محامي ومعارض سوري: اللجنة الدستورية ولدت مشلولة ولن تفضي إلى حلّ.. وانتخابات 2021 لن تسفر عن أي تغيير في القضية السورية
يزداد الوضع في سورية الجريحة تعقيدا، حيث يواجه النظام ضغوطات محلية ودولية متواصلة لإنهاء إجراءات حالة التشرذم التي يعيشها البلد منذ 10 سنوات، في وقت تنتقد فيه المعارضة الأطراف الدولية التي دفعت بعرقلة المحادثات السلمية ومختلف المؤتمرات عوض العمل من أجل تجنيب البلد الوقوع مجددا في حرب أهلية.
ووسط حالة الإرهاق والجوع التي يعيشها السوري بسبب الحرب يزداد عدد اللاجئين هرباً من المخيمات التي باتت مصدرا للمرض والجوع، أما المجتمع الدولي الذي يُقدّم مساعدات ولو أنها غير كافية فيبدو عاجزا عن فعل وضع حد لتلك المشاكل الإنسانية، وأما آفاق الحل السياسي فلا تزال بعيدة بسبب الاختلاف في الأولويات بين النظام و المعارضة والفصائل المسلحة.
المعارض والمحامي السوري ع- ش، يتحدّث في حوار مع المرصد السوري لحقوق الإنسان عن الوضع في سورية والانتخابات التي يُجهّز لها النظام في وقت تتعطّل فيه أعمال اللجنة الدستورية، وعن المؤتمر المزمع عقده بخصوص عودة اللاجئين.
س- بعد ركوب جماعات الإخوان على الحراك الشعبي في سورية وعسكرة الثورة التي انطلقت سلمية، ألا ترى أن هذه الجماعة تحاول استغلال ما حدث من قتل بعض الفرنسيين لتثبيت حضورها وتحريك الشارع عبر المظاهرات في عدد من المدن السورية منذ أيام؟
ج- عادة ما تستغلّ الأحزاب السياسية المناسبات والأحداث الكبرى التي تشغل الرأي العام لتأكيد حضورها أو التجييش لفكرها أو سياساتها ويتم ذلك غالباً بإصدار بيان يوضّح موقف الحزب من الحدث، أما المظاهرات التي حصلت بقصد حشد الرأي العام لمناصرة قضية دينية وربما كانت تقصد استعراض القدرة على الحشد، فقد كانت كارثة على القضية التي حشدت لنصرتها عندما رفعت صور الشخص الإرهابي الذي قتل الأبرياء ما يعني تبني الفعل والفكر الإرهابي المتطرف، وهذا خطأ كبير وانتهازية في غير محلها تسيء للدين الإسلامي إساءة بالغة ولا يعبر عن حقيقته ويظهره بمظهر الدين المتطرف الذي يشجع على الإرهاب.
س- تحدّثت المجموعة الدولية المصغّرة مؤخراً، عن أهمية التسريع في عقد مؤتمر حول اللاجئين السوريين في دمشق دعت إليه مراراً، حيث لم تصدر بعد أي مواقف علنية مرحبة به مع حديث وسائل إعلام روسية عن توافق بين الدول الضامنة في مسار أستانة(روسيا وتركيا وإيران) على عقده نوفمبر الجاري، ألا ترى إن هذا المؤتمر هو محاولة روسية ملحّة لإخراج النظام من عنق الزجاجة سيما بعد تواتر الأزمات التي يمر بها نتيجة الأوضاع الاقتصادية الكارثية خاصة منذ تطبيق حزمة من العقوبات بموجب “قانون قيصر”؟
ج- أعتقد أن فكرة المؤتمر إحدى محاولات إعادة إنتاج النظام وتخفيف العزلة الدولية التي يعاني منها والإيحاء بأن الروس لا زالوا فاعلين في القضية السورية، لا سيما في ظلّ الجمود شبه التام للعملية السياسية التي لم يبق منها سوى اجتماعات اللجنة الدستورية المتعثرة والتي يسعى النظام جاهداً لتعطيلها.
س-برأيكم أستاذ ع، لماذا تحفّظ “الائتلاف الوطني لقوى الثورة” على الدعوة للمؤتمر المذكور سالفاً، مؤكّدا عدم إيمانه بإيجابية نتائجه مسبقا وعدم ثقته بآليات تنفيذ عودة اللاجئين؟ ألا يعتبر هذا تعطيلاً لملف يعد من أوشك الملفات الإنسانية في سورية؟
ج- لعلّ التحفظ جاء نتيجة لعدم رضا الحلفاء الدوليين عن فكرة المؤتمر، وبكل الأحوال المعايير الدولية لعودة اللاجئين عودة طوعية وآمنة وكريمة غير متحققة حتى الآن.
