مراقبون يؤكدون لـ «القدس العربي» استحالة الهجوم على إدلب والتوغل فيها
شهد الشمال السوري أمس، مظاهرة شعبية غاضبة طالبت بحل هيئة تحرير الشام التي تقودها «جبهة النصرة» ونددت بالمجازر التي ارتكبها النظام السوري والروسي ضمن المنطقة الداخلة في نظام «خفض التصعيد»، وذلك في وقت توعدت فيه تركيا بتطبيق اتفاق إدلب حرفياً، على اعتبار أنها منطقة ذات حدود معينة، ينبغي تحقيق الأمن فيها، بضمانة تركيا وروسيا، فيما يبدو لمراقبين ان ذلك هو الحل الاجدى حيال ادلب، كون الروس يحملون الجانب التركي مسؤولية تقليل المخاطر وكلفة المعركة في المنطقة، لاسيما مع استحالة تفكيك هيئة تحرير الشام.
ومع غياب رؤية واضحة حول مستقبل ادلب، التي يصعب اقتحامها أو التوغل فيها، يجمع خبراء ومراقبون ان الحل النهائي للمنطقة المتبقية للمعارضة، سيكون بعد سنوات عبر حل عسكري حاسم، يعيدها إلى سيطرة النظام السوري، على ان يسبق ذلك مناورات عديدة لاضعاف الفصائل على اختلاف مشاربها، وعمليات عزل وقضم، ممنهجة أسوة بما جرى في مدينة خان شيخون الاستراتيجية وغيرها.
موقف تركي لافت
وفي موقف تركي لافت شددت أنقرة على لسان المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن، على ضرورة الوقف الفوري لهجمات النظام السوري بحجة وجود عناصر إرهابية، وذلك بتوجيه روسي وايراني له، كاشفة عن قمة ثلاثية حول سوريا ستعقد بين زعماء تركيا وروسيا وإيران، بالعاصمة أنقرة، 16 أيلول/سبتمبر الجاري، حيث لفت قالن إلى ان الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، بحثا خلال لقائهما في روسيا الأسبوع المنصرم، ملف ادلب بشكل مستفيض. كما أكد على ضرورة الاسراع في تطبيق مسار الحل السياسي في سوريا، بدون تلكؤ، وتنفيذ خطوات انشاء لجنة دستورية وحكومة انتقالية والتوجه إلى انتخابات، استكمالاً لمساري أستانة وجنيف.
شمالاً، خرجت مظاهرات شعبية، ضمت ما يقارب 500 شخص في مدينة سراقب جنوب شرقي إدلب، حيث ندد المتظاهرون بالمجازر الروسية، ورددوا شعارات نادت بإسقاط حكومة الإنقاذ التابعة للنصرة وزعيم «هيئة تحرير الشام» وذلك وسط حالة من الهدوء النسبي وثقه المرصد السوري لحقوق الإنسان «بعد قصف صاروخي ومدفعي تعرضت له أمس مناطق في كل من كفرنبل وجرجناز وحاس وحيش بابولين وكفرسجنة والتح والديرالغربي والديرالشرقي ومعرة حرمة بريف إدلب الجنوبي والجنوبي الشرقي، وديرسنبل و شهرناز و كورة وميدان غزال بريف حماة الشمالي والشمالي الغربي، بالإضافة لذلك قصفت قوات النظام بالمدفعية الثقيلة مناطق في كل من الكندة ومرعند بريف جسر الشغور الغربي بالتزامن مع قصف استهدف محاور كبانة والخضرا بريف اللاذقية الشمالي».
تفكيك «النصرة»
ومع عودة هيئة تحرير الشام إلى الواجهة من جديد، وربطها بمستقبل ادلب، يعتقد مراقبون ان موضوع حل جبهة النصرة، او حتى تفكيكها سلمياً بدون قتال هو أمر في غاية الصعوبة، لا سما بعد مطالبات عدة، من المدنيين وفصائل المعارضة السورية والتي تلقب بالمعتدلة، على اعتبارها عبئاً يثقل كاهل الثورة. وعلى ضوء هذه المظاهرات يقول الباحث المتخصص في شؤون الجماعات المتطرفة حسن أبو هنية، ان الهيئة تعرضت لمطالبات كثيرة سابقاً، أهمها المطالب الاقليمية والدولية، «ولا ننسى اتفاقية استانة بين روسيا وتركيا التي كانت تنص على تفكيكها وكذلك اتفاقية سوتشي التي أعطت مهمة تفكيك هيئة تحرير الشام والنصرة لأنقرة» لكن كل هذه المحاولات كانت باعتقاد المتحدث فاشلة كما هو واضح.
وتوقع الخبير لـ»القدس العربي» ان تشكل ادلب معضلة للنظام السوري ومعضلة للروس، اذ يحاول حلف النظام السوري وموسكو وطهران الاستيلاء على ادلب بأقل الخسائر الممكنة وأقل التكاليف بشكل أو بآخر من خلال الأتراك، ، مستدركاً «في الوقت نفسه اثبتت الوقائع انه من غير الممكن تطبيق ذلك بسهولة خصوصاً ان ادلب اصبحت تجمعاً كبيراً ليس فقط للنصرة بل لبقية الجهاديين والحركات المصنفة كإرهابية او متطرفة من السوريين وغيرها من الفصائل المعتدلة، وفي النهاية هذه هي نظرة النظام السوري والروسي لكل فصائل المعارضة باعتبارها حركات إرهابية فهذا تكتيك لا ينفع».
