مسارات خلّفت المتاهات وعمّقت الأزمات في سورية.. سياسيون يتحدثون للمرصد السوري عن الخلل

77

لم يتغيّر المشهد السياسي في سورية بعد عقد من الصراع الداخلي والدولي، وبرغم كل المسارات السياسية للتوصّل إلى حلّ من جنيف إلى سوتشي إلى الرياض ومصر وتركيا، وبعد كل المؤتمرات التي يصفها مراقبون بالمتعثّرة توسّع الصراع وتشعّب، فيما فشلت المعارضة في تشكيل جبهة موحدة تجعلها قادرة على إنتاج بديل للنظام وبرنامج يخرج البلاد من أزمتها..
فبين 2012 و2017 عُقدت ثمانية مؤتمرات بشأن الأزمة السورية في مدينة جنيف السويسرية، في ظل ظروف داخلية وخارجية مختلفة، ظهرت خلافات جوهرية بين مختلف الأطراف المتحاربة حالت دون حسم القضايا المطروحة للتفاوض والنقاش خلال المفاوضات غير المباشرة التي جمعت وفدي المعارضة والنظام السوريين والذي كان برعاية أممية.
برغم مساعي المعارضة إلى إحياء العملية السياسية في جنيف بشأن سورية استنادا إلى القرار 2254، إلّا أن كل المساعي باءت بالفشل.. فلماذا فشلت مختلف المسارات في إيجاد الحلّ وأين الخلل؟
ترى السياسية المعارضة البارزة ورئيسة الحزب الجمهوري السوري، مرح البقاعي، في حديث مع المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن “كثرة” المؤتمرات من ناحية العدد وغياب النوع من حيث وضوح الرؤية والمتابعة لمخرجاتها هو السبب الذي لم ينجح به أي مؤتمر حتى الآن في تحقيق أهدافه منذ2011.
وقالت:” لم أعد أرى جدوى في أي مؤتمر يُضاف إلى مؤتمرات سابقة دون أن يحمل رسالة جديدة للسوريين والعالم تخدم الدفع الإيجابي بقضيتهم وتحمل بذور النجاح في مهمة تطبيق قرارات الأمم المتحدة لتحقيق الانتقال السياسي في سورية”.
واعتبرت السياسية السورية أنه في ظل تغير الوضع الميداني باستمرار فإن العمل السياسي سيبقى معطلاً إلى فترة ليست بالزهيدة.
وأضافت أن الثورة السورية أغلقت في أذار الماضي العشر سنوات من الدمار والتهجير والألم والمعاناة التي لم يوقفها أي مؤتمر ولا أي قرار أممي أنجز في في فنادق فاخرة وحضرته شخصيات رفيعة المستوى، في حين غاب عنها السوريون الذين وُوجهت ثورتهم السلمية بدموية وتم تسليحها بعد أن حوصرت مدنهم ونُهبت بيوتهم التي تحوي ذكرياتهم ودمّرت كل الحيوط التي كانت تحمل قصصهم .. ويتساءل كل سوري اليوم ماذا قدّمت له مختلف المسارات غير مزيد التهجير والجوع ؟
من جانبه، يقول بشار الحاج علي، الدبلوماسي السابق والسياسي المستقل وممثل الائتلاف الوطني السوري لدى الإتحاد الأوروبي، في حديث مع المرصد، إن الحديث عن الثورة السورية وتأخر الحل السياسي يستدعي العودة إلى البداية حيث انطلقت من محافظة درعا (حوران ) كانتفاضة شعبية ردا على اعتقال أطفال درعا البلد التي تخضع حاليا لحصار وضغوط كونها لاتزال على موقفها الرافض لهذه السلطة الغاصبة، وجاءت الانتفاضة كتحرك شعبي عفوي لم تكن له قيادة، وتطورت الانتفاضة نتيجة للعنف المفرط من هذه العصابة لتتسّع الثورة الشعبية شيئًا فشيئًا حتى عمت أرجاء الوطن السوري وهذا أيضًا لم يمكنها من صنع قيادتها.. ومع تدخل نظام الملالي وميليشيات حزب الله وغيرهما أصبح التدخل الدولي العامل الحاسم في الحالة السورية، خاصة مع الموقع الجيو-سياسي المهم وتداخل الأجندات الخارجية وتناقضاتها، ولم يعد بالإمكان إيجاد حل من قبل السوريين لوحدهم ولا حتى الدول الإقليمية المتدخلة بل أصبحت تحكم الوضع السوري توافقات لابد منها وهي الوطني السوري- السوري والتوافق الإقليمي والتوافق الدولي، وريثما تتم هذه التوافقات ستكون المؤتمرات عبارة عن تعبير عن أن القضية السورية لاتزال حية وأن إمكانية تطبيق حل سياسي لا تزال قائمة.
