مظاهرات كثيفة في 3 محافظات ضد النظام في جمعة «لا دستور ولا إعمار حتى إسقاط بشار»
انتفض آلاف المدنيين في أرياف ثلاث محافظات سورية بينها إدلب شمالي سوريا، وخرجوا في مظاهرات شعبية عارمة نادت بإسقاط النظام السوري ورفض تشكيل لجنة دستورية او إعادة اعمار البلاد، قبل تحقيق انتقال سياسي يدير دفة الحكم، وهو ما تراه المعارضة في الداخل السوري، شعاراً متوافقاً مع متطلبات المرحلة الراهنة، التي شهدت انفراجاً نزع فتيل معارك وشيكة ضد ادلب ومحيطها، بانتظار تحويلها – وفق مخرجات قمة بوتين – اردوغان إلى منطقة منزوعة السلاح، ما يشكل أولوية روسية تكمن في تأمين مصالح موسكو الاستراتيجية المتمثلة بتواجد عسكري واقتصادي طويل الأمد في الشرق الأوسط عبر قاعدة حميميم وبناء نظام حكم في سوريا لا يتعارض كلياً مع سياساتها.
وقال مصدر في الدفاع المدني في محافظة ادلب لوكالة الانباء الالمانية (د ب أ): «خرج مئات الآلاف من المتظاهرين في أكثر من 140 نقطة تظاهر في أغلب مدن وبلدات وقرى محافظات ادلب وريفي حماة وحلب، للمطالبة بإسقاط النظام السوري والإفراج عن المعتقلين».
وتابع المصدر أن المتظاهرين» يعتبرون «النظام السوري هو مصدر الإرهاب الذي فتح البلاد أمام الارهابيين، والميليشيات الطائفية التي تقاتل إلى جانبه». وأكد المصدر «خروج المظاهرات اليوم هو الاعلى في المناطق المحررة، وخاصة في مناطق خطوط التماس والجبهات بعد توقف القصف الجوي».
وأكد المرصد السوري لحقوق الانسان أن مظاهرات كبيرة خرجت ضمن مناطق سيطرة المعارضة في كل من حماة وإدلب وحلب. وذلك للأسبوع الرابع على التوالي، الا انها مختلفة عن سابقتها، حيث أعقبت الاتفاق الروسي – التركي بإقامة منطقة فصل منزوعة السلاح، والحؤول دون تنفيذ النظام للعملية العسكرية التي حشدت لها خلال الأسابيع الفائتة.
وأمام الدعوات الروسية لإعادة إعمار سوريا وتشكيل لجنة دستورية يرى فيها حلفاء النظام عنصراً رئيسياً «لحل الأزمة» بينما يعتبرها معارضوه صفحة جديدة في سجل إعادة تأهيل نظام الأسد، خرج امس الجمعة آلاف المدنيين في مظاهرات حاشدة تحت شعار «لا دستور ولا إعمار حتى إسقاط بشار». وعمت المظاهرات مدينة ادلب ومدن سراقب، وأريحا، ومعرة النعمان، وجسر الشغور، وبلدات كفرتخاريم، وبنش، والدانا، ودركوش، وتفتناز، وأطمة، ومعرة النعسان، والهبيط، ومحبمل، وحزانو، وسلقين حيث حمل المتظاهرون أعلام الثورة السورية وطالبوا بإسقاط نظام الأسد والتأكيد على أهداف الثورة في الكرامة والحرية.
وفي أرياف حلب الغربي والشمالي والشرقي، خرجت مظاهرات لاسيما في مدن إعزاز والباب والأتارب وجرابلس وعندان ومارع، وبلدات الأبزيمو، وباتبو، وأورم، ودارة عزة، وكفرنوران، والجينة، وطالب المتظاهرون بإسقاط النظام والمطالبة بالكشف عن مصير مدن وبلدات تل رفعت ومنغ بعد الاتفاق الروسي التركي، كما خرجت مظاهرات في ريف حماة الشمالي في مدن قلعة المضيق، واللطامنة، وبلدات كفرزيتا، وكفرنبودة، وجبل شحشبو.
«الدستور بعد الانتقال السياسي»
د. عبير حسين، مديرة مكتب المرأة لدى حركة تحرير الوطن، وهي ناشطة ميدانية في ريف حلب، اوضحت لـ «القدس العربي» انها عملت بالتنسيق مع مجالس مدنية من اجل تنظيم خروج المظاهرات المنادية باسقاط النظام ورفض إعادة الاعمار او وضع دستور للبلاد، وأضافت «سنعود إلى ما بدأناه منذ 8 سنوات، نطلق على كل جمعة تسمية تحمل مطالبنا وأهدافنا وحقوقنا، لنرسلها إلى العالم بأصواتنا التي تعلو في ساحات التظاهر، معلنة أن لنا مطالب عدل نسعى وراءها ولن نتهاون بها». وأضافت، «بالنسبة للدستور، وبما ان مجلس الأمن أقر بالانتقال السياسي، فان الدستور لا يمكن ان تتم صياغته الا بعد ان تتم عملية الانتقال السياسي الذي ستشكل بعده لجنة دستورية من ابناء البلد، وهم وحدهم من يملكون حق صياغة دستور لبلدهم، لتنظيم حياتهم وفق المعطيات الجديدة للبلاد، وليس قبل الانتقال السياسي. وبما ان دي مستورا يسعى جاهداً لاتمام عملية صياغة الدستور قبل العملية السياسية لهدف بات واضحاً، هو محاولة اقرار شرعية النظام من خلال جعله طرفاً في هذه العملية، مما يساعد على تكريس وجوده ونظامه، وهذا ما لا نقبله كون العملية ستعمل على هدم هدف الثورة في اسقاط النظام الدموي، وبما ان الشعب السوري لم يخرج لصياغة دستور فنحن نرسل للعالم عبر مظاهراتنا السلمية رسالة نقول فيها إن ثورتنا ليست لتغيير دستور، إنما لاسقاط نظام حكم كامل عاث في بلادنا الفساد».
