مصطفى سيجري للمرصد السوري: مصلحة داعش والنظام وحزب العمال الكردستاني واحدة.. ونحن وتركيا في خندق واحد في مواجهة الإرهاب.. ولإسرائيل مصالح خاصة لا تلتقي مع الشعوب
ينتظر الشعب السوري تجديد المساعي لتحقيق تسوية سياسية لإنهاء الأزمة المستمرة، وذلك بإجراء مشاورات عن قرب مع حلفاء واشنطن والتعاون مع الأمم المتحدة حيث قالت واشنطن مؤخرا إنها مستمرة ومصرّة على إحداث التسوية السياسية على أسس القرار الأممي 2254.
وبرغم تلك الوعود يرى مراقبون أن السياسة الأمريكية الجديدة مع جوزيف بايدن لم تتضّح بعدُ في سورية، لكن وزارة الخارجية أكدت أنها مستمرة في سياسة العقوبات ضد النظام، لدفعه إلى الحوار السياسي وتجاوز الصراع.
ويرى مصطفى سيجري رئيس المكتب السياسي في الجيش الوطني السوري، في حوار مع المرصد السوري لحقوق الإنسان، إن الجيش الوطني ساهم في تحرير عديد المناطق وطرد التنظيمات المتطرفة، لافتا إلى أنه برغم ضعف الإمكانيات إلا أن ما حقق في سنوات جدير بالثناء والتقدير.
س- تتالت الأخبار في الفترة الأخيرة حول اغتيال قيادات بارزة في الجيش الوطني السوري.. برأيكم من يقف وراء عملية التصفية ومن تتهمون؟
ج- طبعا، بالنسبة للوضع الأمني بالمنطقة المحررة، يعلم الجميع أنه تم تحريرها بعد أن كانت تحت سيطرة المجموعات والتنظيمات الارهابية سواء تنظيم “داعش” أو حتى “حزب العمال الكردستاني” ومختلف الأذرع التابعة للحزب، سواء أكانت”قسد” أو القوات التي تتبع لها بشكل مباشر أو غير مباشر، وبالتالي كان هناك بعد عملية التحرير استحقاق مهم وهو محاولة ضبط الأمن بالدرجة الأولى ومن ثم استكمال العمليات العسكرية باتجاه بقية المناطق المحتلة من قبل التنظيمات والجماعات الإرهابية.
-هذا إضافة إلى أن هذه المنطقة المحررة محاطة بقوى معادية سواء أكان على رأسها نظام بشار الأسد أو الميليشيات أو المجموعات الإيرانية أو حزب العمال الكردستاني أو حتى بعض الخلايا التابعة لتنظيم داعش الارهابي، وبالتالي كل هذه القوى سعت بشكل مباشر أو غير مباشر إلى تقويض الأمن في المنطقة المحررة بهدف عرقلة جهود الجيش الوطني السوري وأيضا عرقلة جهود الحلفاء في الجمهورية التركية لاستكمال العمليات العسكرية.
-بكل تأكيد، أصابع الاتهام تشير إلى حزب العمال الكردستاني، الذي يستهدف تقويض الأمن وضرب النموذج المقدّم من قبل الجيش الوطني، بعد عمليات التحرير سواء لمدينة عفرين أو حتى لمنطقتيْ تلّ أبيض ورأس العين.
س- عقدت جميع فصائل الجيش الوطني الموزعة على مختلف فيالقه، خلال الفترة الأخيرة اجتماعاً لمناقشة الملف الأمني في منطقة شمال حلب وشرقها، بعد تكرار عمليات التفجير والاغتيال، وخاصة في مدينة الباب، وتحدثتم عن خطة لضبط أمن الشمال.. ما مضمونها وما مدى فعاليتها أستاذ مصطفى؟
ج-يتمّ استهداف مدينة الباب على وجه الخصوص، على اعتبار أنها مركز الالتقاء لأبناء المنطقة، يعني أن المدينة أصبحت أكبر تكتل بشري في المنطقة المحررة، وبالتالي تعتبر هدفا رئيسيا للمجموعات الارهابية.
ويمكن الإشارة أيضا إلى مصلحة النظام في تقويض الأمن في هذه المنطقة كما تشير أصابع الاتهام إلى حزب العمال الكردستاني.. طبعا الجيش الوطني وبدعم من الحلفاء من الجمهورية التركية اتخذ مجموعة من الخطوات لضبط الأمن بهذه المنطقة ومنع وصول السيارات المفخخة كما حال دون وصول الخلايا والعناصر الارهابية إلى هذه المنطقة.