واستطرد الحاج علي قائلا: لايخفى على المطلعين أن قرارات مجلس الأمن ذات الصلة وخاصة القرار 2254 الذي قدّم رؤية واضحة للحل السياسي لايستثني أحدا من الأطراف السورية وينصّ على وحدة واستقلال سورية وسلامة أراضيها ويحمي التنوع والتعدد دون أن يعزلها عن محيطها العربي و موقعها فيه ، إلا أن هذا القرار لم ينفذ حتى الآن وكل ما تم هو جولات دون نتيجة سواء أكان ذلك خلال المفاوضات أو خلال العملية الدستورية.
ووفق وجهة نظر السياسي السوري فإن تنفيذ القرارات بحاجة للإرادة الدولية الحازمة والجادة التي تبدو أنها لم تتوفر إلى هذه اللحظة، مشيرا إلى أن إمكانية التحريك للحل السياسي من قبل السوريين محدودة في الواقع، والفاعلية تكون في إمكانية رفض أي حل لايلبّي تطلعات الشعب السوري في دولة تكفل كرامة الانسان وحقوقه من خلال نظام ديمقراطي يحميه دستور واضح يقره الجميع باستفتاء شعبي .
ولفت إلى أن المشكلة ليست في كثرة المؤتمرات ولا الاجتماعات وإنما بسبب ذاتي حيث لم تتوفر في سورية قبل الثورة حياة سياسية يمكن من خلالها إحداث تغيير سياسي ولم يتسنَّ للثورة أن تصنع قيادتها السياسية الواحدة، مما سهل وقوع البلد رهينة التدخلات الدولية التي شرع لها الطريق دكتاتورية السلطة الحاكمة حماية لمكتسباتها.
وأكد محدثنا أن “السوريات والسوريين ليسوا بأقل وعيا ومقدرة من شعوب الأرض لو تسنى لهم تقرير مصيرهم بأنفسهم فهم قادرون على الاتفاق والبدء كما عاشوا منذ آلاف السنين” .

بدوره اعتبر عضو اللجنة الدستورية والسياسي القومي العربي السوري قاسم الخطيب، في تصريح للمرصد السوري لحقوق الإنسان، معلّقا على المؤتمر يومي السبت والأحد21 و22 أغسطس، أن مايميزّه عن المؤتمرات السابقة داخل سورية أو خارجها هو أنه مؤتمر سوري-سوري دون أي تدخلات أجنبية من ناحية التمويل والوثائق التي تؤكد عدم ارتهانه للخارج، حيث وجهت الدعوة إلى شخصيات وطنية سورية مستقلة بقراراتها وإرادتها ولا تخضع لأي أجندة خارجية، لافتا إلى أن مشروع المؤتمر الأوّل شدّد على كون سورية دولة عربية موحّدة ودعا إلى تفعيل العملية السياسية وتنفيذ القرارات الأممية 2118 و2254، حيث يؤكد أنه آن الأوان للمجتمع الدولي للتعامل مع معارضة وطنية مستقلة بقراراتها، طموحها وأمانيها هي سورية الموحّدة بعيدا عن المصالح الضيّقة والمطامع السياسية.
وأكّد الخطيب أن المؤتمر سينصّ على أن لا تكون سورية المستقبل مسرحا دوليا للصراعات في المنطقة،كاشفا عن أن المؤتمر سينتج عنه جسم سياسي ولكنه لن يطرح نفسه بديلا عن هياكل المعارضة بل سيعطي صورة حقيقة وواضحة عن معارضة وطنية ديمقراطية آمنت بالحلّ السياسي بعد أن فشلت كل الحلول العسكرية ، وبالتأكيد سيحمل هذا الجسم استقلالية في اتخاذ القرارات الوطنية لخدمة الشعب السوري..
وخلص إلى القول:آن الأوان بعد عقد من الصراع أن يجد السوريون مدخلا للخروج من النفق المظلم الذي أدخلهم فيه نظام الاستبداد وقوى الإرهاب الإقليمية والمعارضات اللاّوطنية التي تبحث عن المناصب والتمركز فقط بعيدا عن المصلحة الوطنية في وطن مفكك ومشتت ومدمّر بفعل التدخلات الأجنبية المقيتة، ولا بد من الانطلاق نحو تصحيح المسار عبر سنّ حل سياسي ينهي الحرب من أجل بناء دولة المواطنة التي يتساوى فيها الجميع أمام القانون ويعيش فيها الكل بحرية وديمقراطية”.
