مركز بيغن-السادات: الانسحاب الأمريكيّ من سوريّة نكسة لإسرائيل وعلى الأخيرة الاعتماد عسكريًا على نفسها فقط ومُطالبة واشنطن بدعمها سياسيًا ودبلوماسيًا

8

قالت دراسة جديدة صادرة عن مركز أبحاث بيغن-السادات للشؤون الإستراتيجيّة إنّه على الرغم من سوء فهم القرار الذي اتخذه الرئيس ترامب بسحب القوات الأمريكيّة من سوريّة، إلّا أنه قد يجبر تل أبيب على إعادة تقييم الافتراضات الأساسية “لعملية السلام” مع الفلسطينيين التي تمّت قيادتها في العقود الأخيرة من قبل الإدارات الأمريكية المتعاقبة.

 وتابعت أنّه منذ اتفاق أوسلو، حدثت تغييرات بعيدة المدى: برزت روسيا كقوة عالمية كبرى، واستعادت وضعها كقوة عظمى من خلال تدخلات عسكرية مباشرة في جورجيا وأوكرانيا وسوريّة، وعلى النقيض من ذلك، خفضت الولايات المتحدة بشكل كبير من مشاركتها العالمية خلال العقد الماضي، وفقدت موقعها المهيمن في الشرق الأوسط، وبالتالي، فإنّ قرار الرئيس ترامب الأخير بسحب القوات الأمريكيّة من سوريّة هو مجرد استمرار لسياسة فك الارتباط التي بدأها سلفه أوباما.

 ورأت الدراسة أنّه من الممكن القول إنّ الانسحاب يلقي بظلال من الشك على مصداقية الولايات المتحدة كحليف استراتيجي، ومع ذلك، ورغم كل العيوب المصاحبة له، فإنّ هذه الخطوة تمنح إسرائيل فرصةً لإعادة النظر في إيمانها الطويل الأمد بالدعم الأمريكيّ الذي لا يتزعزع.

 وأردفت أنّه لبعض الوقت، وجدت إسرائيل نفسها في مأزق استراتيجيّ، فمن ناحية، كلما كانت الصورة الأمريكية أكثر قوة، كانت سمعة إسرائيل أقوى كلاعب عسكري وسياسي رئيسي، ومن ناحية أخرى، فإنّ الاعتقاد السائد بقدرة واشنطن الظاهرية على ضمان أي اتفاق سلام عربي – إسرائيلي قد وضع تل أبيب تحت ضغط مستمر لمواجهة المخاطر المرتبطة بالانسحاب من المناطق الحيوية لأمنها القومي.

 ولكن، تساءلت الدراسة، إلى أي مدى يمكن للقوات العسكرية الأجنبية العاملة في بيئة غريبة بالكامل أنْ توفر بديلاً مناسبًا للجيش الإسرائيلي في إنفاذ تجريد الضفة الغربية من السلاح؟ وتابعت: انطلاقًا من تجربة القوات الدولية في الشرق الأوسط في العقود الأخيرة، فإنّ الإجابة بعيدة عن أنْ تكون مرضية، فعلى سبيل المثال، فشلت قوة (يونيفيل)، التي تمّ نشرها على طول الحدود الإسرائيلية اللبنانية منذ عام 1978، فشلاً ذريعًا في منع تحول المنطقة الخاضعة لولايتها إلى كيان إرهابي غير معترف به، أولاً من قبل منظمة التحرير الفلسطينية حتى عام 1982، ثم من قبل المنظمات الإرهابية الشيعية المتعاقبة. كما أثبتت بشكل واضح من خلال الكشف الأخير عن أنفاق هجوم حزب الله التي تخترق أراضي إسرائيل ، فشلت اليونيفيل بشكل كامل في تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 1701 في نهاية حرب لبنان الثانية، كما أكّدت الدراسة.

 ورأت أيضًا أنّه على الرغم من هذه القيود التشغيلية، فإنّ فكرة الإشراف الدولي تعاني من خلل سياسي دستوري متأصل، أيْ اعتمادها الكلي على موافقة الحكومة المضيفة، التي يمكن أنْ تطالب بالانسحاب الفوري لجميع القوات الأجنبية من أراضيها، لافتةً في الوقع عينه إلى أنّه يجب إضافة ذلك إلى الحالات العديدة التي تم فيها سحب قوات الإشراف الدولي و/أو التدخل من الدول التي كان من المفترض أنْ تحميها نتيجة لقرارات أحادية الجانب من جانب الحكومات المرسلة: من إجلاء القوة الأمريكية-الفرنسية-البريطانية-الإيطالية من لبنان في أعقاب قصف حزب الله لمقره في بيروت في تشرين الأول (أكتوبر) 1983، إلى الانسحاب المتسرع للقوات الأمريكية من العراق في عام 2011 مع صعود تنظيم داعش واستيلائه على مساحات كبيرة من العراق وسوريّة ، إلى القرار الأخير للرئيس ترامب، على حدّ قولها.

 وشدّدّت الدراسة على أنّ وفقًا لخبراء الأمن الإسرائيليين، فإنّ الانسحاب الأمريكيّ قد ترك إسرائيل وحدها في المعركة ضد التعزيز العسكري الإيراني في سوريّة، صحيح بما فيه الكفاية، ولكن هذه النكسة يمكن أنْ تستلزم بطانة فضية مهمة، من أجل أنْ تعترف إسرائيل بخطى سريعة بكونها “تابعة” إقليمية، كلما أسرعت في إبطال عبث “التنازلات الإقليمية المؤلمة” في الضفة الغربية ، ناهيك عن هضبة الجولان.

واختتمت الدراسة قائلةً إنّ ما تحتاج إليه إسرائيل أكثر من الولايات المتحدة في الوقت الحالي هو الدعم السياسي والدبلوماسي لدعم مصالحها الوطنية الحيوية، بالدرجة الأولى دعم استمرار احتفاظها بالجولان كشرط حيوي للدفاع عنها، وثانيًا وقف الضغط لمزيد من الانسحابات الإقليمية في الضفة الغربية، ومع قليلٍ من الحظ ، قد يؤدّي تحوّل ترامب في سوريّة إلى تحوّلٍ في إستراتيجيّة الولايات المتحدة الإقليميّة في هذا الاتجاه، كما أكّدت الدراسة الإسرائيليّة.

زهير أندراوس
المصدر: رأي اليوم