مجلس الثورة السوري.. هل يملك التغيير على الأرض؟
< أخيراً استطاعت مبادرة «واعتصموا» التي قادتها مجموعة على رأسهم الشيخ حسن الدغيم، الداعية المعروف باعتداله؛ لتوحيد فصائل المعارضة السورية، ضمن مظلة جامعة منضبطة، تساعد على بناء قوة مركزية للثوار؛ لإيقاف النزف الحاصل في معسكر الثورة، وتلافي الأخطاء السابقة التي أدّت إلى تشتّت القوى العسكريّة الثوريّة، بعد مضي أربعة أشهر من الاجتماعات والمشاورات من تحقيق هدفها، وأن ترى النور، وتصبح واقعاً، بعد صعوبات ومراهنات من بعضهم بفشلها أو بموتها، وفي مهدها، كونها لن تختلف عن بقية التجمعات المعارضة التي تم تشكيلها على مدار الأعوام الثلاثة الماضية.
ففي الأسبوع الماضي، وبعد اجتماعات دارت على مدى ثلاثة أيام في مدينة عنتاب التركية، أعلن نحو 100 فصيل عسكري سوري فاعل على الأرض تشكيل «مجلس قيادة الثورة»؛ لتنظيم العمل العسكري، وتم انتخاب القاضي قيس الشيخ رئيساً للمجلس بالإجماع، وهذه المحاولة ليست هي الأولى أو الثانية أو الثالثة في جمع فصائل المعارضة تحت مظلة واحدة، فهناك الكثير من المحاولات والمجهودات قد بُذلت في توحيد رؤى الفصائل المسلحة في الداخل والقوى السياسية التمثيلية لها، بعض تلك المحاولات لم يرَ النور، أو لم يكن يملك تأثيراً وثقلاً شعبياً وميدانياً، والآخر لم يستطع الصمود والاستمرار أمام الضغوط المختلفة، وتضارب مصالح الجهات الداعمة لتلك القوى.
الإعلان عن تأسيس مجلس قيادة الثورة، يأتي في وقت تمر به الثورة وفصائل المعارضة السورية بأسوأ ظروفها ومراحلها خلال الأشهر الماضية، فمن ضعف -وبشكل أدق- انعدام الجهة التمثيلية السياسية المتمثلة حالياً في الائتلاف الوطني، عن القوى العسكرية والمدنية التي تعمل على الأرض في الداخل، إلى كثرة انقسامات المعارضة وإخفاقها في إيجاد جسم قادر على جمع أكبر قدر ممكن من قوى الفصائل المعارضة، إلى خسارتها مكتسبات ميدانية، ونتيجة إلى كل ذلك أصبحت خريطة السيطرة والنفوذ العسكري في سورية تتوزع بين قوى ثلاث، أولها وأكثرها نفوذاً وسيطرةً هو: تنظيم «داعش»، وهو أمر واضح للعيان، إضافة إلى جبهة النصرة، الممثل الرسمي لتنظيم القاعدة، التي تسير على خطى «داعش» عبر الاجتياح والاستيلاء على المناطق المحررة، وعلى البلدات والقرى، بذريعة مكافحة المفسدين، والسعي في القضاء على فصائل الجيش الحر، ثانيها: الجبهة الإسلامية أحد أهم وأبرز التكتلات، التي ضمت تحت مظلتها أكبر الفصائل الإسلامية ذات التوجه السلفي كحركة أحرام الشام، وجيش الإسلام، ولواء صقور الشام، ولواء التوحيد، وقد كانت الجبهة عند ظهورها ذات تأثير ونفوذ كبير، وشهدت تحولاً في رؤيتها وأفكارها، ولكن نفوذها قد بدأ يتضاءل كثيراً، نتيجة فقدان الجبهة أهم قياداتها، كقادة حركة أحرار الشام، وظهور بوادر تصدع وخلاف بين أهم فصائلها جيش الإسلام وأحرار الشام، وما حصل أيضاً من اندماج بين بعض فصائلها. ثالثها: الجيش الحر التابع لهيئة الأركان، الممثل العسكري للائتلاف الوطني، وهذا الجيش قد تراجع دوره بشكل كبير جداً، ولم يستطع الصمود أمام تصاعد الحركات والفصائل الإسلامية، سواءً المتطرفة منها أم المعتدلة، وأخيراً تم إقصاء وطرد أقوى فصائلها «جبهة ثوار سورية» بقيادة جمال معروف من معقلها في إدلب على يد جبهة النصرة.
في مثل هذه الظروف الميدانية، التي تهيمن على كثير منها أشد التنظيمات تطرفاً (داعش- النصرة)، تأتي ولادة هذا الكيان، الذي أعلن في ميثاق تأسيسه، أنه يهدف إلى التصدي إلى جميع صور الإرهاب، التي يمارسها النظام وحلفاؤه ضد الشعب السوري، والوقوف أمام كل الممارسات الخاطئة، من التكفير للناس بغير حق، والمحافظة على الهوية الإسلامية للمجتمع السوري، وتوحيد القوى الثورية والعمل بتنسيق وانضباط تام، ولكن ثمة تحديات كبرى تواجه هذا التشكيل الجديد، ومدى قدرته على تجاوزها، ومن أهمها: أن المجلس يضم فصائل ذات مرجعيات من آيديولوجيات مختلفة، ومتباينة في توجهاتها ومنطلقاتها ورؤيتها، وبالتجربة فقد أخفق في الماضي تجارب أخرى، ضمت كيانات أقل عدداً وأقل اختلافاً في الرؤية والمنهج، ولم تستطع مواصلة دورها وفق ما كانت تطمح إليه، فهذا التباين في مرجعيّة وتبعيّة الفصائل الموقّعة على ميثاق «مجلس قيادة الثورة»، يثير تساؤلات حول مدى إمكانيّة توحّدها فعليّاً وعملها معاً وقدرتها على تجاوز الخلافات السياسية والآيديولوجية، ولاسيما أن ميثاق المجلس يتضمن اتفاقاً على مبادئ تحكم عمل «مجلس قيادة الثورة»، لكنّها تغضّ النظر عن مسائل خلاف أساسية بين الفصائل، كشكل الدولة التي يسعى المجلس إلى بنائها، ومن جهة أخرى فإن العبارات والجمل الإنشائية العامة في بيان التأسيس والميثاق هي أحوج ما تكون إلى صياغة رؤية واستراتيجية متكاملة، تتضمن وضع أسس منظمة، من أجل تحقيق أهداف ورؤية المجلس.
فكيف سيعمل المجلس على توحيد القوى المخلِّصة للثورة، بتنسيق تام وانضباط كامل؟ وكيف ستكون آليات دمج هذه القوى العسكريّة في قيادة واحدة؟ وآليات توحيد مرجعيّة هذه القوى تشاركها في قنوات التمويل والدعم، وآليات فض الخلافات والنزاعات، إضافة إلى تحدي التمويل والاعتماد على الذات والتمثيل السياسي، وغير ذلك من التحديات، وفي كل الأحوال لا يمكن الحكم على نجاح عمل المجلس -وهو ما يتمناه الجميع- أو فشل أدائه، إلا بعد إعطاء المجلس الفترة الكافية لإثبات وجوده، ومدى قدرته على مواجهة كل التحديات الميدانية والسياسية.
الكاتب : حسن بن سالم
المصدر : جريدة الحياة اللندنية