ولكن التجربة تؤكد أنه إذا أردنا أن نفرض الأمن بشكل كامل ونحقق الاستقرار فلا بدّ من استكمال عمليات الجيش الوطني والجيش التركي استئصال التنظيمات الإرهابية.
وما لم يتم استئصال هذه التنظيمات من داخل الأراضي السورية، فمن الواضح أننا لن نتمكن من فرض الأمن والاستقرار بشكل كامل، وبالتالي نحن ندفع باتجاه أن يكون هناك في المرحلة القادمة استكمال العمليات العسكرية ضدّ معاقل حزب العمال الكردستاني.
س- كانت قيادات بالجيش الوطني قد تحدثت عن عدم قدرة أجهزة الشرطة والأمن على حماية الناس وضبط الأمن في المدن برغم كثرة الدوريات، ما توجب على الجيش الوطني العودة من جديد إلى إدارة الملف الأمني وضبط المنطقة.. لماذا برأيكم لم تنجح الدوريات وحدها في بسط الأمن، وما حقيقة ما روج حول إمكانية دمج القوى التنفيذية بالأجهزة الأمنية في سياق عملية إصلاحها لردع الفاعلين؟
ج- طبعا كانت هناك مناشدات من قبل الأهالي والمدنيين لإعادة انتشار للجيش الوطني على أثر مجموعة من الخطوات التي اتخذها الجيش من إخلاء للمقرات وسحب القوات الى خارج المدن، وبالتالي ترك المنطقة لقوى الشرطة الأمن الداخلي، ونحن نتحدث هنا عن منطقة جغرافية واسعة جدا تستدعي أن يكون هناك الآلاف من القوى وعناصر الأمن، ومن جانب آخر هذه الأجهزة تحتاج إلى إمكانيات ودعم وتأهيل وتدريب وتطوير.
– لم نأخذ الفرصة الزمنية المتاحة من أجل إيجاد هذه المؤسسة الأمنية التي بإمكانها ضبط الأمن وحماية أمور المدنيين، وكانت هناك دعوات إلى إعادة انتشار الجيش الوطني ولكن ليس بديلا عن قوى الأمن في هذه المنطقة، وتمّ اتخاذ بعض الخطوات كتعزيز الحواجز داخل المناطق غير السكنية أي على بوابات المدن والبلدات والقرى بهدف تعزيز الأمن لمنع وصول العناصر الارهابية أو دخول السيارات المفخخة إلى الأحياء السكنية .
-كما تعلمنا أن من أدبيات التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها حزب العمال الكردستاني ضرب المناطق الآمنة واستهداف الأسواق الشعبية وخصوصا كما حدث مؤخرا.
س-بماذا تفسرون عودة تكثيف عمليات تنظيم”داعش” في الفترة الأخيرة في سورية وخاصة منذ تنصيب الرئيس الأمريكي الجديد جوزيف بايدن؟
ج- بطبيعة الحال نحن ننظر إلى التنظيمات الإرهابية سواء تنظيم “داعش” أو “حزب العمال الكردستاني” كونهما أداتين تستخدمان من قبل جهات مشغلة لمصالح معينة، وهناك جهات تقف خلف هذه الجماعات وتستفيد من وجودها وتدعمها بهدف تمرير مشاريع.. أنشطة تنظيم “داعش” لا تزال مستمرة، وكنا نتمنى أن تكون هناك نظرة جدية من الإدارة الأمريكية لآلية التعاطي مع هذه التنظيمات انطلاقا من قطع الطريق على كل من يحاول أن يدعم التنظيم بشكل مباشر أو غير مباشر، أيضا لا يمكن أن تقتصر مواجهة التنظيمات المتطرفة على الجانب العسكري وإنما هناك عدة جوانب يجب أن تتعاطى معها الإدارة الأمريكية إذا أرادت دعم جهودنا في الداخل السوري لمحاربة التنظيمات المتشددة.
س- يرى محللون أنه برغم الإشارات التي مرّرتها إدارة بايدن والايحاء بعزم التوجّه إلى تغيير في السياسة الخارجية الأميركية في سورية، إلا أن المؤكد الذي لا يحتمل التأويل أنّ سياسة أمريكا –بشقّيها الديمقراطي والجمهوري، هي ثابتة تجاه الدول التي تناهض سياستها، وتعادي إسرائيل، ويكمن الاختلاف فقط في الأسلوب.. هل تتفقون مع هذا الرأي؟
ج- نعم، هناك سياسة أمريكية ثابتة تجاه المنطقة وهي قائمة بالدرجة الأولى على ضمان المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، هذه السياسة ثابتة توارثتها مختلف الادارات المتتالية، لكن من جهتنا في الحكومة المؤقتة لا يمكن أن نتعاطى مع السياسة الأمريكية في المنطقة في حال تعارضت ومصالحَ شعوب المنطقة.. التجربة مع الجانب الأمريكي يمكن أن تكون معقدة نوعا ما نتيجة لتضارب المصالح الإقليمية والدولية من جهة، ونتيجة أيضا لعدم استطاعة المعارضة السياسية السورية الوصول إلى رؤية مشتركة للوضع في سورية، ولو استطعنا كسوريين صياغة رؤية جديدة تتوافق وتلتقي مع واشنطن على جملة من المصالح المشتركة فإننا سوف نلمس تغييرا في السياسة الأمريكية في المنطقة.
