والسماح بإرسال إيجاراتها لهم في أماكن تواجدهم، واستمرت قضية تلك المصادرات التي تشرف عليها “لجنة الغنائم” على هذا الحال حتى العام 2018 الذي شهد اقتتالاً داخلياً بين “هيئة تحرير الشام” من جهة، وعدة فصائل من جهة أخرى مثل “حركة أحرار الشام الإسلامية” و”حركة نور الدين الزنكي” و”صقور الشام” وغيرها، حيث انتهت بتفرد “هيئة تحرير الشام” بالسيطرة على كامل المنطقة وإنهاء سيطرة الفصائل.
وبعد إتمام “هيئة تحرير الشام” السيطرة على كامل مناطق إدلب وريفها وريفي حماة الشمالي والغربي قامت بإلغاء عقود الإيجارات لعقارات أبناء الديانة المسيحية ووضعت يدها على كامل العقارات المصادرة من قبل “لجنة الغنائم” وبدأت بتأجير قسم منها لمدنيين بأسعار تعتبر قليلة مقارنة بأسعار الإيجارات ومنح قسم آخر مجاناً لعائلات لا تملك قدرة مالية للاستئجار، بينما منحت قسم من المنازل مجاناً لقياديين في جماعات جهادية معينة مثل “الأوزبك” و”الحزب الإسلامي التركستاني” وقياديين ينضوون تحت رايتها إضافة للعديد من الشخصيات الجهادية المستقلة المقيمة ضمن مناطق سيطرة “هيئة تحرير الشام”.
وفي الآونة الأخيرة بدأت “هيئة تحرير الشام” بإرسال إنذارات للعديد من العائلات التي تشغل المنازل المصادرة لإخلاءها بحجة تنظيم ملفها وإعادتها لأصحابها، لكن البعض يرجح أن “هيئة تحرير الشام” تريد الاستفادة أكثر من ريع هذه العقارات وتأجيرها بأسعار مرتفعة لتكون بمثابة مصدر تمويل جيد لها، حيث أرسلت الإنذارات مؤخراً لعدد كبير من الجهاديين المتشددين والمستقلين الذين يعرفون بكونهم يعارضون سياستها التي يرونها ذاهبة نحو “الانحلال الديني” ويقطنون داخل مناطق سيطرتها وطلبت منهم إخلاء هذه المنازل.
الناشط (م.أ) وفي حديثه للمرصد السوري لحقوق الإنسان يقول، لم تترك “هيئة تحرير الشام” منفذاً لجمع الأموال إلا وهيمنت عليه في كامل مناطق نفوذها في شمال غربي سوريا، فهي تسعى لتكون بمثابة مشروع سلطة دائمة للمنطقة وتحظى باعتراف ويكون لها مصادر تمويل داخلية تستغني بها عن التمويل الخارجي، وقضية العقارات المصادرة والتي تعود لأشخاص مقيمين خارج مناطق سيطرتها هو باب من هذه الأبواب.
مضيفاً، كانت في السابق قد منحت عدد كبير من المنازل في مناطق جسر الشغور وداخل مدينة إدلب والعديد من المناطق الأخرى لعائلات مهجرة ونازحة، ولجهاديين متشددين لكنها بدأت تفكر مؤخراً باستثمار أوسع لهذه العقارات فقد تحدد أجور شهرية مرتفعة أو تعرضها للبيع بمزادات أو أن لديها مشروع لدعوة المسيحيين للعودة لمناطق سيطرتها من باب محاولة تلميع صورتها فجميع الاحتمالات مفتوحة ولم يصدر عنها حتى اللحظة توضيح رسمي حول سبب طلبها إخلاء المنازل.
كما ويلفت إلى أن “هيئة تحرير الشام” عندما أرسلت إنذارات لمهاجرين جهاديين منذ عدة أشهر عرض بعضهم عليها السماح لهم بالبقاء مقابل دفع مبالغ مالية تقدر بأكثر من 100 دولار أمريكي شهرياً لكنها رفضت ذلك وأصرت على إخلائهم للمنازل “بحسب المعلومات” وهذا يدل على وجود نية لديها بتجهيز هذه العقارات من منازل ومحلات تجارية ودعوة أصحابها للعودة وهذا احتمال وارد جداً.
مؤكداً استمرار “هيئة تحرير الشام” بإرسال إنذارات لإخلاء المنازل عبر ما تعرف باسم “لجنة الغنائم” لكن اللافت للانتباه هو أن الإنذارات موجهة باسم “مديرية الإسكان” وهذا يشير لتبديل اسم “لجنة الغنائم” باسم” مديرية الإسكان” وقد لاقى قرار إخلاء منزل السيدة الدمشقية موجة انتقادات كبيرة وتركيز على قضية وجود اسم”مديرية الإسكان” بدل “لجنة الغنائم”.
وتهيمن “هيئة تحرير الشام” وتحتكر العديد من القطاعات الاقتصادية ضمن مناطق سيطرتها شمال غربي سوريا مثل المحروقات والمعابر والاتصالات والنقل الداخلي والإعلانات وغيرها بواسطة “حكومة الإنقاذ”، كما وتقيد الحركة التجارية الحرة عبر فرض الضرائب والإتاوات.
ويجدر بالذكر أنه ومع بداية سيطرة فصائل المعارضة المسلحة والجماعات الجهادية على مدينة إدلب في العام 2015 بدأت حركة هجرة جماعية طالت آلاف المدنيين من أبناء الديانة المسيحية الذين كانت تقدر أعدادهم بالآلاف قبل ذلك، فيما تقلصت إلى وجود عشرات الأشخاص في كامل إدلب وريفها، إضافة للعديد من أبناء الأقليات الدينية مثل الدروز والعلويين، والعديد من الموالين للنظام السوري، تاركين خلفهم مئات المنازل والمحلات التجارية والأراضي الزراعية التي تضع “هيئة تحرير الشام” حالياً يدها عليها بشكل كامل.