س- لازال النظام يُبدي تحفظات على مسألة عودة النازحين واللاجئين إلى كثير من المناطق وهذا معلوم، كون أغلبهم من المعارضين له، حيث تذهب بعض الآراء إلى إن الأسد يخشى من تجدد الاحتجاجات ضدّه في حال عودة اللاجئين بعد الاتفاق في المؤتمر المقبل، كيف تقرأ هذه الفرضية؟
ج- من الطبيعي ألا يهتم النظام بشريحة واسعة من السوريين المناوئين له سياسياً وألا يكترث بمصالحهم، فضلاً عن أن عودة عشرات أو مئات الآلاف منهم ستحمله أعباء مراقبتهم وتأمين الخدمات والسلع المدعومة لهم، وهو بالكاد يؤمنها للمقيمين في مناطقه، لذلك هو غير مهتم بعودتهم المرهقة له.
س- لماذا تصرّ روسيا على هذا المؤتمر وتسوّق كونها الأكثر دعما له وتصرّ أيضا على استكمال خطوات بدأتها منذ تدخلها العسكري عام2015 في سورية، مروراً بلقاء أستانة وسوتشي، ومشاركتها في مؤتمر الرياض 2، وانطلاق أعمال اللجنة الدستورية، وإصرارها دائما على ضرورة العودة الطوعية للاجئين؟
ج- كما قلنا أن الهدف إعادة إنتاج النظام وتسويقه بقصد فك العزلة التي يعاني منها والتي بدأت آثارها الاقتصادية تتسارع بدون أي أفق منظور لحلّها مما أدّى بالحكومة لرفع الدعم عن كثير من السلع الأساسية الإستراتيجية وخاصة الخبز والوقود، فضلاً عن التأكيد أنها لاعب دولي فاعل لا غنى عنه في أي حل للقضية السورية، أما موضوع العودة الطوعية والآمنة والكريمة للاجئين، فهي معايير القانون الدولي في هذا مجال وخاصة (مبادئ بينيرو).
س- تعاني سورية من أزمة حادة في تأمين الخبز، كما في المواد الأخرى أيضا، وسبق أن تم تداول رواد النت صورا مؤلمة لأقفاص حديدية لتوزيع الخبز في دمشق، حيث ظهرت الأزمة جليا بعد لجوء الحكومة إلى تقنين توزيع تلك المادة، حسب عدد أفراد الأسرة،ألا ترى إن لغة السجون المتّخذة من قبل النظام ستكون نتائجها وخيمة، وهل تسرعت الحكومة بقرارها “تقنين الخبز” وسط هذه الظروف المعيشية الكارثية؟
ج-لا شكّ أن العقوبات الاقتصادية المفروضة على النظام بدأت مفاعيلها في الظهور، وقد اتخذت الحكومة السورية سلسلة من الخطوات التي تهدف لرفع أو تخفيف الدعم عن السلع التي تدعمها منذ عشرات السنين تمهيداً لتحرير سعرها والسماح للقطاع الخاص باستيرادها وطرحها في الأسواق المحلية كونه غير معاقب.
كان الخبز آخر المواد التي لم يرفع أو يخفف الدعم عنها فجرت محاولة لتقليل إنتاجه وتوزيعه على المحتاجين فقط عبر البطاقة الذكية كما فعلت بمادة الغاز المنزلي والبنزين، ففشل هذه المحاولة، فاضطرت الحكومة لزيادة سعره مؤخراً 100% ولا تزال تحاول وتتخبط لتقليل الدعم عنه حتى توفر على الخزينة مبالغ كبيرة أغلبها من الهدر وسوء الإدارة.
-وموضوع الأقفاص كان محاولة لإرغام الناس على الوقوف بالطابور وتخفيف الازدحام المحرج على منفذ البيع، ولكنها فشلت وسرعان ما أزيلت نتيجة ردة الفعل المستهجنة لهذه الطريقة التي لا تخلو من ذهنية معاملة الناس كالقطيع!
س-أي سبيل سيّد ع- لخروج سورية من هذه الأزمات المتتالية، وهل بلوغ إجراء الانتخابات 2021 يعتبر مخرجا علما وأن أعمال اللجنة الدستورية قد توقّفت منذ أكثر من شهر وإن المعارضة ترفض الدستور المعمول به الآن بسورية؟
ج- انتخابات 2021 ستكون حلقة جديدة من حلقات مسلسل انطلق عام 1970 ولن تسفر عن أي تغيير في القضية السورية ولن تكون مخرجاً للأزمة حتى لو تعدّل الدستور وسُمح بمشاركة شخصيات معارضة تقيم في الخارج فيها، لن تختلف نتيجة الانتخابات التي يعرفها السوريون سلفاً.