س- أعرب المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سورية غير بيدرسون، عن خيبة أمله بعد المحادثات التي أجريت في جنيف حول الدستور السوري، مبينا أن الأطراف المشاركة لم تتمكن من الاتفاق على منهجية للعمل.. هل تنتظرون من هذه اللجنة نجاحا في كتابة دستور يوحّد الشعب السوري ويؤسس لدولة القانون والديمقراطية وهل هناك أمل منها؟
ج- تابعنا تصريحات غير بيدرسون ونحن نعتبر أن تصريحاته مخيبة للآمال لأنه لم يحدّد الجهة المعطّلة لمسار اللجنة الدستورية، وبكل أسف لايزال غير بدروسون يسير بنفس الخطوات التي سار عليها مَن سبقه في هذا المنصب ولا توجد أي إشارة واضحة تكشف أن نظام الأسد هو من يعطل اللجنة والعملية السياسية ككل في سورية، وكلنا نعلم أن وفد النظام في جنيف تعمّد في كل الجولات السابقة انتهاج سياسة التعطيل والتسويف، إلا أن عدم الإشارة إلى الجهة المعطِّلة من قبل هذا المبعوث يجب أن ينظر إليها الشعب السوري بكثير من الاستياء لأننا نلمس عملية تضليل، وتصريحاته ضبابية وغير واضحة، إضافة إلى أن بعض أطراف المجتمع الدولي صامتة تجاه التعطيل.
-وأقول إن الشعب السوري لم يعد يثق بأن هناك موقفا دوليا داعما للتغيير في سورية، حيث لا يتعرض النظام لأي ضغوطات خارجية بهدف دفعه إلى المضي قدما في العملية السياسية، حيث لا يزال يتلقى الدعم العسكري المفتوح والدعم المالي من عدة جهات ولا يزال يتمتع بشرعية سياسية تجعله جزءً من المنظومة الدولية وهذا بالنسبة لنا جريمة من قبل نظام قتل أكثر من مليون مواطن سوري مدني بريء، فكيف يمكن أن يكون جزءً من هذه المنظومة ويحظى بكل هذه الشرعية؟ .. لا ثقة لدينا في هذه اللجنة التي لا تمثل الشعب السوري ولا وجود أي أمل فيها ولا بالمسار السياسي نتيجة ممارسات النظام من جهة والمواقف الدولية من جهة أخرى.
س-يقول مراقبون إن الروس سيفشلون في إقناع الأمريكيين والأوروبيين بإعادة الشرعية إلى الأسد عبر الانتخابات المقبلة ولكنهم ربما ينجحون في شراء تجاهلهم لها كما تعاملوا مع انتخابات 2014، ولن تستعين موسكو في مسعاها هذا طبعا بالصور التي ينشرها الرئيس الفائز، وإنما ستلجأ إلى عقد تفاهمات بشأن الأزمة السورية وغيرها من ملفات المنطقة والعالم، هكذا ستكون نهاية الانتخابات بنسختها الرابعة بعد نحو ثلاثة أشهر.. هل تتفقون مع هذا الرؤية؟
ج- نحن نستعد لمسرحية جديدة سينتجها النظام.. نتفق على أن المجتمع الدولي منقسم بين مؤيد له ومعارض للانتخابات التي لا تعبر عن آمال الشعب السوري، وهناك من يرى أنه لا مصلحة له في التغيير في سورية، وهي فرصة للنظام وللقوى الداعمة له وهما روسيا وإيران، وأعتبر أن غض النظر عما يحدث في سورية هو أكبر دعم للنظام، والانتخابات هي مسرحية جديدة يشرف عليها الأسد ومجموعة من الدول التي تضع كل قواها وإمكانياتها للإبقاء على النظام الحالي الذي يخدم مصالحها الشخصية، لكن الموقف الأمريكي غير مفهوم إلى حد الآن ونحن في انتظار ما سيؤول إليه لاحقا.