ويعتبر العميد الركن أحمد الرحال في حديث مع المرصد، أنه يمكن تقسيم مختلف المسارات منذ 10سنوات إلى قسمين : قسم برعاية أممية كمسار جنيف واللجنة الدستورية وأستانة، وقسم محلّي وإقليمي، مشيرا إلى أنه بالنسبة للمؤتمرات الرسمية التي كانت تحت رعاية الأمم المتحدة أو الاجتماعات الثلاثية التي كانت ترعاها روسيا وإيران وتركيا، طالما أنه لا يوجد تفاهم أمريكي-روسي وطالما أن القرار2254 لم يوضع تحت البند السابع فطبيعي أن يتلاعب نظام بشار الأسد بكل المسارات حيث يعمل دائما على عامل إضاعة الوقت ،مشددا على أن وفود النظام في جنيف وموسكو كانت مهمتها التشتيت وإفشال المفاوضات والاستثمار في الوقت من خلال هذه المسارات، حيث إن المجتمع الدولي لإظهار أنه مهتم بالقضية السورية أنشأ هذه المؤتمرات مدركا جيدا أنه طالما لا توجد ضغوط عسكرية وسياسية و اقتصادية ولا ضغوط دبلوماسية على الأسد وإيران حليفه الأول، لن تسفر عن تحقيق نتائج ولو نُظمت آلاف المؤتمرات والمسارات .
ولفت العميد الركن إلى أن الغرب يدرك جيّدا أن تحقيق أي نتائج إيجابية تبدأ من الضغط على النظام وإجباره على الامتثال للقرارات الأممية، مضيفا أن المجتمع الدولي لم يعد كما لم يكن مهتما بالملف السوري إلا بفعل ‘ الواجب المزعوم’.
وبالنسبة للمؤتمرات المحلية والإقليمية يرى محدثنا أنها لم تحظَ برعاية لعدم توفّر غطاء سياسي حقيقي يدعمها، وقيادة حقيقية، مشيرا إلى المؤتمر الحالي في جنيف الذي لا يحظى بغطاء دولي يبقى صيحة في الفضاء لا أحد يسمعها ولا يؤدي إلى نتيجة ، وفق تعبيره.
واتّهم بعض مؤسسات المعارضة بالإرتهان لأشخاص باعوا القضية السورية لأجندات إقليمية وغربية، ومنعوا أي تمثيل حقيقي للثورة، مذكرا بدعوته إلى إنشاء أجسام سياسية سورية معارضة تتماشى ومطالب الثورة وتمثّل أبناءها، مارفضه نصر الحريري الرئيس السابق للائتلاف السوري المعارض، لافتا إلى أن الجناح العسكري أيضا يمنع أي تشكيل يعبّر عن رأي الشعب، حيث يفرض القبول بالموجود المرتهن للخارج والذي يتنافى ومصلحة الثوار والثورة .
وأرجع فشل مختلف المسارات إلى غياب جناح سياسي ثوري وجناح عسكري يعبّر عن مطالب الشعب السوري وتفهّم مطالبه بعيدا عن التسليح والعنف والتهجير والقتل .
أما الناشطة منيرفا الباروكي، الحقوقية وعضو اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني السوري فصرحت للمرصد، قائلة إن المؤتمر الحالي في جنيف لا يسعى إلى إفشال أي مسار يمكن أن يكون فيه ولو نسبة 1 بالمائة لمصلحة سورية والشعب السوري أينما كان، مضيفة أنه بعد عشر سنوات أصبحت الأوراق مكشوفة، و زادت الأزمات واهترأت هياكل سياسية عديدة ولم يعد ثمة حل في الأفق، خاصة بعد كثرة التدخلات الخارجية التي شتتت المشتت وجزأت المجزأ، وهي مسؤولة إلى جانب الحل العسكري الأمني عن التهجير السكاني واللجوء الجماعي والإفقار المتزايد لكل السوريين في كل المناطق.
وأشارت إلى أن القائمين على المؤتمر لم يتواصلوا مع أي أطراف دولية باعتباره سوريا-سوريا بعيدا عن كل الأجندات التي لوّثت المشهد السوري وزادت من أزمته .
وختمت بالقول: ” نحن السوريين نرفض التدخلات الأجنبية التي مزّقت البلد وشتّتت أبناءه، ويجب رفع يد كل من ليس سوريا، وتطبيق القرارات الدولية التي تسعى إلى إعادة الحق المغتصب إلى أهله.