ويبدو ان اقتحام ادلب أمرٌ صعبٌ للغاية، رغم ان النظام والروس يقولون انهم سيدخلون ادلب بالنهاية وهي تحاول ان تقلل التكلفة، لكن من المعلوم حسب رؤية أبو هنية ان «الكلف عالية، بما فيها الكلفة الانسانية والمادية والحرب ذاتها»، وبالتالي ان الأفضل هو اعادة وضع اتفاقية سوتشي واستانا لان الروس بمعنى ديناميكي تحاول تحميل الجانب التركي تقليل المخاطر» معتبرا انه حتى الان لا يوجد افق واضح لمستقبل المنطقة مع صعوبة تفكيك هيئة تحرير الشام قائلاً «مهما كانت هناك وسائل فبالنهاية سيكون الحل بالحسم عسكري ولكنه بعيد، وتبقى الان المناوشات والضغوطات واحياناً المناكفات الدولية حول المنطقة، فكلما اقتربت تركيا من امريكا تتوتر العلاقات بين تركيا وروسيا، واذا اقتربت تركيا من الروس تتوتر العلاقات مع واشنطن».
لا يوجد شيء واضح، حسب المتحدث، لكن الواضح الذي يجمع عليه الكثيرون ان ادلب مقبلة خلال السنوات المقبلة على معركة فاصلة وصفها الخبير بالجماعات الجهادية «بأنها كبرى بعد محاولات اضعاف ومناوشات وقضم، وذلك بشكل ممنهج كما حصل في خان شيخون وغيرها من المناطق».
وتعزيزاً لرؤية المتحدث، حاولت قوات خاصة روسية، ليل الخميس الجمعة، التسلل إلى جنوبي منطقة «خفض التصعيد» شمال غربي سوريا، بالرغم من ادعائها اعلان هدنة في المنطقة، في تصريح للأناضول، أوضح مدير المكتب الإعلامي لـ»جيش النصر» (أحد فصائل المعارضة السورية)، محمد رشيد، أن قوات خاصة روسية حاولت التسلل إلى منطقة القصابية الواقعة غربي مدينة خان شيخون جنوبي محافظة إدلب.
وأضاف أن القوات الخاصة الروسية التي شاركت سابقاً في عمليات تسلل النظام السوري إلى ريف حماة، حاولت الليلة الماضية تنفيذ عملية التسلل بمفردها، لافتاً إلى أن أسلوب القوات الروسية في الهجوم يبدأ عبر طائرات بدون طيار مسلحة، ثم إطلاق قنابل مضيئة، وعقب ذلك تلجأ إلى قناصين واستخدام أسلحة موجهة حرارياً.
وعلى ضوء ما تقدم، قرأ الخبير في العلاقات الدولية محمد سرميني تعاطي روسيا مع ملف إدلب، بان روسيا ما تزال تصرّ على استخدام خيار الحسم العسكري في المنطقة العازلة لضمان أمن قواتها ووجودها العسكري في سوريا، وكذلك ما زالت تتمسّك بمقاربتها القائمة على استعادة النظام للسيطرة على كامل محافظة إدلب ومحيطها، متجاوزة التفاهمات التي تم توقيعها مع تركيا في أستانة وسوتشي.
نموذج غروزني
وقال لـ»القدس العربي» إن تمسك روسيا بالتفاهمات السياسية مع تركيا نابع من الرغبة بالحفاظ على العلاقات الثنائية التي تتعدى الملف السوري لكنها لا ترغب في منحها فرصة تعزيز دورها الإقليمي بالمنطقة، وهذا ما يُفسر سعيها الحثيث إلى الاستجابة بالحد الأدنى لمصالح تركيا وتأطير تواجدها عبر إعادة التنسيق مع النظام. معتبراً ان استمرار روسيا في هذا السياسة ربّما يعزز من عدم ثقة تركيا في التعاون الوثيق معها، ويساهم في رفع مستوى تدخلها للحفاظ على مصالحها الأمنية والسياسية، وبذل جهد أكبر لتحقيق توافق مع الولايات المتحدة لتعزيز قدرتها على التحرّك.
فروسيا من وجهة نظره تحاول تطبيق نموذج غروزني في سوريا لاستعادة السيطرة على جميع المناطق التي خسرها النظام، وجرى ذلك في حلب والآن في إدلب، من استخدام سياسة الأرض المحروقة وإحداث كارثة إنسانية لبث الذعر بين الأهالي من أجل التأثير على قراراتهم السياسية، وللضغط على تركيا والمعارضة، كما إنّ سياسة روسيا في التعاطي مع ملف إدلب ربما تعيد نموذج أفغانستان والمصير الذي لاقته هناك. وسيعزز خيار الحسم العسكري من رغبة الأهالي والمعارضة في الانتقام ويخلق ثغرات أمنية في المناطق التي يستعيد النظام السيطرة عليها، وبرز هذا الأمر في بقية مناطق خفض التصعيد لا سيما جنوب البلاد حسب المتحدث.
المصدر: القدس العربي