س- وصف مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سولفان، تركيا بمصدر القلق بالنسبة للولايات المتحدة ودول أوروبا، وذلك في أول هجوم إدارة بايدن على نظام الرئيس التركي.. باعتباركم في الحكومة المؤقتة وتعتبر تركيا حليفا رئيسيا لكم، كيف تقيمون الدور التركي في سورية منذ انطلاق الانتفاضة، وما نسبة رضاكم؟
ج-نحن دخلنا في تحالف مع تركيا وهي تعتبر حليفا قويا وصادقا بالنسبة لنا، تربطنا بها حدود تمتد على أكثر من900 كلم، وهناك علاقات تاريخية بيننا ويربطنا الدين والعلاقات الأخوية والعشائرية، وفي ظل هذه الظروف والتغيرات الإقليمية والدولية لم تدخّر تركيا جهدا لدعم الشعب السوري وفق الإمكانيات المتوفرة لديها، ولو كان هناك موقف دولي جاد وقوي لحلّ الأزمة في سورية وإحداث التغيير سيكون لتركيا الدور الأكبر والأهم ولكن أنقرة تتعرض أيضا لضغوطات خارجية وبرغم ذلك أصرت على دعمنا لانتصار الثورة، وتدرك تركيا أن التنظيمات والجماعات الإرهابية في الداخل السوري جماعات مهددة لأمنها القومي، حيث إن تمدد الإرهاب في سورية من الممكن أن ينتقل إلى تركيا أيضاً وبالتالي نحن وتركيا في خندق واحد في مواجهة الإرهاب.
تركيا هي أهم وأبرز داعم للربيع العربي والربيع السوري بشكل خاص، ولدينا ثقة كبيرة في دور تركيا في بسط الأمن وانتصار الثورة، ونقدر الجهود الكبيرة لها في دعمنا ،ونعتقد- في مرحلة ما متقدمة – أننا سننجر الكثير خصوصا وأننا قدمنا النموذج الأفضل في حربنا ضد الإرهاب خلال مدة قصيرة جدا واستطعنا أن ننفذ عملية درع الفرات ضد تنظيم “داعش” وتم تحقيق نصر سريع وحاسم وبأقل التكاليف والخسائر، كما نفذنا عملية غصن الزيتون وعملية نبع السلام ضد مجموعات حزب العمال الكردستاني وأيضا ضد المجموعات التي كانت تسيطر على المناطق، وباعتقادي كانت عمليات نموذجية وتستحق الثناء والتقدير مقارنة بالعمليات الأخرى التي تقودها دول أخرى إن كانت في سورية أو منطقة الشرق الأوسط بشكل عام.
س-كثفت إسرائيل ضرباتها واستهدافها للأراضي السورية.. برأيكم، ما الهدف الذي تسعى إسرائيل إلى تحقيقه في سورية ؟
ج-لإسرائيل في المنطقة مصالح خاصة لا تلتقي ولا ترتبط مع شعوب هذه المنطقة وبالتالي لا يمكن النظر إلى ما يقوم بها المحتل وكأنه دعم للشعب السوري أو اللبناني أو العراقي.. التمدد الايراني في المنطقة يتم على حساب شعوبنا وعلى حساب سورية، ونعتبر أن إيران تشكل الخطر الأكبر على الشعب السوري لأنها تحمل مشروع تشييع للمنطقة يستهدف المكون العربي السني بالدرجة الأولى ولكن لا يمكن أن نربط ما تقوم به إسرائيل من هجمات ضد بعض المواقع الايرانية في سورية وكأنها دعم لتطلعات الشعب السوري بل هي تصب في سياقات أخرى خطيرة وجب الانتباه لها.
س- تقول روزا لوكسمبورغ، وهي منظّرة ماركسية وفيلسوفة واقتصادية وإشتراكية ثورية من أصول بولندية، إنّ الثورة هي شكل الحرب الوحيد الذي لا يأتي النصر فيه إلا عبر سلسلة من الهزائم..هل تتفقون وهذه المقولة ؟
ج-نحن لنا فلسفة خاصة تجاه الثورة، ولا نعتقد أن النصر يأتي كتتويج لسلسة من الهزائم، وإنما نعتقد أن النصر يأتي تتويجا لعملية تراكمية من التضحيات وبالتالي بعد أكثر من 50 عاما من الحكم الاستبدادي في دمشق لا بد أن تكون هناك جملة من التضحيات للسوريين سوف تتوج بالنصر.
-حين انطلقت الثورة السورية وتحديدا يوم 25 مارس 2011، في مسقط رأسي اللاذقية، رفعنا لافتة كتب عليها” للحرية ثمن غالٍ ونحن مستعدون لدفع الثمن”.. هذه هي فلسفة الشعب السوري لانتصار الثورة السورية.