لماذا الأسد في إيران؟

35

الزيارة المفاجئة التي أداها بشار الأسد إلى طهران الأسبوع الماضي، ولقاء المرشد خامنئي والرئيس المغلوب على أمره روحاني، كانت بمنزلة ترجيح كفة الإيرانيين في سورية أمام أي قوى أخرى بما فيها الروس، وذلك على الأقل في هذه المرحلة، التي يساوم فيها الأسد العرب؛ حيث أصبح أكثر طاعة لأوامر المرشد من السياسيين في إيران، وهو انطباع تركته الصورة التي ظهر فيها اللقاء بين الجانبين من دون علم سورية، ولا حضور وفد مرافق مع الأسد، حيث كان باختصار يتلقى الأوامر والتعليمات.

العقلية الإيرانية، التي تحمل مشروع التمدد وتصدير الثورة، لا تزال ترى في سورية عمقاً استراتيجياً لا يمكن التخلي عنه، وهو ما عبّر عنه مهدي طائب رئيس وحدة مكافحة الحرب الناعمة في الحرس الثوري الإيراني، قائلاً: «إذا فقدنا سورية فلا يمكن أن نحافظ على طهران»، وهو شعور ذرائعي للتدخل، وحديث مستهلك فقد كثيرا من مصداقيته ودقته، ولكنه بقي وسيلة لإسكات الداخل الإيراني حول أهمية الوجود الإيراني في سورية، والأهم وسيلة ضغط جديدة على دول المنطقة، وتعكير مزاج الاستراتيجية الأميركية تجاه طهران، وبالتالي كانت زيارة الأسد إلى إيران مرحلة جديدة من النفوذ، والحرب بالوكالة على المصالح الأميركية، والأخطر تقسيم الموقف العربي بين مؤيد ورافض لعودة سورية إلى الجامعة العربية في هذا التوقيت.

بشار الأسد يهمه أن يثبت أركان حكمه بعد سنوات ثمان من الحروب التي استنزفت كل ما لديه من إمكانات مادية وبشرية وعسكرية، وسارع إلى توقيع اتفاقيات مع إيران خلال السنتين الأخيرتين لضمان العلاقة مع طهران، بينما ترك للروس مواقعهم على المتوسطي، وتركوا له أيضاً فرصة التسوية مع إيران وتركيا والعرب أيضاً.

التاريخ يعلمنا أن من يكرر أخطاءه لا يلوم غيره؛ حيث ترك العرب فراغاً قاتلاً في العراق استغلته إيران، ولا نريد أن يتكرر الخطأ مرة أخرى في سورية، والمطلوب النظر إلى سورية على أنها بلد عربي وليست ولاية فارسية، ومهما بقي الأسد إلى انتخابات 2021؛ فإن سورية ستبقى للسوريين، وعلينا أن نقف إلى جانبهم، ولا نترك الفرصة لإيران أن تتعمق في الجسد السوري إلى حد يصعب معه الخلاص.

المؤكد أن سورية ستبقى إلى عقود من الزمن مسرحاً كبيراً لقوى متصارعة، وسيعود بها الزمن يوماً إلى مواجهات عسكرية أخرى؛ لأن إيران باختصار هناك، وإسرائيل هي الأخرى تبحث لها عن مصالح في العمق السوري الجديد، ولا يمكن أن تسمح لإيران بأن تكون الطرف الذي تتحاور معها على أمنها، ومستقبلها، وبالتالي هل تكون القوى العظمى على موعد آخر في سورية؟ الجواب حتماً نعم؛ لأن الحرب توقفت، ولكن لم تنته بعد.

د.أحمد الجميعة
المصدر:الرياض

الآراء المنشورة في هذه المادة تعبر عن راي صاحبها ، و لاتعبر بالضرورة عن رأي المرصد.