-من الطبيعي أن ترفض المعارضة دستور 2012 لأنه إعادة لإنتاج دستور 1973 الذي يعطي رئيس الجمهورية صلاحيات كبيرة جداً (تقريباً كل السلطات بيده) مما لا يفسح المجال لأي مناخ سياسي يسمح للمعارضة بالعمل، لن يكون هناك حل للقضية السورية إلا باتفاق دولي بين الدول الفاعلة بالملف السوري يمسح بانتقال سياسي ولو جزئي.
س-من يوقف الانتهاكات التركية شمال سورية وسعي أنقرة إلى إحداث تغيير ديمغرافي في تلك المدن التي احتلتها، ومن يتصدّى لإيران شرق سورية في بثّها سموم التشييع؟
ج-هذه المسائل ستجد حلاً لها من الحكومة السورية التي ينتجها الاتفاق السياسي الدولي المأمول، وبدون هذا الاتفاق ستبقى الدول تعمل على تحقيق مصالحها وأجنداتها في سورية بحرية، ولعل هذه المصالح هي التي تؤخر الحل السياسي المأمول.
س- ملف المعتقلين السوريين والمختفين، لازال يثير الشكوك والمخاوف، حيث لم يقدم النظام الأرقام الحقيقية لعددهم داخل السجون، ولم تستطيع المنظمات الإنسانية الدولية الوصول إليهم لمعاينة الأوضاع وكشف الحقائق، هل هناك جديد، ولماذا هذا التقصير الدولي تجاه الملف الشائك باعتبارك حقوقي ايضا؟
ج-منذ أواخر السبعينات بدأ النظام بالتعامل مع خصومه السياسيين بهذه الطريقة غير القانونية المتمثلة بإخفاء مصير المعتقلين سنوات طويلة حتى باتت جزء من تكوينه، وهناك أشخاص مختفين منذ الثمانينات لا يعرف مصيرهم وهل هم أحياء أم لا! ومن الصعب جداً دفع النظام لتغيير هذا النهج وتطبيق القانون لأن في ذلك خطر على وجوده، والنظام متمرس في التعامل مع المنظمات الدولية في هذا الملف ولن يعدم وسيلة لذلك، سواء بالتجاهل أو حتى بالكذب.
-أمّا التقصير الدولي في هذا الملف فيعود بالدرجة الأولى لأن الدول تهتم بمواطنيها بالدرجة الأولى، أما مواطني دولة أخرى وحقوقهم فيكتفي بالتنديد والشجب.
س- الوضع في إدلب يلخص كل التناقضات السياسية والعسكرية وهو مجال أيضا لكل التدخلات الخارجية، في ظل هذا الوضع المتداخل ألا ترى إن أزمتها الحالية أعقد من كل الأزمات التي مرت بها بقية المدن السورية وما الحلّ لإنهاء هذه الحالة من التعقيد؟
ج-أتمنى أن يتكفل الاتفاق الدولي المنتظر لحل المسألة السورية بعلاج هذا الملف المعقد وغيره.
س-بيد من الحلّ والاستقرار السياسي في سورية ؟ وهل استكمال صياغة الدستور الذي تنكب عليه اللجنة الدستورية (المُعطّلة حاليا) من ضمن أولوياته أم انه مرتبط بتطبيق بالقرار الأممي 2254؟
ج-الحلّ المنتظر سيكون باتّفاق دولي ينتج تغييراً سياسياً حقيقياً أما اللجنة الدستورية بتركيبتها وطريقة عملها الحالية فلن تفضي إلى نتيجة لأنها ولدت مشلولة سواء بطريقة إنتاجها أو آلية التصويت فيها! ومن البديهي أن النظام الذي له الكلمة العليا فيها لن يسمح بأي خرق أو تغيير يؤثر عليه.
وقد يطول الوقت قبل الوصول لهذا الاتفاق، لذلك ينبغي على السوريين عامة ونخبهم بشكل خاص العمل على تشكيل طبقة سياسية وطنية غير مرتبطة بأجندات الخارج تعي القضية السورية بكامل أبعادها تقود الرأي العام السوري لفرض شروطه ومصالحه الوطنية في أي توافق دولي قادم.
س-كيف ترى سورية المستقبل؟
ج-أعتقد أن سورية في المستقبل ستكون فيدرالية بمجلسين تشريعيين، وأتمنى ألا أراها كنفدرالية واسعة.