أما عن الإعمار، فقالت د. عبير حسين، «كانت موسكو عبر محاولات باء أغلبها بالفشل في اطار سعيها إلى اعادة اعمار سوريا، بعد ان دمرتها بمساعدة نظام الأسد، تحاول أن تعطي لحربها علينا طابع محاربة الإرهاب، واننا ننطلق بمظاهراتنا للوقوف في وجه المحتل الذي دمر بلدنا».
الموقف الروسي
القناة المركزية لقاعدة حميميم الروسية أكدت أمس الجمعة أنه بحلول منتصف تشرين الأول/أكتوبر يجب أن تنسحب «جبهة النصرة» من المنطقة المنزوعة السلاح، مع سحب جميع الأسلحة الثقيلة من المنطقة، وذكرت وبالنسبة لما يخص الاتفاق الروسي التركي حول إدلب، «فهو موجه قبل كل شيء لاجتثاث التهديد الإرهابي، وهو بدون شك خطوة مرحلية لأنه يتم إنشاء منطقة منزوعة السلاح فقط لا غير». وينطلق موقف روسيا من اتفاق سوتشي حول الشمال السوري – الذي وقّع في 17 أيلول/ سبتمبر 2018 – من اعتبارات عدّة حسب الباحث السياسي عبد الوهاب عاصي، وهي «أن يُوفّر الاتفاق آلية ملائمة لمحاربة التنظيمات الإرهابية المتفق عليها بين أنقرة وموسكو، وأن يضع الاعتبار لمصالح تركيا في منطقة خفض التصعيد الرابعة والنتائج التي قد تخلفها أيّة عملية عسكرية على أمنها القومي – أي أن روسيا متمسكة برؤيتها للحل في سوريا والاتفاق في الشمال لا يغير من ذلك إنما يندرج ضمن الأسلوب والتكتيك المختلف الذي تم اتباعه في المناطق الأخرى – فالاتفاق مؤقت محكوم بظروف أمنية وسياسية».
خياران ومساران
وأشار الباحث إلى أن أولوية روسيا في محافظة إدلب ومحيطها تكمن في تأمين مصالحها الاستراتيجية المتمثلة بتواجد عسكري واقتصادي طويل الأمد في الشرق الأوسط عبر قاعدة حميميم وبناء نظام حكم في سوريا لا يتعارض كلياً مع سياساتها. ويبدو أن أمام روسيا خيارين لتأمين مصالحها وحمايتها وهما:
أولاً، إما أن تكون تركيا هي الضامن الرئيسي لمصالح روسيا، وفق دعوة الرئيس التركي خلال القمة الثلاثية التي أكد فيها أن بلاده مستعدة لحماية وتأمين مصالح موسكو في حميميم وحلب، لكن هذا الخيار يقتضي بالضرورة عقد شراكة استراتيجية بين أنقرة وموسكو تتجاوز الملف السوري.
وهنا يمكن تفسير المنطقة العازلة على أنها شريط أمان واختبار بالنسبة لروسيا حيث تحاول من خلالها أن تقبل بتركيا كضامن لكنها أيضاً تؤكد على دورها في ضمان مصالحها. أو أن تكون روسيا هي الضامن الرئيسي لمصالحها، وهذا يعني أن تضع موسكو نفسها أمام مسارين، يوضح أولهما القبول بالمكاسب المؤقتة في سوريا وتأجيل معركة الشمال السوري ومحاولة الالتفاف عليها نتيجة الواقع السياسي والأمني والعسكري الدولي والإقليمي والمحلي. وبالتالي يكون الاتفاق مع تركيا خادماً لهذه السياسة بحيث أنه سيسمح لروسيا بتحقيق خطوات متقدمة مستقبلاً أو مكاسب إضافية في الميدان مثل إبعاد الفصائل عن خط التماس وكذلك سلاحهم الثقيل، وابتلاع خطوطهم الدفاعية العالية وإشغالهم بالعملية السياسية والتعويل على ضعفهم داخلياً عبر الاقتتال فيما بينهم.
والثاني عدم القبول بالمكاسب المؤقتة وشن عملية عسكرية وأمنية محدودة تساهم في إخضاع الجيوب الرئيسية بمحيط حلب والساحل لسيطرة النظام السوري، وهذا المسار لم يحصل أصلاً بسبب الاتفاق.
المصدر: alraafed